قراءة في رواية : خنادق الحب

أحمد العربي

عن دار فضاءات للنشر والتوزيع صدرت رواية خنادق الحب للكاتب السوري المتميز و المنتمي للثورة احمد خميس، هذه الرواية الثالثة التي قرأتها له بعد مسرح العمى وقيامة اليتامى…

خنادق الحب كتبت على لسان الراوي واصفا الثورة السورية عبر نماذج لها بعد مضي سنوات على قيام الثورة ربيع ٢٠١١م. اما مكانها فهو أي مدينة في سوريا الثائرة…

سوزان مدرّسة اللغة العربية في إحدى مدارس المدينة التي نفهم انها الرقة، تفتقد حبيبها حسان الذي التحق في صفوف الجيش الحر للدفاع عن المظاهرات وعن الشعب الذي اصبح ضحية بطش النظام وتنكيله. حسان وسوزان كانا قد درسا سوية في الجامعة قبل سنوات، هي درست الأدب العربي وأصبحت مدرسة بعد ذلك، وهو درس الصحافة أصبح صحافيا . وعندما قامت الثورة السورية. أعلن حسان انتماؤه لها وجدها خشبة الخلاص له ولكل السوريين المظلومين. ضحايا القمع والفساد والتمييز والطائفية والاستبداد، لذلك كانت الثورة استجابة لمطالب الناس بالحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، كانت لاسترداد الكرامة اولا. وعندما اعتمد النظام البطش ومواجهة المظاهرات وقتل المتظاهرين واعتقالهم، كان لا بد أن ينشأ الجيش الحر ليدافع عن الثورة وعن المتظاهرين السلميين. أصبح حسان بكارزميته وتميزه قائدا ميدانيا في مدينته ومحيطه…

سوزان تتذكره وقد ودعها واعطاها رسالة يبوح لها بحبه ومكنونات نفسه. وأنه يقوم بواجبه لاجلها ولاجل كل السوريين. كان لديها زميل في المدرسة يعاملها بمودة ويتقرب منها. كانت تبادله الود. دعاها لنزهة في المدينة، ناقشها عن ما يحصل في سوريا. تفاجأت بأنه يتحدث مثل النظام عن ارهابيين ومؤامرة خارجية وعن حماية النظام… رغم إدراكه لكل ما حصل  وما يحصل في سوريا من ظلم واستبداد منذ عقود، وزاد تفاجأها انه اعلن حبه لها وطلب يدها زوجة له. رفضت سوزان عرضه ، واخبرته انها تحب أحدهم قاصدة حسان وأنهما ينويان الزواج … انزعج زميلها وقرر الانتقام منها ومن حبيبها. خاصة أنه يعمل مخبرا للجهات الأمنية في المدرسة…

على مستوى آخر كانت كتائب الثوار في المدينة قد استطاعت أن تفرض وجودها وتخطط لتضرب النظام وتنهي تواجده وتحرر المدينة، وبهذا الهدف استثمر حسان ورفاقه فرصة مجيء ضابط كبير لدى النظام الى المدينة، تم اغتياله وهو يخطب ويتبجح و في عز زهوته. قتل وتم اختطاف جثته. جنّت الاجهزة الامنية والعسكرية في المدينة وبدأت تبحث عن الجثة ولم تجدها. كان حسان ورفاقه قد خططوا أن يستثمروا وجود الجثة عندهم ليطلقوا سراح المئات من المعتقلين والمساجين نساء ورجال من سجن المدينة الكبير. حيث كان التعذيب والتنكيل والاغتصاب والقتل والتجويع والإذلال ديدن يومي جعل السجن جحيما. استطاع حسان ورفاقه إنقاذ السجناء من النساء والرجال مع المتوفين تحت التعذيب والمصابين والمعطوبين.

كما كافأ حسان نفسه بزيارة مليئة بالمخاطر الى بيت حبيبته سوزان، ونام عندها ليلة كانت ترياقا لنفسه ولها وتلبية حاجتهم للحب والتوحد وإشباع الشوق المتبادل.

 استطاع حسان أن يؤثر على رئيس السجن وعلى بعض العساكر ممن نقلوا المساجين الى مقايضة جثمان الضابط الكبير، بحيث اقنعهم ليلتحقوا بركب الثورة ويكونوا جزء من خططه .

في هذه الاثناء كان المعلم المخبر قد أخبر الأجهزة عن سوزان بأنها حبيبة حسان الذي علموا أنه قائد الثوار الذين قتلوا الضابط وانقذوا المعتقلين والسجناء. قتل القائد الامني المعلم المخبر مكافأة على اخباريته، وانه قذر خان اهله والحل التخلص منه ؟!!. قرر الضابط الامني الكبير اعتقال سوزان والزنا بها ثم مقايضتها مع حسان ليسلم نفسه ويحاسبوه على ما فعل. اعتقلت سوزان وسيقت الى السجن ووضعت تحت مسؤولية رئيس السجن الذي كان قد انشق والتحق بالثورة متأثرا بحسان. وأصبحت سوزان تحت حماية رئيس السجن. كما خطط حسان ليستثمر رئيس السجن والعساكر المنشقين معه ليستولوا على السجن ويفجره مع ما فيه من رجال استخبارات وسجّانين متورطين بدماء السوريين. وُضعت الخطة واستدرج القائد الامني ليأخذ سوزان واحتل حسان ورفاقه السجن بالتعاون مع رئيس السجن المنشق ومن معه. فُخّخ السجن وحبس داخله القائد الامني وخرج حسان وسوزان ومن معهم سالمين، ثم دمر على رؤوس من فيه من قتلة الشعب السوري. استشهد احد رفاق حسان في بعض المواجهات، كان تواقا للشهادة وحصل عليها…

هنا تنتهي الرواية…

في التعقيب عليها اقول:

نحن أمام رواية أخرى جديدة متميزة عن الثورة السورية. سلطت الضوء على مشروعيتها: أنها انتصار للمظلومين وأن دفاعهم كجيش حر عن المتظاهرين حق مشروع، وأن نموذج الجيش الحر الحاضر في الرواية هو رسالة الى الفصائل المنتمية للثورة المتواجدة فعلا على الأرض السورية، أن هذه هي نماذج الجيش الحر، أخلاق وتضحية وانضباط والتزام ووعي وتخطيط وأداء متميز. وكأن الرواية تدين ضمنا النماذج التي انحرفت وأساءت واصبحت اداة بيد الداعمين وأصحاب المصالح الضيقة، والتي اضاعت بوصلتها في النضال ولم تعد تعمل لمصلحة الناس انتصارا لحقوقهم، طبعا الا من رحم ربي…

تشير الرواية الى المنشقين وهذا ايضا مهم فهناك الآلاف من الضباط والجنود الذين غامروا بأرواحهم وأرواح عائلاتهم والتحقوا بالثورة، وتركوا للإهمال والنسيان ، الرواية تسلط الضوء جزئيا عليهم…

تسكت الرواية عن مآلات الثورة رغم انها كتبت ونشرت عام ٢٠٢٠. يعني بعد مضي تسع سنوات… كثيرة المتغيرات التي حصلت على السوريين وثورتهم وعلى سوريا عموما…

مليون شهيد تقريبا ومثلهم مصابين معطوبين ، ثلاثة عشر مليون لاجئ سوري داخل سوريا وخارجها. سوريا محتلة من الروس والايرانيين والأمريكان الذين يدعمون الانفصاليين الأكراد جماعة  الحزب العمال الكردستاني وال ب ي د الادارة الذاتية نموذجهم السوري، هذا غير ظهور داعش واندثارها تقريبا بعد أن قامت بدورها الخطير في قتل الشعب السوري ومحاربة ثورته، وتحويل أنظار العالم عن الثورة الى ما سمي الإرهاب واُنقذ النظام من الملاحقة الدولية. كذلك دور عصابات النظام الطائفي…الخ… كذلك بعض سوريا بيد هيئة تحرير الشام الملتبس وضعها، وبعض سوريا بيد الجيش الحر المدعوم من تركيا…

الرواية تتوقف عند حلم الثورة وفيه تمني ضمني ياليتها سارت الحال كما تحدثت الرواية وانتصرت الثورة واسقطنا الاستبداد ثم بنينا دولتنا الوطنية الديمقراطية العادلة…

نعم الرواية حلم…

أليس كل الحقائق تبدأ أولا أحلام مشروعة يعمل لأجلها أصحابها…؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى