تسلط حادثة غرق سوريين في مركب المهاجرين قبالة السواحل اليونانية الضوء على سياسات النظام السوري التي تستهدف إفراغ محافظات الجنوب من الشباب عبر تسهيل مغادرتهم.
وكشف “تجمّع أحرار حوران” أن نحو 150 شخصاً من أبناء محافظة درعا كانوا على متن القارب الغارق قبالة السواحل اليونانية، وأن عدد الناجين السوريين لم يتجاوز 35 شخصاً، فيما تأكدت وفاة بعض الأشخاص، بينما لا يزال مصير الغالبية مجهولاً.
ونشر التجمّع تسجيلاً صوتياً لأحد الناجين من أبناء درعا، أوضح فيه أن القارب ظل تائهاً في عرض البحر لمدة ثلاثة أيام، وبعد التواصل مع منظمات الإنقاذ، وصلت سفينة يونانية، وبعدها أخرى سويدية، وقدّمتا مساعدات، ثم جاءت سفينة أخرى بعد ذلك، رُبط القارب بها لتسحبه، ما أدى إلى انقلابه.
وقال الناطق باسم “تجمّع أحرار حوران”، أيمن أبو محمود، لـ”العربي الجديد”، إن “وجود أعداد كبيرة من أبناء درعا على متن القارب غير مستغرب، إذ بات الشباب يبحثون عن أي منفذ للهروب من المحافظة، ويجري ذلك بتشجيع وتسهيلات من سلطات النظام وأجهزته الأمنية، التي استهدفت خلال السنوات الماضية إفراغ درعا من شبابها، وكان هذا واضحاً خلال التسويات المتلاحقة التي تجريها هناك”.
وأضاف أبو محمود أن “نظام الأسد يسعى لإحداث تغيير ديمغرافي في مناطق الجنوب السوري، وإفراغ المنطقة من الشباب، ويجري خلال كل تسوية منح الشبان مهلة 6 أشهر للالتحاق بالخدمة العسكرية مع السماح بالحصول على جواز سفر وإذن سفر لمغادرة البلاد. عقب كل تسوية، وآخرها التسويات التي بدأت الشهر الماضي، يغادر مئات الشبان من المحافظة هرباً من تأدية الخدمة العسكرية، أو من الواقع الأمني المتردي في المحافظة التي تشهد عمليات اغتيال وخطف واعتقال متكررة”.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة، أعداداً كبيرة من الشبان يصطفون في طوابير أمام مبنى “قصر الحوريات” في درعا لتسوية أوضاعهم، ووفق وسائل إعلام تابعة للنظام، فقد انضم إلى هذه التسويات نحو 4000 شاب.
وفضلاً عن التردي الأمني والتهرب من الخدمة العسكرية، تعيش محافظة درعا أوضاعاً معيشية صعبة، فضلاً عن تفشي المخدرات التي تنشرها مجموعات مرتبطة بأجهزة النظام الأمنية.
وشملت التسويات الأخيرة التي يقودها العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية، العديد من البلدات مثل نصيب، والنعيمة، ومحجة، وكفر شمس، وغباب، وقيطة، وموثبين، وأم ولد، واللجاة، إضافة إلى مدينتي إنخل والصنمين.
وتنص بنود التسوية على أن يحصل الشخص على مهلة 6 أشهر للالتحاق بالخدمة العسكرية، إن كان متخلفاً عنها، ومهلة شهر واحد للمنشقين عن قوات النظام للالتحاق بقطعهم العسكرية، مع السماح لجميع المطلوبين بالحصول على إذن سفر لمغادرة البلاد، وإن تجاوز الشخص المهل المحددة، يُعتبَر “مطلوباً للدولة”.
ويرى الناشط أبو محمد الحوراني أن الهدف الأبرز للتسويات الأخيرة كان تحفيز الشباب على المغادرة بسبب علم النظام أن معظمهم يرفضون تأدية الخدمة العسكرية التي قد تمتد لسنوات، وغالباً ما يُفرَز أبناء المحافظة إلى المناطق الساخنة في درعا والشمال السوري ليلقوا حتفهم.
يضيف الحوراني لـ”العربي الجديد”: “هذا ما يفسر الإقبال اللافت للشباب على إجراء التسوية سعياً للحصول على وثائق سفر، ومغادرة البلاد بشكل قانوني. عقب التسويات الأخيرة، غادر مئات الشباب محافظة درعا، إما باتجاه ليبيا أو الشمال السوري، والهدف محاولة الوصول لاحقاً إلى أوروبا، بينما يحاول البعض الاستقرار في مصر، حيث توجد جالية سورية تعيش ظروفاً مستقرة نسبياً. تكلفة الانتقال من درعا إلى الحدود اللبنانية أو إلى الشمال السوري تقترب من ألفي دولار، ويتقاضاها سماسرة ينسقون مع حواجز النظام حتى لا يتعرض الشخص للمساءلة خلال مروره بتلك الحواجز”.
نجح الشاب السوري سامر المسالمة في الوصول إلى فرنسا حديثاً عبر اليونان، ويقول لـ”العربي الجديد”، إن ما دفعه إلى اتخاذ قرار الهجرة، خشيته على حياته من الاغتيال، في ظل التصفية اليومية التي تحصل لمن كانت لهم أية أنشطة مع فصائل المعارضة في السابق، أو من يرفضون الانخراط في تشكيلات النظام الأمنية والعسكرية. مضيفاً أنه كان يخشى التعرض للاعتقال أيضاً، ويتجنب المرور على حواجز النظام، أو مغادرة قريته الصغيرة، ما جعل القرية سجناً لا يطاق.
ويوضح المسالمة أن “المئات من الشبان غادروا محافظة درعا بالفعل عقب التسويات الأخيرة، إذ تسهل سلطات النظام إعطاء إذن السفر لأبناء محافظتي درعا والقنيطرة، لكن ذلك لا يمنع تلقيهم رشىً من الراغبين في الحصول على إذن السفر بحجة تسريع الحصول على الموافقة”.
المصدر: العربي الجديد