سورية… مبادرات في الفراغ السياسي

محمد أمين

طُرحت مبادرات عدة في الآونة الأخيرة من قبل هيئات وشخصيات سورية معارضة في محاولة لتحريك مياه العملية السياسية الراكدة، للتوصل لحل سياسي للقضية السورية.

إلا أن النظام ماضٍ في تجاهل وإهمال أي مبادرة تستند إلى القرار الدولي 2254 يمكن أن تشكل خطراً عليه. ويستند النظام إلى عدم توافر الإرادة الدولية الكافية لتطبيق الحل السياسي، وإلى الخطوات التي تتخذها الدول العربية والإقليمية باتجاه تطبيع العلاقات معه.

وكررت هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، خلال اجتماعها في جنيف الأسبوع الماضي مع ممثلي الدول المعنية بالملف السوري، الاستعداد لـ”تطبيق العملية السياسية، وفق القرارات الدولية”.

وأكد بدر جاموس، رئيس هذه الهيئة التي تضم منصات سورية معارضة في مؤتمر صحافي في جنيف قبل أسبوع، أن “المعارضة مستعدة لمفاوضات ديناميكية في إطار القرار 2254″، محمّلاً النظام مسؤولية أي عرقلة للعملية السياسية، مضيفاً: “نحن مستعدون للتفاوض من أجل حل عادل”.

كما دعت الهيئة، عقب اجتماع لمكوناتها في جنيف الأسبوع الماضي، “الدول الشقيقة والصديقة لدعم جهود الأمم المتحدة، لاتخاذ كل ما يلزم من قرارات لتطبيق الحل السياسي الشامل وفق منطوق قرار مجلس الأمن الدولي 2254” الصادر في 2015، “الذي يحدد خريطة طريق دولية للتوصل إلى حل سياسي”.

وكانت المعارضة السورية نسفت تراتبية القرار 2254، ووافقت على البدء في التفاوض على كتابة دستور قبل تحقيق الانتقال السياسي، إلا أن هذه الخطوة لم تثمر عن نتائج، حيث استغل النظام اجتماعات اللجنة الدستورية، التي شكلتها الأمم المتحدة، لشراء الوقت وتمييع القضية السورية.

إطلاق منصة “مدنية”

ولم تتوقف المبادرات السياسية عند قوى الثورة والمعارضة الممثلة في هيئة التفاوض، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، حيث أطلق ممثلون عن أكثر من 150 منظمة مدنية سورية، منصة سياسية جديدة حملت اسم “مدنية” أكدت على “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”. إلا أنها أكدت أنها “ليست بديلاً عن أي جسم سياسي”، مشيرة إلى “أنها ستكمل جهود كل المنصات السياسية الموجودة والمعترف بها دولياً وفق القرار 2254”.

وأكد أعضاء هذه المنصة، في بيان في باريس الثلاثاء الماضي، التزامهم “حلاً سياسياً وفق القرارات الدولية، وفي مقدمتها 2118 و2254، بما يضمن إطلاق سراح المعتقلين والمختفين قسرياً عند النظام وباقي أطراف الصراع”.

كما أكدوا رفضهم التطبيع مع نظام بشار الأسد وإعادة تأهيله، داعين إلى استمرار محاسبته ومحاسبة حلفائه على جرائمهم.

وتعوّل الأمم المتحدة على دور فاعل للمجتمع المدني في التوصل لحل سياسي، حيث منحته حيّزاً كبيراً في اللجنة الدستورية، مع تشكيل ممثلي هذا المجتمع ثلث أعضاء اللجنة، اختارتهم الأمم المتحدة من الطرفين (النظام والمعارضة).

محاولة لتفعيل القوى المشتركة

وبيّن عضو “مدنية” فادي ديوب، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “ليس من أهداف مدنية طرح رؤية لحل سياسي في سورية”، مضيفاً: نحاول الآن تفعيل أدوارنا لاستخدام قوانا المشتركة للتأثير بما يضمن حماية مصالح السوريين وتطلعاتهم، ببلد ديمقراطي حر ذي سيادة متبني لحقوق الإنسان.

في غضون ذلك، طرح العميد المنشق عن قوات النظام مناف طلاس (وهو ابن وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس) مبادرة، أول من أمس الجمعة، تهدف إلى “جمع السلاح والمحافظة على السلم الأهلي بهدف الوصول إلى حل سياسي”.

ويرأس طلاس مجلساً عسكرياً محدود التأثير، يضم العديد من الضباط المنشقين، “يعمل حالياً على ترتيب آلية العمل الخاصة به، للمرحلة المقبلة وفق الإمكانات الدولية”، وفق تصريحات صحافية لطلاس نشرت الجمعة الماضي.

ولطالما طُرح اسم فراس طلاس لقيادة مجلس عسكري يضم ضباطاً من النظام والمعارضة، يشرف على مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات تضع البلاد على طريق الديمقراطية، في استنساخ للتجربة المصرية عقب ثورة يناير/كانون الثاني العام 2011.

ولا يحظى طلاس بقبول واسع في الأوساط السورية المعارضة رغم انشقاقه في العام 2012 عن “الحرس الجمهوري”، القوة الأكثر أهمية في قوات النظام، باعتبار أن والده كان جزءا من مرحلة الأسد الأب، وأسهم في توريث السلطة للأسد الابن منتصف العام 2000.

ولم تنقطع المبادرات التي تطرحها مختلف قوى المعارضة السورية طيلة السنوات الماضية، إلا أن النظام لطالما قابلها بالإهمال، وخصوصاً إذا كانت تستند إلى القرار الدولي 2254، مستفيداً من دعم روسي وإيراني واسع وتراخٍ من قبل أميركا، التي اكتفت بفرض عقوبات اقتصادية لم تدفع النظام لطاولة تفاوض جدي، ما يرسخ حالة الفراغ السياسي في القضية السورية.

قلق المعارضة من الانفتاح العربي والتركي على النظام

وتعكس المبادرات التي طُرحت أخيراً قلق المعارضة السورية من الانفتاح العربي والتركي على النظام السوري، الذي يسعى إلى تجاوز القرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية، والتي تنص على إنشاء هيئة حكم كاملة الصلاحيات تشرف على مرحلة انتقالية وتضع دستوراً جديداً تُجرى على أساسه انتخابات.

وفقدت المعارضة السورية أغلب أوراق القوة التي كانت تمتلكها بدءاً من أواخر العام 2015، مع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر لصالح النظام، حيث خسرت أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها في عموم البلاد، وانحصر وجودها في حيّز جغرافي ضيّق في الشمال السوري.

ولم تقتصر المبادرات على قوى الثورة والمعارضة السورية، فقد عادت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سورية، وطرحت في إبريل/نيسان الماضي، مبادرة قالت إنها تهدف إلى وضع حل “سلمي وديمقراطي” للأزمة السورية. وأبدت الاستعداد لـ”الحوار” مع النظام، الذي رفض سابقاً عدة مبادرات من هذه “الإدارة”، حيث يطالب باستعادة الشمال الشرقي من البلاد دون شروط.

النظام السوري لا يعبأ للمبادرات

وتعليقاً على المبادرات الأخيرة من قبل قوى سورية معارضة، بيّن مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “نظام الأسد لم يعبأ قط، ولا يعبأ حالياً، ولا أعتقد أبداً أنه سوف يعبأ أو يهتم مستقبلاً بمثل هذه المبادرات على الإطلاق”.

وبرأيه فإنه من الواضح أنه لا توجد إرادة حقيقية لدى المجتمع الدولي لفرض أي شيء على النظام السوري حالياً، لكن المعارضة تحاول تحريك المياه الراكدة، وربما تنتظر تغير الرياح الإقليمية والدولية لتحسين وضعها.

وأعرب عن اعتقاده أن “الأولى بالمعارضة السورية، أن تعمل على رأب الصدع الداخلي، وتحسين العلاقات البينية، واستعادة تمثيل الشارع السوري بالدرجة الأولى، بدلاً من طرح استعدادها للتفاوض مع النظام، من دون رصيد شعبي ودولي”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى