اللواء فهد الشاعر، ضابط من طينة العلماء العسكريين المحترفين الذين ليس لهم في السياسة شيء، و الحائز الوحيد على رتبة ركن في نهاية الخمسينيات من الاتحاد السوفييتي ليكون أول خريج عربي من دورة قيادة قادة جيوش.
بقدرة قادر و من حيث لا يدري الناس يُلقى القبض على اللواء الشاعر بتهمة انتمائه لتجمعٍ عسكري بقيادة الرائد سليم حاطوم للإطاحة بالنظام الثوري… بتاريخ 8 أيلول 1966، و هو تاريخ تمرد سليم حاطوم في السويداء و اعتقاله لـ صلاح جديد و نور الدين الأتاسي أثناء زيارتهما لها.. و كعادة الثوريين من رجالات شباط (أي حركة 23 شباط 1966 التي قادها صلاح جديد بترتيب مع حافظ أسد) فقد مارسوا بحق اللواء فهد الشاعر حفلات التعذيب و الإهانات التي يندي لها الجبين، حتى أن أحد الشهود من زملائه في المعتقل روى، أن المحققين كانوا يجلبون مجرد جنود عملوا تحت إمرته يجبرونه على الجثو على أربعة و يمتطونه (كالدّابة)، و يسير بهم بين الزنزانات.
شاءت الصدفة و بحكم عملي الوظيفي في عام 1989 أن كنت بجولة في محافظة السويداء برفقة صديق لي تربطه بعائلة اللواء الشاعر صلة قرابة، و سألني زيارته، و أنا قبلت دون نقاش يشدّني فضولي للتعرف عليه لأني سمعت عنه الكثير.. و صلنا إلى قرية بوسان لنجد اللواء فهد يجلس على باب داره و يلبس معطفاً عسكرياً بالياً.. بادر الصديق بممارسة طقوس التعارف بيننا، مما ترك راحة في نفسي و خصوصاً أن اللواء فهد رحب بي كثيراً لمعرفته بعائلتي.
قدمت زوجته الشاي و تبادلنا أطراف الحديث.. لم يضطرني الأمر سوى أن أطرح سؤالاً ليسرح هو بالحديث.. فاجأني كثيراً هذا الجسد المنهك الذي يحتوي عقلاً متقداً، و حديثاً مترابطاً و متواتراً و موزوناً على الرغم من تجنبه الدخول ببعض التفاصيل.. مع نهاية جلستنا بادرته: الحمد لله أن صحتك جيدة.. شعرت أن النظر غاب عن عينيه كأنني طعنته.. صمتَ ونحن واقفين نهمّ بالخروج ونظر إلى زوجته وهو يوجه كلامه لي: لولا هذه المرأة الطاهرة الصابرة لقتلت نفسي من زمان.. آذى نفسي ردّه، و فور خروجنا سألت الصديق عن السبب، فأجاب كمن يبوح بسرّ، أن ذاك الرجل و بنتيجة التعذيب الذي تعرض له على أيدي رجالات حافظ أسد و صلاح جديد، يعاني من مرض السلس البولي و التبول اللا إرادي، و يضطر لوضع فوط أطفال!.
نعم استحق اللواء فهد الشاعر هذا الأذى و السّادية التي مورست عليه.. أليس هو الضابط الذي على الرغم من تعاطفه مع الوحدويين و القوميين إلا أنه رفض الانتساب لأي حزب سياسي حفاظاً على حرفية الجيش و تجنيبه مهاترات السياسة ..! .
استحق ذاك الألم يرافقه حتى مماته عام 1994 لأنه كُلف عام 1965 بقيادة الجبهة السورية/الإسرائيلية و وضع خطة متوقعة لصد هجوم إسرائيلي و أصرّ على القيادة تنفيذها، أو أن الجولان سيسقط، و هذا ما كان بعد عام على اعتقاله، فقد جُمدت خطته و سقط الجولان سلاماً لروحه.
المصدر: أورينت نت – 2017-06-03