الانتخابات التركية وانعكاساتها على السوريين وقضاياهم

انتهت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية في 28 أيار/ مايو 2023، بفوز الرئيس أردوغان بفترة رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، تمتد حتى عام 2028، وكانت قد سبقتها الجولة الأولى في 14 أيار/ مايو 2023، وكانت انتخابات برلمانية ورئاسية في الوقت نفسه، وانتهت بحفاظ “تحالف الجمهور” الذي يضمّ حزب العدالة والتنمية وعدة أحزاب متحالفة معه (على رأسها حزب الحركة القومية)، على الأغلبية البرلمانية، على الرغم من تناقص عدد مقاعده بالبرلمان، لكن الرئيس أردوغان لم يتمكّن حينذاك من الفوز بالانتخابات الرئاسية وحسمِها من الجولة الأولى، فأعيدت انتخابات الرئاسة في التاريخ المذكور.

مع إعلان فوز الرئيس أردوغان في الجولة الثانية، تنفّس اللاجئون السوريون الصّعداء، بسبب زوال التهديدات التي تزايدت في الآونة الأخيرة حول ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا، وقد صبّت الزيت على نار التجييش الذي مارسته المعارضة التركية على مدى عدة أعوام سابقة، ضدّ اللاجئين السوريين في تركيا، حيث كانت تنسب إليهم كلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تركيا، وهو ملفّ إنساني استغلّته المعارضة لأغراض سياسية وانتخابية، في مسعًى لأن يتحوّل هذا التجييش إلى مزيد من الأصوات لصالحها في الانتخابات التركية الأخيرة. وقد زاد هذا التحريضُ بين الجولتَين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية، وخاصّة بعد تحالف أوميت أوزداغ (رئيس حزب النصر)، مع كمال كليجدار أوغلو (مرشح تحالف الأمة)، حيث ظهرت لوحات على الطرق العامة تحمل شعارات عنصرية تجاه السوريين.

في أثناء الحملات الانتخابية، رفعت كلّ الأحزاب التركية سقف الوعود التي قدّمتها، بخصوص عودة اللاجئين السوريين إلى سورية، وذلك تحت ضغوط حالة الاحتقان في الشارع التركي، لذا جاءت كثير من الوعود على نحو غير منطقي وغير قابل للتحقيق، وكانت غايتها كسبَ صوت الناخب التركي بشكل أساسي.

مع هذه النتائج للانتخابات التركية، سنناقش في هذه الورقة ثلاث مسائل:

  1. أثر نتائج الانتخابات التركية على اللاجئين السوريين في تركيا.
  2. أثر الانتخابات التركية على سياسة تركيا تجاه الفاعلين الآخرين في القضية السورية.
  3. أثر نتائج الانتخابات على السياسة التركية تجاه القضية السورية والحلّ السياسي فيها.

أولًا: أثر الانتخابات التركية على اللاجئين السوريين في تركيا

  1. ستقع سياسات الحكومة التركية الجديدة تجاه اللاجئين السوريين تحت عدد من الضغوط:
    أ-ضغوط قناعة حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان بأنّ ملفّ اللاجئين السوريين الإنساني قد استُخدم لغايات سياسية، وأنّ المستهدف من تشويه صورة اللاجئين السوريين هو حزب العدالة والرئيس أردوغان، وهم يدركون أن من مصلحة الحزب إزالة هذا الاحتقان المجتمعي الضار، والدفاع عن سياستهم باستقبال اللاجئين السوريين، وتصحيح الصورة التي شوهتها المعارضة التركية عن عمد.
    ب-ضغوط توقّع استمرار المعارضة التركية باستخدام ملف السوريين، وهي مقبلة على الانتخابات المحلية (البلدية) بعد عشرة أشهر فقط، خاصة أن المعارضة استطاعت -من خلال حملات التحريض والكراهية تجاه السوريين في الفترة الماضية- إقناع كثير من المواطنين الأتراك بموقفها من السوريين، لكن حدة هذه الحملات قد تخفّ على وسائل التواصل الاجتماعي حتى البدء بالحملات الانتخابية للانتخابات البلدية.
    ت-ضغوط التزام أردوغان بوعوده التي أعلنها أثناء حملته الانتخابية تجاه اللاجئين السوريين، فقد ركز على نقطتين: الأولى منع موجات هجرة جديدة إلى تركيا؛ والثانية العمل على إعادة السوريين المقيمين في تركيا من خلال عودة طوعية وآمنة، وتقوية المؤسسات العاملة في قضايا السوريين، مع عدم السماح بالتمركز الجغرافي لهم، والاستمرار في تعزيز أمن الحدود. وقد صرّح أكثر من مسؤول من تحالف الجمهور، على رأسهم الرئيس أردوغان، بأنهم يهدفون إلى إعادة مليون سوريفي الفترة المقبلة، مؤكدين عودة 600 ألف من السوريين حتى الآن. وستلاحق المعارضة تنفيذ هذه الوعود.
    ث-ضغوط استعصاء القضية السورية، واستمرار وجود حزب PYD، شرق الفرات، وعدم قبول الأسد إعادة أي لاجئ، مما يعني عدم وجود إمكانية لعودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم، إلا بشكل محدود إلى مناطق سيطرة المعارضة، بما يجعل تنفيذ الوعود تواجه طريقًا مسدودًا.
  2. التوقعات المستقبلية بخصوص اللاجئين السوريين في تركيا:

مع أخذ الضغوط المذكورة أعلاه بعين الاعتبار،

يتوقع تردد الحكومة التركية الجديدة في إجراء تغيير كبير في السياسة الحالية تجاه اللاجئين السوريين قُبيل الانتخابات البلدية، كي لا تُظهر تعاطفها مع السوريين، خوفًا من خسارة بعض أصوات الناخبين، وتوقّع تعديل طفيف يخفف الضغوط الحالية التي يتعرّض لها السوريون، ومن غير المتوقع أن تتراجع الحكومة عن سياستها في بعض القرارات، مثل تقييد السفر والأحياء المغلقة أمام الأجانب.

يمكن أن يعاد النظر في قانون الحماية المؤقتة، ومن المحتمل صدور قانون يجعل وجود اللاجئين السوريين في تركيا أكثر تنظيمًا، خاصة إن صدرت مطالبات كثيرة بإعادة النظر فيه من طرف مقرّبين من الحكومة.

يتوقع استمرار التشدد في منح الإقامات السياحية وإقامات العمل، واستمرار أوضاع العمالة السورية في الفترة المقبلة بشكلها الحالي، مع محاولات لضبطها بشكل أكبر، وخاصة أن قطاع الأعمال التركي يطالب ببقاء العمالة السورية في تركيا، نتيجة الحاجة إليها في بعض القطاعات.

استمرار سياسات التجنيس كما هي الآن، مع احتمال تقليل أعداد المرشحين للتجنيس، وربما توضع شروط جديدة أو يطرأ تغيير على بعض الشروط لمن يتمّ تجنيسهم عبر الاستثمار أو شراء عقار.

سيستمر العمل بالاتفاقية الموقّعة مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 بشأن اللاجئين، وستسعى تركيا للحصول على دعم مالي أكبر.

ثانيًاأثر الانتخابات على علاقات تركيا مع النظام السوري

  1. على الرغم من أن إعادة تواصل تركيا مع مؤسسات النظام بدأت قبل الانتخابات، وخاصة على مستوى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي لا يكاد تواصلها ينقطع؛ فإنها تسارعت مع اقتراب موعد الانتخابات، وخاصة تحت ضغوط المعارضة التركية التي تطالب بترحيل السوريين عبر التواصل المباشر مع النظام، وعبر الضغوط الروسية لبدء هذا التواصل من جهة، وسلبية الموقف الأميركي تجاه السياسة التركية عمومًا من جهة أخرى، وجمود وضع القضية السورية من جهة ثالثة، مما دفع تركيا إلى التواصل مع دمشق، ولذلك بدأ مسار موسكو الرباعي الذي يضمّ كلًّا من تركيا وروسيا وإيران والنظام والسوري.
  2. ثلاث قضايا أساسية يتم التفاوض عليها بين النظام السوري وتركيا:
  3. القضية الأولى:هي عودة اللاجئين السوريين، وعلى الرغم من أنها قضية إنسانية، وثمة توافق على حتمية عودة السوريين إلى بلادهم، فإنّ النظام السوري لا يريد إعادة أي لاجئ، ويريد إبقاء هذه المسألة -مع مسألة المعتقلين والمغيّبين قسرًا وجوازات السفر وغيرها من معضلات- معلّقةً بدون حل، ويربط حلّها بإعادة تأهليه دوليًا، ورفع العقوبات عنه، ورفع فيتو إعادة الإعمار، من دون أن يقدّم أي تنازل، ولن يقبل بضمانات دولية أو بوجود مراقبين. غير أن الدول السبع الكبار تربط رفع العقوبات والفيتو على إعادة الإعمار، بتحقيق حل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن، وهذا ما أكدته الدول السبعة الكبرى في اجتماعها في هيروشيما في اليابان، بتاريخ 19 أيار/ مايو 2023، الأمر الذي يرفضه كلٌّ من النظام وداعميه، روسيا وإيران. وكذلك هناك مشروع منع التطبيع مع النظام السوري، وقد تتم الموافقة عليه من الكونغرس الأميركي في الأيام القادمة. وهذا يعني أن طريق إعادة أي لاجئ سوري من تركيا إلى سورية هو طريق مسدود في الوقت الحالي.
  4. القضية الثانيةالوجود التركي في سورية، حيث يشترط النظام السوري سحب القوات التركية من الأراضي السورية، قبل التقدم في مسار التطبيع بين الطرفين، بينما تطلب تركيا التوقيع على اتفاقية أضنة جديدة تسمح لها بالتوغل لمسافة 30 كم داخل الأراضي السورية، في حال وجود أي تهديد لأمنها القومي، ولا يتوقّع الوصول إلى اتفاق بهذا الخصوص.
  5. القضية الثالثةمسألة وجود حزب PYD الذي يسيطر على معظم شرق الفرات، وهو فرع من حزب PKK التركي المصنف منظمة إرهابية، ويقيم اليوم “إدارة ذاتية” شرقي الفرات ومنبج، بما يشبه شمال العراق، وهو الأمر الذي تعدّه تركيًا تهديدًا لأمنها القومي. وبالرغم من أن عودة سيطرة النظام على منطقة شرق الفرات يخدم المصلحة التركية، لأنه يُنهي احتمال قيام كيان كردي شبه مستقل يقوده حزب PYD، فإن وجود المنطقة الآن تحت الحماية الأميركية، حيث يوجد 900 جندي أميركي في المنطقة، يمنع الوصول إلى أي اتفاق بينهما، ولا يبدو انسحاب هذه القوات مطروحًا حاليًا.
  • على الصعيد السياسي بين تركيا والنظام السوري:
    يتوقع استمرار السياسة التركية الحالية تجاه القضية السورية، والمسارات التي اشتركت فيها تركيا لحل الأزمة مع روسيا وإيران والنظام السوري، وخاصة المسار الرباعي في موسكو ومسار آستانة، والتركيز على مسألة وحدة الأراضي السورية، ومكافحة الإرهاب، والمتمثل -وفقًا لوجهة النظر التركية- بحزب PYD الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، حيث تمثل هذه الأمور الأولوية التركية في الفترة القادمة، مع محاولة تركية لخلق التوازن بين تلك المسارات، والمسار الأممي للحل والقرارات الدولية وخاصة القرار 2254، لأن ذلك يحقق قوّةً للموقف التركي في المفاوضات الجارية في موسكو.
    من المتوقع استمرار مسار التواصل بين تركيا والنظام السوري، وفقًا للمسار الحالي، إذ تجد الحكومة مصلحتها في ذلك ضمن استمرار استعمال المعارضة التركية لملفّ اللاجئين السوريين، مع تباطؤ في هذا المسار في فترة ما بعد الانتخابات، وعدم تحقيق تقدّم يُذكر، إذ ليس لدى النظام ما يقدمه لتركيا، بسبب استمرار وجود أميركا في الجزيرة السورية، واستمرار العقوبات والفيتو على دعم إعادة الإعمار، ما لم يتحقّق حل سياسي وفق 2254، وهو أمرٌ ما زال بعيدًا.
    من المتوقع استمرار السياسة التركية تجاه منطقة شرق الفرات دون تغيير، مع استمرار رغبة تركيا في القيام بعمليات عسكرية في شرق الفرات، إضافة إلى منبج وتل رفعت في ريف حلب، واستمرار استهداف قيادات PYD عبر الطائرات التركية المسيّرة. ولكن لا يتوقع أن تعطي الإدارة الأميركية الضوء الأخضر لأي عملية عسكرية شرق الفرات.

ثالثًا: أثر الانتخابات على مناطق سيطرة الجيش الوطني وإدلب

ما زالت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، حيث تنتشر نقاط للجيش التركي، تعاني مشكلات الفصائلية وتبعاتها، مع عدم وجود حوكمة فاعلة فيها، وأوضاع اقتصادية متردية، وثمة حاجة إلى إعادة ضبط المنطقة في الشمال السوري، وإقامة حوكمة منظمة، مع خارطة تنميةٍ تخلق مناخًا جاذبًا للاستثمار وفرص العمل والسكن في تلك المناطق، والقضاء على التشتت الفصائلي فيها. لكن من غير المتوقع في الفترة المقبلة حدوث تغيير يُذكر في أوضاع تلك المناطق، على الأصعدة كافة، باستثناء بناء بعض المساكن التي تهدف إلى إعادة لاجئين سوريين مقيمين في تركيا، وفي حال تطبيقها قد تزيد الضغط على هذا المنطقة المكتظة بالسكّان أصلًا، مع مواردها الشحيحة، وطاقتها المحدودة لاستقبال أعداد جديدة من السوريين، ومعاناتها الانقسام الفصائلي، حيث لم يصل مستوى الحوكمة فيها إلى المستوى المقبول، ومع غياب فرص العمل في تلك المناطق التي تعاني نسبة بطالة مرتفعة، كما يوجد عشرات آلاف السوريين في تلك المناطق ما زالوا يقيمون في المخيمات، وهم أولى بالإسكان من العائدين من تركيا، ومع صعوبة بناء 200 ألف وحدة سكنية خلال الجدول الزمني الذي تم وضعه، فضلًا عن أن عودة اللاجئين ينبغي أن تكون إلى المناطق التي خرجوا منها، وليس إسكانهم في مناطق جديدة، مع صعوبة وضع معايير محددة لمن سيعود لسورية، وصعوبة إقناع الناس بالعودة في ظل الظروف الحالية في سورية، وخاصة إذا تم تطبيق العودة الطوعية، وليس القسرية التي يخشى السوريون من تنفيذها ببعض الأساليب غير الواضحة.

ثمة مؤشرات على سعي هيئة تحرير الشام لتوسيع منطقة سيطرتها، على حساب مناطق الجيش الوطني، وهذا لا يمكن أن يحدث بدون موافقة تركية ضمنًا، ولكن أبعاد هذا الأمر لم تتضح بعد. وعلى ذلك؛ من غير الوارد الآن انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري. ومن غير المتوقع أن يطرأ تغيير على الموقف التركي تجاه مؤسسات المعارضة السورية المهمشة، حيث لم يتم إشراك مؤسسات المعارضة هذه، سواء الائتلاف أو هيئة المفاوضات أو الفصائل، في محادثات موسكو الرباعية، وتم تجاهل مشاركة المعارضة كليًا.

رابعًا: تأثير الانتخابات التركية على سياسات الفاعلين الإقليميين والدوليين في القضية السورية

بعد أن أصبحت القضيّة السورية بيد الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتركيا هي فاعل رئيس، فإن علاقات تركيا مع بقية الفاعلين عمومًا، وسياسات الفاعلين تجاه القضية السورية، تؤثر بشكل مباشر في السياسة التركية تجاه القضية السورية.

خلال الانتخابات التركية الأخيرة، ظهر الاصطفاف الدولي بوضوح، حيث وقفت موسكو سياسيًا مع أردوغان وتحالفه، بينما وقفت دول الغرب مع المعارضة ومرشّحها. ولكن لا يتوقع أن يؤثر هذا بشكل كبير في سياسة تركيا الخارجية عمومًا، وفي السياسة التركية تجاه القضية السورية، فما زال التحالف الحاكم ممسكًا بزمام السلطة.

لا تبدو في الأفق الدولي تغييرات ذات تأثير كبير على الملف السوري المجمّد منذ سنوات؛ فالقوات الأميركية مستمرة في الوجود شرق الفرات، وتقدّم حماية لقوات PYD، ولا يتوقّع سحب قواتها قريبًا، وما زالت متمسكة مع بقية دول السبع بالحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، ومتمسكة بالعقوبات على النظام، بل إنها تسعى لفرض مزيد منها. ومن غير المتوقع أن تسمح أميركا بعلميات عسكرية جديدة لتركيا في الشمال الشرقي السوري، وخاصة أن إدارة بايدن مقبلة على انتخابات في العام المقبل، ومن غير المتوقع إحداث تغييرات كبيرة في السياسة الأميركية في المنطقة، ومنها سورية، في الفترة القريبة القادمة.

بالمقابل، يتقارب موقف روسيا وتركيا في ما يخص شرق الفرات، فكلاهما يعارضان الوجود الأميركي هناك، ويؤيدان عودة سيطرة النظام على مناطق شرق الفرات. وما زالت موسكو على موقفها الداعم للنظام، وهي تسعى للتقريب بين أنقرة ودمشق. ولكن من غير المتوقع أن يكون الموقف التركي أكثر تشددًا بعد أن انتهت الانتخابات، وسيتم المحافظة على سقف الطلبات التركية في ما يخص شرق الفرات ومناطق سيطرة المعارضة وإدلب وعودة اللاجئين وطبيعة الحل السياسي في سورية ومشاركة المعارضة.

ولا يتوقع أن يكون هناك أي تغيّر في السياسة الإيرانية تجاه النظام السوري ودعمه المطلق، وإيران وتركيا متنافستان اليوم في سورية، بعد أن كانتا متصارعتين قبل الانقلاب 2016. وتتشاركان في مسارات آستانة وسوتشي والمحادثات الرباعية. وسيبقى وجودهما في سورية موضع تنافس وصراع ضمني.

بحسب تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، يتم تداول فكرة تشكيل لجان من نواب وزراء خارجية الدول المشاركة في مسار موسكو الرباعي، لرسم خارطة طريق لعودة السوريين إلى وطنهم، تشمل المناطق التي تحت سيطرة النظام السوري، ومن المتوقع وضع هذه الخارطة في الأشهر المقبلة، لكن تطبيقها سيواجه العديد من التحديات، بعضها يتعلق بوضع السوريين في تركيا، وبعضها يتعلق بوضع الداخل السوري.

التغير الملحوظ جاء على الجبهة العربية، حيث تمت إعادة النظام ليحتل مقعد سورية في جامعة الدول العربية، في مسعى من الجامعة لاحتضان سورية “بعيدًا عن الحضن الإيراني”، ضمن مشروع ما يُسمى “خطوة خطوة”، دون الإفصاح عن محتوى هذا المشروع وخطواته. وستسعى الدول العربية، ولا سيما السعودية، مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتخفيف العقوبات، والسماح بتنفيذ خطوات تشجع النظام على الابتعاد عن الحضن الإيراني، وهو -بتقديرنا- وهم عربي. وضمن أجواء الموقف العربي للتطبيع مع النظام، وعودته ليحتل مقعد سورية في جامعة الدول العربية، ينعقد اجتماع لهيئة المفاوضات في جنيف، بعد ثلاث سنوات من التوقف، وثمة احتمال بعودة اللجنة الدستورية للانعقاد، لكن من غير المتوقع أن تحقق اجتماعاتها أي تقدم في الفترة القريبة القادمة.

قد تجد تركيا في المساعي العربية الأخيرة تجاه النظام السوري فرصةً لتحريك الملف السوري الجامد، ولأن يكون لها دور رئيس في هذا المسار، وقد تسعى لضم إحدى الدول العربية -السعودية- إلى المسار الرباعي في موسكو، حيث إن لروسيا أيضًا مصلحة بموازنة الموقف الإيراني بموقف عربي، وهذا يخدم الموقف التركي على المدى القريب والبعيد.

وما دام العرب ماضين في إقناع أميركا بموقف ليّن تجاه النظام السوري، فقد يكون لدى تركيا، بحسب ما تتداوله بعض الأوساط التركية، مبادرة لتطوير سياسية الخطوة خطوة، بصياغة حل سياسي في سورية، يقوم على انسحاب أميركي من شرق الفرات، وعودة سيطرة النظام على شرق الفرات، ضمن ترتيبات محددة، ومثلها في مناطق سيطرة الجيش الوطني وإدلب، مقابل رفع العقوبات ورفع الفيتو عن إعادة الإعمار، مع بقاء الأسد، مقابل تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها المعارضة وأطراف من المجتمع في السلطة، وإجراء اتفاق على مرحلة انتقالية محددة تنتهي بانتخابات حرة بمراقبة دولية فعالة. ويحقق مثل هذا الحل بضعة أهداف، حيث يُنهي مسألة كيان كردي مستقل شرق الفرات، ويخلق استقرارًا على الحدود الجنوبية لتركيا بعد 12 سنة من الاضطرابات، ويفتح الطريق لعودة جزء كبير من اللاجئين السوريين، ويفتح طريق التجارة البري بين تركيا ودول الخليج. وقد تدعم روسيا مثل هذا الحل، إذا ما ضمن مصالحها في سورية، ومع عدم استبعاد إيران ومصالحها من الحل، غير أن الموافقة الأميركية على مثل هذا الحل ستكون صعبة، وإذا كان بالإمكان إقناع روسيا بمثل هذا الحل، وهو أمرٌ لم يكن ممكنًا في السابق، فإن إيران والنظام ما زالوا يصرون على أنهم “انتصروا” في الحرب، وأن ليس عليهم تقديم أي تنازل لما يسمى معارضة سورية لتشارك في الحكم، بأي شكل كان.

خاتمة

مع فوز التحالف الحاكم في الانتخابات التركية الأخيرة، يُتوقّع أن تستمر السياسة التركية تقريبًا دون تغييرات كبيرة، سواء تجاه اللاجئين السوريين في تركيا، أو تجاه القضية السورية ككل، أو علاقة تركيا مع بقية الفاعلين بخصوص القضية السورية، خصوصًا قبل الانتخابات البلدية القادمة بعد عشرة شهور. ويُتوقّع أن يحدث انفراج في السياسة التركية الداخلية تجاه اللاجئين السوريين، بعد تلك الانتخابات. أي يتوقع أن يبقى اللاجئون السوريون في تركيا تحت ضغوط تحريض المعارضة للشارع التركي عليهم، حتى انتهاء الانتخابات البلدية.

من جانب آخر، ستكون تركيا أكثر تشددًا في مفاوضاتها مع النظام السوري، وستزداد تشددًا بعد انتهاء الانتخابات البلدية القادمة، إذا ما كانت النتائج لمصلحة الحزب الحاكم. ولا يُتوقّع أن تكون هناك تغييرات تذكر في وجود القوات التركية في الشمال السوري، أو في سياسات تركيا في تلك المناطق، كما لا يُتوقع حدوث تغيّر في سياساتها تجاه مؤسسات المعارضة السورية.

ومن المتوقّع أن تسعى تركيا لتحسين علاقاتها مع الدول الإقليمية ومع القوى الكبرى، وقد ينعكس ذلك إيجابًا، ويفتح طريق تفاهمات للتقدّم على مسار إيجاد حل للقضية السورية. وقد تسعى تركيا للانضمام إلى برنامج الجامعة العربية تجاه النظام، وربّما تعمل لتطويره باتجاه حل سياسي شامل، وتسعى مع العرب لتسويقه لدى كل من واشنطن وموسكو. ولكن من الصعب الجزم بقدرة المبادرة العربية، حتى بمشاركة تركيا، على إقناع الولايات المتحدة بذلك؛ فالصراع في أوكرانيا قد يُشكّل دافعًا أميركيًا يعوق أي حل في سورية قد تستفيد منه روسيا، ويُخفف الضغط عليها. إضافة إلى صعوبة إقناع روسيا واستحالة إقناع النظام وإيران بأيّ حلّ سياسي.

يبقى الموقف الأميركي موقفًا مقررًا في القضية السورية، ويبدو أنه ما زال متشددًا تجاه عقوبات النظام واستمرار بقاء القوات الأميركية شرق الفرات، مما يقطع الطريق على أي تقدّم حقيقي في الملف السوري

المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى