رامي العاشق الفلسطيني السوري يقدم شهادته عن الثورة السورية. كيف عاشها وعايشها.
شهادة رامي عبارة عن نصوص مكتوبة على فترات في عام ٢٠١٥م وآخرها كتبت في عام ٢٠١٦م. هي أقرب لبوح إنساني متنوع ينشغل بالحالة المشاعرية عند رامي في تلك الواقعة وفي تلك اللحظة. كلها نصوص تنهل من ذات المعين النفسي العقلي ومن تجربة رامي وما مر معه، وما ترسخ في وجدانه…
يستفتح رامي نصوص شهادته المؤلمة التي تعبر عن نزف الروح مع الدم. التهجير من مخيم اليرموك – فلسطين، حيث يغوص عميقا الرابط الوجداني بين أهل المخيم بتنوع ساكنيه واغلبهم من لاجئي فلسطين منذ أكثر من نصف قرن. كيف ينتزع الإنسان من وطنه البديل، لكنه وطنه الحقيقي. كما انتزع سابقا من فلسطين، وكيف يترك وراءه ذاته التي وعاها عبر سنين حياته. يقف عاجزا وعاريا ضعيفا مهينا، امام النظام الظالم وإذلاله وبطشه، عاريا أمام ذاته المنتهكة وحقوقه المنهوبة ثانية ليبدأ من جديد كفلسطيني وسوري رحلة لجوء جديدة…
انه رامي ابن فلسطين اولا ، فلسطين التي تواجدت في جيناته وأصبحت ذاته، التي يراها هبة الله، ويعيشها كلعنة أو قدر احمق او ذات خالدة تارة اخرى. وهو رامي ابن سورية ثانيا. سوريا المخيم. مخيم اليرموك تارة ومخيم فلسطين تارة وفي الحالتين هو ذاته بشارعيه جنوب دمشق. لم يعد مخيما، أصبح شبه مدينة سكنية، يحتفظ بالاسم وبالذاكرة فقط، هو الحياة البديلة، هو فلسطين التي أصبحت، بعدما خسرنا فلسطين التي كانت.
رامي يلعب بالكلمات كما فنان يتقن العزف على آلته الموسيقية يعزف عليها ليعطينا جرعات من اللوعة والحب واللهفة والشوق والتوق والألم والحزن العميق المديد… هو كذلك رامي العاشق حين يعزف على قيثارة اللغة العربية، يطربنا ويشقينا. ويجعلنا نحس بروعة لغتنا رغم كل ما نعيشه من عار ومآسي…
عندما يتحدث رامي عن فلسطين ومخيم اليرموك، يعيد الينا بعضا من ذاتنا… فنحن السوريون ممتلئين بفلسطين حد الثمالة، هي وجداننا ايضا… ومن منّا لم يكن له في المخيم بيت او صديق او حبيب او مناسبة عاشها هناك واستمرت في وجدانه دائما…
رامي بعد الثورة السورية التي تعامل معها كبديهية يجب أن تُعاش. أدرك فداحة ثمنها على السوريين وعلى فلسطيني سوريا أبناء المخيم والمخيمات، الذين وجدوا أنفسهم يعيدون اللجوء مرة أخرى من فلسطينهم الجديدة. تاركين ما يملكون وفوقها ذواتهم التي صنعتهم وصنعوها هناك عبر نصف قرن ويزيد…
رامي مخلص لفلسطين، لذلك غنى لها بلغته العذبة واطربنا. ومخلص لسوريا الوطن الذي عاش به ككل السوريين يحبونها بكل شغفهم. رغم ما عاشوه قبل الثورة، عقود من الظلم والقهر والحرمان والفقر والقهر والاستغلال. لكنها كانت ذاتهم التي لا بديل لهم عنها…
وعندما قامت الثورة السورية ربيع ٢٠١١م. لم تعد سوريا تتسع الظالم القاتل وللشعب. امام القتل المعلن على الشعب السوري والفلسطينيين منهم ومعهم، لذلك قرر الشعب بأغلبه الهروب او اللجوء الى اي مكان في العالم يقبلهم كبشر احياء وبكرامة، وهكذا حصل مع الفلسطينيين السوريين ايضا… هذا ما حصل مع السوريين والفلسطينيين. حيث تحولوا إلى بلاد العالم. من قبلهم ومن رفضهم. تلقفهم البحر والمخيمات وبعض البلدان وأصبحوا جزء من نسيج الحياة في تلك البلدان…
قارب رامي في أحد نصوصه واقع القتل العشوائي للناس في عموم سوريا. حيث القصف بالبراميل المتفجرة والطيران والمدافع على الناس العزل والاطفال والنساء البيوت المدمرة على رؤوس أهلها. الاشلاء الموزعة في الدمار وعجز عن تقبل ما يحصل وحتى عن فهمه . إدانة القتلة، الإنسان الاغلى في الوجود هو الضحية كل الوقت…
يتوقف رامي عند الحب والآخر والعشق ورسالة الوجود وأنه اكتملت انسانيته وذاته. حين التقى من احب وعاشا سوية …
ولانه منتصر لانسانيته وحقه أن يسترد مظلوميته من كل من ظلمه ، فقد نصب نفسه قاضيا عادلا حكم بالموت على كل من ظلمه يوما، قتله بخياله. قتل الكثيرين. لكنهم لم يموتوا وهو عاد ليعيش حياته. منتظرا عدالة قد تأتي وقد لا تأتي…
كما لم يفت رامي ان يذكر كل بلداتنا الثائرة التي كان مصيرها التدمير والقتل والتهجير. نموذجها داريا والمعضمية ومخيم اليرموك الذي توسع بالحديث عنه وهو ابنه . هو ركز أيضا على حي بابا عمرو الحمصي الذي قدم ما قدم فداء لقضية الكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية لكل السوريين…
أغلب نصوص هذه الشهادة ترجمت الى لغات اخرى وتم تداولها في بلاد اخرى في اوروبا. لقد وصلنا الى هناك و اثبتنا حضورنا. ولو بعد ان تناثر بعض اشلاء اجسادنا في بلدنا وحيث قتلنا ذئاب بلادنا وتعاون علينا ذئاب العالم. لكنا وصلنا ، ولو بعضنا أخيرا الى بلدان أعدنا فيها غرس ذواتنا أشجارا مثمرة ومعمّرة…
لم يقترف رامي العاشق ذنب الصمت عن الحب والعشق تحدث عميقا وكثيرا. الآخر الحبيب وحضوره الدائم. كحاجة ومعنى وتحدي للفناء. وحيث الآخر والحب متواجدان والجسد يشعل شمعة الوجود فالخلود حاصل في اللحظة المعاشة…
ينهي رامي العاشق شهادته بنص عنوانه مذ لم أمت. حيث يسرد حكاية وجوده الذاتي وانه مذ اكتشف انه مازال حيا. اعطى لنفسه رسالة وهدف، عمل حتى يحققهم منتصرا لانسانيته اولا ودوره في الحياة صانعا لحياته معنى ودور…
في التعقيب على الشهادة اقول:
لقد استمتعت مع غنائية وشاعرية وموهبة رامي العاشق في قدرته على استنطاق اللغة فتصبح ذاتنا التي نعتز بها. وهذا لا يلغي قيمة الموضوعات التي طالتها شهادته. لقد تناغمت اللغة في الصياغة مع المضمون المتميز فأعطت شهادة رائعة بكل المعاني، رغم ما فيها من جرعات الألم والمعاناة…