عاد ملف «الحج» إلى النقاش بين السوريين مجدداً كما جرت العادة منذ أن قامت المملكة العربية السعودية بسحبه من يد وزارة الأوقاف عام 2012 وإعطائه للمعارضة السورية. ورغم تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق فما زالت لجنة الحج العليا التابعة إلى «الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة» هي من تشرف على عملية تسيير قوافل الحجاج إلى بيت الله الحرام.
وفي السياق، نفى هشام خطيب المتحدث باسم لجنة الحج العليا الأخبار المتعلقة بإعادة ملف الحج إلى وزارة الأوقاف في حكومة النظام السوري، ووصف الأخبار المتعلقة بذلك بأن «لا أساس لها من الصحة» وأضاف في اتصال مع «القدس العربي» عبر تطبيق «واتساب» أن «ترتيبات الموسم الحالي تتم بشكل طبيعي دون أي تغيير».
وحول تخوف الحاج في مناطق المعارضة من المسألة ، لفت إلى أن «المملكة العربية السعودية تعلم علم اليقين أن نظام الأسد إقصائي، ولن يسمح لأحد خارج مناطقه من السفر لأداء مناسك الحج بينما لجنة الحج العليا السورية تخدم الحجاج السوريين من عام 2013 وإلى الآن دون النظر لانتماء سياسي أو موقع جغرافي وستستمر في ذلك ما دمنا ندير هذا الملف التعبدي».
وعن الجهوزية لموسم الحج السنوي، أشار الخطيب إلى أن اللجنة «أنجزت كامل العقود المتعلقة بخدمات الحجاج وسكنهم والآن نحن في مرحلة الحصول على تأشيرات الحج لحجاجنا» معبرا عن «شكر المملكة العربية السعودية وجميع المؤسسات التي تخدم الحجاج وتقدم كافة التسهيلات لهم».
في سياق منفصل، أفاد مدير الحج في وزارة الأوقاف في حكومة النظام السوري، حسان نصر الله، أن الحج للسوريين سيبدأ العام المقبل، ولا حج لهم هذا الموسم. وأضاف نصر الله حسب ما نقلته صحيفة «الوطن» المقربة من النظام في دمشق، أن ضيق الوقت لم يسعف اللجنة التابعة للنظام بالعمل على إجراء الترتيبات مع مسؤولين في المملكة العربية السعودية، نظرًا لأن عودة العلاقات مع المملكة أتت قبل مدة وجيزة من موسم الحج لهذا العام.
الأمر الذي أكده وزير السياحة في حكومة النظام، محمد رامي مارتيني، للصحيفة ذاتها، مشيرًا إلى أن وزارته لم تصدر أي قرار لمكاتب السياحة فيما يتعلق بتسيير قوافل الحج. واعتبر مارتيني أن أي مكتب يعمل على تنظيم رحلات لإداء فريضة الحج لهذا العام هو مخالف للقوانين. وأضاف مارتيني، أن من يحصل على تأشيرة الحج من السوريين خارج الأراضي السورية لا يعتبر من اختصاص وزارته، نظرًا لاختصاص الوزارة بما يبرم من عقود داخل الأراضي السورية، ومن هذا المنطلق اعتبر الوزير أن من حصل على تأشيرة الحج بطريقته الشخصية مسؤولاً عما يقع عليه.
كما تحدث وزير السياحة في حكومة نظام الأسد، بحسب «الوطن» عن إمكانية استئناف رحلات العمرة بإشراف الوزارات المعنية بعد موسم حج هذا العام، في إشارة منه لوزارتي السياحة والأوقاف، بحيث تتولى وزارة الأوقاف الجانب الإرشادي والديني، فيما تشرف وزارة السياحة على الجانب اللوجستي، وتضم لجنة الحج العليا في حكومة نظام الأسد ممثلين عن وزارات الأوقاف والسياحة، والصحة، والنقل، والداخلية. وتوقع الوزير ذاته استئناف الرحلات الجوية بين دمشق وجدة من الشهر المقبل.
الجدير بالذكر، ان تصريحات المسؤولين في حكومة النظام لم تشر إلى إشراف لجنة الحج العليا التابعة للحكومة السورية المؤقتة على ملف الحج منذ أكثر من عقد على الزمن، بالإضافة إلى أن تصريحاتهم لم تعتبر من يؤدي فريضة الحج في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من السوريين، وهذا ما أشار إليه مدير الحج في وزارة أوقاف النظام «لا حج للسوريين هذا العام» في الوقت الذي بلغ فيه عدد الحجاج المسجلين لدى لجنة الحج العليا التابعة للحكومة المؤقتة هذا العام 22500 حاج.
واتهم في العام الماضي، مدير الحج في حكومة الأسد، حسان نصر الله، اللجنة المسؤولة في الائتلاف بأنها معادية للشعب السوري، وان ما تصدره من بيانات وقرارات إجرائية للحجاج السوريين غير قانونية، لافتًا إلى أن وزارة الخارجية في حكومة النظام تطالب في كل عام منذ 2013 وزارة الحج السعودية بتحديد الأعداد المخصصة لسورية من الحجاج إلا أنها لا تلقى أي رد.
وفي وقت سابق من العام الجاري، نفت لجنة الحج العليا في الائتلاف، ما تناقلته وسائل إعلامية عن احتمالية سحب ملف الحج منها، وإعادته للجهات الحكومية في دمشق، على خلفية زيارة وزير الخارجية في حكومة الأسد، فيصل المقداد إلى الرياض في نيسان (إبريل) من العام الجاري، وبناءً على ما ورد في بيان مشترك نشرته الخارجية السعودية يشير إلى «ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية». وأكدت لجنة الحج العليا التابعة للائتلاف، في بيانٍ نشرته على موقعها الإلكتروني في 23 نيسان (إبريل) على أنها اللجنة الوحيدة المكلفة بتنظيم شؤون الحجاج السوريين، وجاء في البيان «أن لجنة الحج العليا السورية هي الجهة الوحيدة المكلفة بتنظيم شؤون الحجاج السوريين من الناحية الإدارية والشرعية والتنظيمية بشكل كامل وتقوم بتأمين خدمات الحجاج السوريين ضمن الأنظمة والقوانين في البلدان التي توجد فيها مكاتب لجنة الحج العليا السورية وضمن تعليمات وقواعد وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية».
وفي اتصال مع «القدس العربي» قال مصدر من لجنة الحج إن اللجنة: «هي الجهة الرسمية المسؤولة عن حج السوريين» ونفى المصدر – الذي طالب بعدم الكشف عن اسمه – أن تكون المملكة قد أشارت أو ذكرت سحب الملف من الجهة الرسمية التابعة للائتلاف، مؤكدًا أن رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى قد اجرى مطلع العام الجاري زيارة للمملكة العربية السعودية بناءً على دعوته من قبل وزير الحج السعودي، توفيق الربيعة، وأتم معه في مكة المكرمة كافة الترتيبات اللازمة لموسم حج 2023م/1444ه، وأضاف المصدر أن رئيس الحكومة المؤقتة أكد للجنة فور عودته من المملكة على استمرار عمل اللجنة باعتبارها الجهة الرسمية، حاملاً إليها شكر الوزير السعودي، وتقدير السلطات في المملكة جهودها.
وقال المصدر ذاته، إن وفدًا من لجنة الحج العليا برئاسة عبد الرحمن مصطفى، رئيس الحكومة المؤقتة، ونائبه محمد شكري أبو الخير، والمدير التنفيذي للجنة الحج السورية العليا، سامر بيرقدار، زاروا الإثنين الماضي، قنصل المملكة العربية السعودية في إسطنبول، عبد المجيد بن حمد الدوسري، وأتم الوفد مع القنصل كافة الترتيبات اللازمة لتسيير قوافل الحجاج السوريين وفق للقوانين والأنظمة المتبعة لدى القنصلية، ونفى المصدر أن يكون اللقاء قد حمل أي إشارات عن رغبة المملكة في إعادة ملف الحج لسلطات نظام الأسد.
وتجدر الإشارة، إلى أن السلطات السعودية قد طالبت الحجاج السوريين هذا العام باستصدار جوازات سفر «نظامية» مستخرجة من حكومة النظام، على خلاف الأعوام السابقة التي اعتمد فيها الحجاج على جوازات سفر صادرة عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والنظام على حدٍ سواء.
وكانت وزارة الحج في المملكة العربية السعودية، قد اعتمدت منتصف عام 2013 «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» جهة رسمية مخولة بالإشراف وإصدار تصاريح الحج للسوريين، وذلك بعد زيارة أجراها وفد من الائتلاف للمملكة عقد خلالها اتفاقًا مع وزارة الحج والمسؤولين السعوديين يخوله إدارة ملف الحج بدلاً من الجهات المعنية في حكومة النظام، وعلى إثر ذلك انبثقت «لجنة الحج السورية العليا» التابعة للائتلاف، وأشرفت من ذلك الحين على أداء فريضة الحج للسوريين.
وتنبثق اللجنة بحسب هيكلها الإداري، عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وتتفرع لمنصب مدير اللجنة التنفيذي، ويشغله حاليا سامر بيرقدار، ويشرف على خمسة أقسام إدارية، وتسعة مكاتب فرعية موزعة على إدارات مكاتب (الخليج ومكة وعمان والقاهرة وبيروت وإسطنبول وغازي عنتاب والريحانية وباب الهوى) ويتفرع عن إدارة مكتب الخليج إدارات في كل من قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة.
وجاء اعتماد وزارة الحج السعودية للائتلاف بعد جدال بينها، وبين «لجنة الحج» التابعة لوزارة أوقاف النظام التي أعلنت توقف موسم الحج لعام 2012 لعدم إبرام اتفاقية بينها وبين وزارة الحج في موعدها. وكانت اللجنة التابعة لحكومة الأسد قد أعلنت في بيان لها حينها أنها أتمت كافة الإجراءات اللازمة إلا أنه لم يتم الاتفاق مع الوزارة السعودية المعنية. الأمر الذي نفته وزارة الحج السعودية في بيانٍ ردت من خلاله على ما ورد على لسان مسؤولين في وزارة أوقاف النظام، وجاء في البيان «بالإشارة إلى ما تم تناقله مؤخرا من أخبار مغلوطة عن احتمالية تعطل ترتيبات قدوم الحجاج السوريين، تود الوزارة توضيح أن ترتيبات قدوم الحجاج السوريين تحظى باهتمام وعناية بالغة بالنظر إلى الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب السوري».
وفي إحصائية رسمية، بلغ عدد الحجاج الذين قدمت لهم لجنة الحج خدمتها حوالي 122000حاج منذ العام 2013 ومن ضمنهم الحجاج المتجهزين لأداء فريضة هذا العام.
يزيد التطبيع السعودي مع النظام السوري الكثير من القلق لدى اللاجئين والمهجرين في الشمال السوري، ورغم أن أداء اللجنة العليا للحج حاولت إبعاد السياسة في قضية تسهيل أمور الحجاج، إلا أن النظام السوري اعتبر سابقا أن السوريين حرموا من الحج، ومن المتوقع أن يحارب النظام من أجل عودة ملف موسم الحج إلى يده خلال الأشهر الأولى ولعل استخراج تأشيرات رحلات موسم العمرة ستكون مؤشرا إلى أين سيتوجه قرار السعودية بهذا الشأن.
المصدر: القدس العربي