مساكن الطوب… إعادة السوريين إلى حياة غير آمنة

عماد كركص وعدنان الإمام

كان ملف اللاجئين السوريين في تركيا جوهرياً في الحملات الانتخابية لكل الأحزاب والمرشحين، وتصاعد الجدل حوله في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، إذ هدد المرشح كمال كليجدار أوغلو بإعادتهم إلى بلادهم فوراً، في حين كان الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان يؤكد مشروعٍ للعودة الطوعية، ويرفض فكرة طرد اللاجئين.

قبل إعلان أردوغان عن بناء المزيد من الوحدات السكنية في الشمال السوري، كان وزير داخليته، سليمان صويلو، قد وضع حجر الأساس لمشروع مؤلف من خمسة آلاف مسكن بدعم من صندوق قطر للتنمية، ومن المقرر أن يستوعب 50 ألف لاجئ من العائدين من تركيا طواعية.

وكرر أردوغان أن مؤسسات الدولة التركية والمنظمات المدنية أنشأت منازل من الطوب في شمالي سورية، وأن العمل جارٍ لبناء منازل جديدة تستوعب نحو مليون سوري بدعم قطري، موضحاً: “مع هذا المشروع، نكون قد بدأنا تأسيس البنية التحتية للعودة الطوعية للسوريين إلى تلك المناطق. لن نعيد السوريين إلى بلادهم طرداً أو قسراً، سنعيدهم بشكل يليق بالقيم الإنسانية والإسلامية”.

وخلال حفل وضع حجر الأساس للمجمع السكني المزمع إنشاؤه قرب بلدة الغندورة القريبة من مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، والمخطط  إنجازه في غضون ثلاث سنوات، قال صويلو: “سيستقر لاجئون سوريون يعيشون في تركيا في هذه المنازل في إطار العودة الطوعية، التي تحفظ كرامتهم. سيجرى بناء 240 ألف منزل في المنطقة. حتى الآن، كانت هناك 554 ألف عودة طوعية، وهناك طلب جدي على العودة إلى هذه المنطقة الآمنة”.

كشف أردوغان عن خطة لبناء مائتي ألف وحدة سكنية في الشمال السوري

في وقت لاحق، أوردت وكالة الأنباء القطرية أن وزير الداخلية التركي، ومدير صندوق قطر للتنمية خليفة الكواري، وضعا حجر الأساس لإنشاء مدينة متكاملة في الشمال السوري تستهدف 50 ألف شخص، وتضم 5 آلاف شقة ومرافق عامة ومسجداً ومركزاً تجارياً و3 مدارس ومركزاً صحياً، وأنه “سيجرى تطوير البنية التحتية للمدينة عبر إنشاء طرق وحدائق عامة وشبكة كهرباء وخزانات مياه لتوفير سبل العيش الكريم للنازحين واللاجئين السوريين ودعم صمودهم”.

ويجرى الحديث عن “مشروع أردوغان” لإعادة اللاجئين السوريين منذ عدة أعوام على لسان مسؤولين في الحكومة التركية، وفي مايو/أيار 2022، افتتح وزير الداخلية التركي واحداً من التجمعات السكنية الجديدة في ريف إدلب الشمالي، بالقرب من الحدود التركية.

وتعالت أصوات اللاجئين السوريين في تركيا، وحتى النازحين داخلياً والمهجرين قسرياً، لتأكيد أن جزءاً من الزخم الإعلامي لهذا المشروع وراءه أهداف انتخابية لحزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، في حين يطالب النازحون وكثير من اللاجئين الذين جرت إعادتهم بطريقة سوقت على أنها “طوعية”، بإعادتهم إلى منازلهم الأصلية في بلداتهم وقراهم ومدنهم التي خرجوا منها فراراً من القصف، ومنهم نازحو أرياف حلب وإدلب وحماه، أو باستخدام سياسة التهجير القسري من خلال التسويات التي تلت العمليات العسكرية، كحال مهجري ريف دمشق وحمص ودرعا.

وباتت الحكومة التركية تستخدم ذرائع مختلفة لإعادة اللاجئين إلى الشمال السوري، من بينها أنهم مخالفون للقوانين، ويخشى كثيرون من هذا المصير. يقول سامي، وهو لاجئ سوري يعيش في ولاية غازي عينتاب، إن “كثيرين رُحّلوا لأنهم كانوا في زيارة إلى ولاية أخرى غير تلك المسجلين فيها، فيما أعيد كثير من الأشخاص بسبب أوراق ثبوتية لا ذنب لهم بنقصانها أو فقدانها، بالإضافة إلى أسباب أخرى”.

وحول العودة إلى المنازل التي تتحدث الحكومة التركية عن بنائها، يؤكد لـ”العربي الجديد”: “غادرت مهجراً من ريف دمشق رغماً عني، وحين وصلت إلى الشمال دفعت كل ما أملك من مال لأصل أنا وعائلتي إلى تركيا، وإن لم تنته الحرب فلا يوجد مكان آمن في سورية، فالقصف يتجدد، حتى على المخيمات والمناطق التي تسيطر عليها تركيا. العودة تكون طوعية إلى منازلنا في بلداتنا ومدننا، مع ضمانات بعدم اعتقالنا أو تغييبنا أو قتلنا من قبل النظام الذي يسيطر على الكثير من المحافظات التي غادرها النازحون”.

وفي الثامن من مايو، أعلن أردوغان أن بلاده تعتزم، بدعم من منظمات إغاثية دولية، بناء مائتي ألف وحدة سكنية في 13 موقعاً في الشمال السوري، لكن كثيرين من اللاجئين يخشون أن تتحول تلك المساكن المبنية من الطوب إلى بديل للمخيمات القائمة حالياً، وأن تفتقر مثلها للبنية التحتية والخدمات، كما يخشون من عدم الكفاءة في بناء الوحدات، وتأثرها بعوامل تغير الطقس.

تستخدم الحكومة التركية ذرائع مختلفة لإعادة اللاجئين إلى شمالي سورية

يقول قدور أبو عبدو، وهو مسؤول قطاع في مخيم الكمونة بريف إدلب الشمالي، الذي بُنيت مساكنه من الطوب من قبل المنظمات التركية: “وضع سكان المخيم تعيس بسبب نقص الخدمات والمساعدات، وعدم توفر فرص العمل مع الاكتظاظ السكاني الذي بات سمة الشمال السوري، والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة”. مضيفاً لـ”العربي الجديد”: “الناس تعيش بالديون، والوضع يحتاج إلى حل جذري ينقلهم إلى حياة أفضل، أو يعيدهم إلى منازلهم الأصلية”.

وهذا التجمع افتتح خلال العام الماضي، وأشرف على تنفيذه عدد من المنظمات، منهم هيئة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) و”وقف الديانة التركي”؛ ولم يرد أي من مسؤولي منظمة “آفاد” الذين تكلمت “العربي الجديد” معهم للاستفسار عن المواصفات الفنية للمنازل والتجمعات، في حين أكد مسؤول من “وقف الديانة” أنه ليست لديهم أية مشروعات جديدة تخص عودة النازحين، وأن المشاريع السابقة التي عملوا عليها تخص نقل النازحين من الخيام إلى منازل الطوب.

ويشير محمد أبو الليث، وهو مدير تجمع “الشيخ بحر” بريف إدلب الذي يضم 425 وحدة سكنية، إلى أن “الوحدات وضعها جيد. المساكن تتألف من غرفتين ومنافع بمساحة 50 متراً مربعاً، وهي أفضل من الخيام بكثير، لكن التجمع لا يزال بحاجة إلى بنية تحتية وخدمات، وخصوصاً الكهرباء”.

بدوره، يقول باسل حمود، مسؤول المشاريع في منظمة “دينز فنري” التركية، إنهم يعملون على بناء 500 وحدة سكنية قرب قرية كفرجالس بريف إدلب، بالقرب من تجمع مخيمات الكمونة، وكل وحدة مؤلفة من غرفتين ومطبخ ومنافع رئيسية، وإن المشروع بدأ ببناء 400 وحدة سكنية في مدينة جنديرس بريف حلب الشمالي. موضحاً لـ”العربي الجديد” أن “هناك العديد من المنظمات التي تبني هذه الوحدات والتجمعات، وكلها تجمعات مخصصة لإعادة اللاجئين من تركيا”.

ويرى الباحث في مركز “جسور للدراسات”، بسام أبو عدنان، أن ملف اللاجئين كان أحد الملفات الرئيسية في السباق الانتخابي، سواء بالنسبة للمعارضة التركية أو الحكومة بقيادة العدالة والتنمية، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “أردوغان يمتلك استراتيجية للتعامل مع الملف على خلاف المعارضة، وإن كان قد استفاد منه لأهداف انتخابية. أردوغان يرغب بحل القضية السورية في حال نجاحه، ضمن ما تقتضيه المصالح التركية، ولا شك أن هناك مراعاة لحقوق الشعب السوري، وهو لا يريد أن يذكره التاريخ بسوء بسبب القضية السورية”.

ويعتقد أبو عدنان أن “الأعوام الخمسة القادمة مفصلية وحاسمة بالنسبة للشأن السوري. في حال لم يستطع أردوغان إحداث خرق كبير في القضية السورية، فسيعمل على تكريس منطقة آمنة سيجرى التعامل معها في تركيا كما يجرى التعامل مع شمال قبرص الخاضع للنفوذ التركي”.

وبدأ أردوغان طرح مشروع إعادة اللاجئين خلال قمة “مجموعة العشرين” التي استضافتها تركيا في مدينة أنطاليا في عام 2015، لكن مراقبين ومحللين يرون أن هذا الخطاب يخضع للاستثمار السياسي.

ويعيش في تركيا نحو 3.5 ملايين سوري كلاجئين تحت بند “الحماية المؤقتة” التي تعتبر بمثابة وثيقة لجوء غير معترف بها دولياً، لكن معظمهم يعتمدون على أنفسهم عبر العمل في السوق التركية، ورغم حصولهم على أجور متدنية، لكنهم يدفعون الضرائب وإيجارات المنازل، كما ساهمت كثير من رؤوس الأموال السورية في تغذية السوق التركية بالأموال والمهن الجديدة، ويتلقى قليل من هؤلاء مساعدات من قبل الاتحاد الأوروبي عن طريق الهلال الأحمر التركي.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى