لماذا مثلت قمة السبع تغييرًا في قواعد اللعب الغربية؟

طارق الشامي

كشفت إدراك الغرب المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية التي تشكلها روسيا والصين

يعتبر محللون في واشنطن أن قمة مجموعة دول السبع الأخيرة في هيروشيما باليابان، تمثل تغييراً في قواعد اللعب الغربية في عدد من المجالات التي تحدد كيفية تعامل هذه الدول القوية مع أكثر المشاكل الشائكة في العالم، بما في ذلك التعامل مع روسيا والصين وقضية الذكاء الاصطناعي، فما عناصر هذه التغييرات ونتائجها المحتملة، وإلى أي مدى يمكن أن تشكل تحولاً بعيد المدى؟

قمة مختلفة

عادة ما تنتهي مؤتمرات قمة مجموعة الدول السبع الصناعية التي تجمع قادة كل من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ببيانات طويلة حول العديد من القضايا التي يبحثها المتخصصون لمعرفة الاتجاه الذي تتحرك فيه المجموعة بشكل تدريجي، لكن قمة هيروشيما التي انتهت السبت كانت مختلفة حسبما يشير العديد من المراقبين في واشنطن، فقد كانت غنية من حيث الجوهر والرمزية وبما يشير إلى أن الديمقراطيات الكبرى في العالم تدرك المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية التي تشكلها روسيا والصين، القوتان اللتان تحاولان إعادة رسم مناطق النفوذ في العالم.

وبحسب وصف الرئيس الفرنسي، فإن الدعم الذي تلقته أوكرانيا ومشاركة رئيسها فولوديمير زيلينسكي إلى جانب زعماء مجموعة السبع يعد “تغييراً في قواعد اللعبة”، كما أن قمة هيروشيما كانت بالنسبة للمحللين بمثابة “عامل تغيير” في عدد من المجالات تتراوح من الذكاء الاصطناعي إلى روسيا والصين.

ضربة للكرملين

جلبت مجموعة السبع أخباراً سارة لأوكرانيا وسيئة لروسيا التي فرضت عليها عقوبات جديدة قوية، حيث ولدت القمة الكثير من الدعم لكييف، مما يدل على أن التوقعات المستمرة بتآكل الدعم الغربي لها كانت خاطئة، حسبما يقول مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق “دانيال فرايد”، حيث كان بيان قادة المجموعة بشأن أوكرانيا قوياً وحاسماً، ولم يدفع كييف نحو المفاوضات حسب شروط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي أوصى بها البعض حتى داخل الولايات المتحدة، بل على العكس، إذ شكلت مبادرة تحالف أوروبي لتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من طراز أف 16، والتي انضمت إليها الولايات المتحدة، تحولاً سياسياً كبيراً، كخطوة رئيسة في تكثيف المساعدة العسكرية لأوكرانيا.

كما تم الإعلان عن عقوبات جديدة ضد روسيا، تم تحديدها في بيان المجموعة والتي كانت صفقة كبيرة، رغم أن العقوبات الجديدة لم تتضمن بعض المقترحات الطموحة، مثل فرض حظر شامل على التجارة مع روسيا، أو صدور قرار باستخدام الأصول السيادية الروسية المجمدة لصالح أوكرانيا، ومع ذلك، فإن حزمة العقوبات الأميركية المعلنة كانت واسعة ومؤثرة، حيث استهدفت إدارة بايدن المتهربين من العقوبات في جميع أنحاء العالم، ضمن عملية كثيفة قد تعيق جهود روسيا للهروب من القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى روسيا، وهي خطوة ذكية حسب وصف فرايد الذي شارك في مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد بيل كلينتون وجورج بوش، ذلك أن الخطوة تهدف إلى الضغط على قطاع الطاقة الحيوي في روسيا على المدى الطويل.

إضعاف روسيا

كما استهدفت العقوبات الأميركية الجديدة أيضاً مبيعات الذهب الروسية، بينما بدا أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لاستهداف صادرات الماس الروسية، وهي أمثلة واضحة لملاحقة أرباح العملات الأجنبية الروسية.

وفي حين تؤكد نظرية العقوبات عادة أن المقصود بالعقوبات هو تغيير السلوك، إلا أن نظام العقوبات الأميركية والغربية ضد موسكو يهدف إلى إضعاف الاقتصاد الروسي بشكل عام، حيث تشبه العقوبات الحالية، تلك التي فرضت على الكرملين في أثناء حقبة الحرب الباردة التي ساهمت في انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوطه.

وبحسب جون هيربست، سفير الولايات المتحدة السابق في أوكرانيا، قدمت قمة هيروشيما تذكيراً آخر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمدى قوة النموذج الديمقراطي، عبر استضافة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي التقى زيلينسكي على الرغم من أنه يعتبر صديقاً مقرباً لبوتين منذ فترة طويلة وأحد أقوى أعضاء مجموعة “بريكس” التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وستعقد قمتها في أغسطس (آب) المقبل.

خطاب موحد للصين

رغم أن اسم الصين لم يرد مرة واحدة في البيان الختامي لمجموعة السبع بشأن الأمن الاقتصادي، إلا أن الأمر كله كان يتعلق بالصين، وخاطبت دول المجموعة بكين بلغة واحدة وحاسمة، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل عامين وفقاً لما يقوله جوش ليبسكي المستشار الاقتصادي السابق لصندوق النقد الدولي، فخلال قمة المجموعة في كورنوال بالمملكة المتحدة، كان من الصعب تصديق أن القادة الأوروبيين سيوقعون على بيان موجه بشكل خاص إلى بكين، ولكن بعد أن استهدفت الصين ليتوانيا لدعمها لتايوان، بدأت الحسابات في القارة تتغير.

ومن الواضح أن القمة استجابت أيضاً لطلب رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بجعل مسألة مكافحة الإكراه الاقتصادي الصيني من أولويات المجموعة، وبهذا البيان الموحد حقق القادة ما من المرجح أن يكون الإرث الدائم للقمة، فقد التزم القادة بمنصة جديدة لتنسيق الاستجابة السريعة إذا تم استهداف أي بلد آخر مثل ليتوانيا، كما أنهم يسرعون من جهودهم نحو سلاسل توريد جديدة، وفي الوقت نفسه تعهدوا بجمع ما يصل إلى 600 مليار دولار لتمويل مشاريع للبنية التحتية عالية الجودة من خلال برنامج الشراكة من أجل الاستثمار العالمي للبنية التحتية، في منافسة واضحة لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

معارضة قوية

وعلاوة على ذلك، واجهت الصين معارضة قوية من مجموعة السبع بشأن مواقفها من روسيا وتايوان و”التنمر التجاري” والاحتكار الاقتصادي، حيث عكس بيان قادة المجموعة تقارباً واسعاً بين الولايات المتحدة وأوروبا واليابان بشأن الحاجة لتغيير المسار.

ويُنظر على نطاق واسع إلى الدعوة المشتركة من قمة هيروشيما لأهمية توفير مصادر متنوعة من المعادن الهامة، مع عدم ذكر اسم الصين، على أنها تستهدف القوة العظمى الآسيوية التي تتحكم في 70 في المئة من إنتاج العالم للمعادن النادرة والتي يستخدم بعضها في إنتاج رقائق التكنولوجية الفائقة اللازمة للذكاء الاصطناعي، حيث قال البيان إن دول مجموعة السبع تدعم التجارة المفتوحة والعادلة والشفافة والآمنة والمتنوعة والمستدامة والقابلة للتتبع والقواعد والتجارة القائمة على السوق في المعادن الهامة وتعارض الممارسات المشوهة للسوق والسياسات الاحتكارية بشأن المعادن الهامة.

عودة التعاون الثلاثي

وعاد التعاون الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية إلى مساره الصحيح بعد ستة أشهر من اجتماعهم السابق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث توافق الثلاثة على تعزيز تبادل المعلومات في الوقت الحقيقي حول الصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية، بالإضافة إلى إمكانية انضمام اليابان إلى المجموعة الاستشارية النووية بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة التي أعلن عنها خلال زيارة الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول لواشنطن الشهر الماضي.

الأهم من ذلك، أن القادة الثلاثة ناقشوا تنسيقاً جديداً بشأن التهديدات النووية والصاروخية غير المشروعة لكوريا الشمالية، وفقاً لبيان أصدره البيت الأبيض، ما يوضح كيف تستمر المناقشات وتحقق تقدماً حقيقياً، فيما يشير الاجتماع إلى ذروة استئناف التعاون الأمني الثلاثي وإصلاح وتحسن العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، بحسب المتخصص في مبادرة الأمن في المحيطين الهندي والهادئ في مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن، بي يون جو.

هدية لبكين

وعلى الرغم مما حققته الولايات المتحدة خلال قمة هيروشيما، إلا أن إلغاء زيارة الرئيس جو بايدن إلى بابوا نيو غينيا وأستراليا بسبب مشكلة سقف الدين الأميركي والصراع المستمر بين الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن، من شأنها أن ترسل إشارة قوية مثيرة للشكوك إلى سكان جزر المحيط الهادئ حول مدى التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة.

وبعدما كثفت الولايات المتحدة مشاركتها في جزر المحيط الهادئ خلال العام الماضي، وبدأت تفي بوعودها عبر توسيع تواجدها الدبلوماسي، وفتح سفارات جديدة في جزر سليمان وتونغا وإعادة تأسيس البعثة الإقليمية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية في فيجي، وزيارة كبار المسؤولين الأميركيين إلى المنطقة، وعقد أول قمة بين دول جزر المحيط الهادئ والولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي في واشنطن، أكد إلغاء رحلة بايدن الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالوعود التي قطعتها وقدرتها على استمرار الوفاء بها، وكما جاء في العنوان الرئيسي لصحيفة “سيدني مورنينغ هيرالد”، فإن إلغاء زيارة بايدن في اللحظة الأخيرة يمثل خيبة أمل ويخلق فوضى ويعد هدية لبكين.

ومع ذلك، يعتقد كبير الباحثين في “غلوبال تشينا” التابع للمجلس الأطلسي، باركر نوفاك، أن إلغاء زيارة بايدن لا يعني بالضرورة أنه سيلحق ضرراً طويل الأمد بجهود الولايات المتحدة في المحيط الهادئ رغم أن المشهد يبدو مروعاً على المدى القريب، ذلك أنه بعد إلغاء الزيارة إلى بابوا نيو غينيا، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن بايدن يعتزم استضافة قمة كبرى مع قادة جزر المحيط الهادئ خلال هذا العام، كما أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن زيارة بورت مورسبي في 22 مايو (أيار).

لكن إذا كانت الولايات المتحدة تريد النجاح في منطقة المحيط الهادئ، أو في أي مكان آخر، فهي لا تحتاج فقط إلى الوفاء بالتزاماتها، ولكن أيضاً تنظيم بيتها الداخلي الذي سبب هذه الفوضى، وقد يكررها لاحقاً.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى