بثينة العيسى هي روائية كويتية معروفة. قرأنا لها بعض رواياتها سابقا. متميزة بالتقاطها النبض الانساني فيما ترويه. تعيش مع كتاباتها وكأنك في كل مرة امام سيرة ذاتيه حميميه. مع معالجة قضايا صميميه في الوجود الانساني. كالعنس والأمومة في رواية سابقه. والموت في هذه الرواية..
عائشة بطلة الرواية تنتظر سبعة ايام على موتها الرابع الذي تراه سيتحقق هذه المرة. فكل ميتاتها السابقة فشلت. عانقت الموت وعادت.. عائشة امرأة تزوجت دون عواطف تذكر ترى نفسها غريبه عن زوجها. تعيش معه بالحد الادنى لعلاقه بين زوجين. تقرر ان تنجب لعل حياتها تتغير.. وتنجب ابنها الذي تراه دوما ممتلئ بالمشاكل. فهو هزيل ولا يتجاوب معها وعنيد وتصرفاته أكبر منه. والاهم من كل ذلك انه وفي سنته الخامسه. يموت دهسا بسيارة في الشارع المجاور لمنزلهم. فابنها اسقط لعبته في الشارع وذهب ليحضرها ودهسته السياره… عائشه تعتقد انها اهملت ابنها فمات .. وتبدأ في حالة انشغال نفسي وفكري وفلسفي عن الموت. وعن تأنيبها لضميرها فهي تعتقد انها اصلا لم تكن تحب زوجها. ولم تكن تريد هذا الطفل. الذي جاء محملا بامراضه وهزاله ونضجه المبكر. وهي لم تحبه كفاية. وهي لم تحب نفسها. لذلك دخلت في دوامة الموت كحاجه تبحث عنها وتنتظرها وكمخرج مشرف لحالتها. فالموت عندها حياة اخرى او دار بقاء. او الاستمراريه.. منشغله دوما بافكارها او كتبها الباحثة في الموت وعن الموت والتواقة له. تعيش تجربة الموت في كل ذكرى سنوية لوفاة ابنها. فمرة تصدمها سيارة وتنجو. واخرى بالماس الكهربائي وتنجو. وهذه السنة تنتظر ميتتها النهائيه في ذكرى موت ابنها وما زال امامها ايام… زوجها عدنان رجل عادي نراه في الرواية يحبها وحريص عليها. يحاول دوما ان يخفف عنها وان يجعلها تعيد مصالحتها مع العالم ومع نفسها ولا ينجح. فهو مسؤول برأيها عن موت ابنها اليس هو ابوه ؟!!. يناقشها بان هناك اقدار من الله يجب التسليم بها. وان الموت قادم. لكن الحياة هي الامتحان والهبة الربانيه التي سيحاسبنا الله كيف تصرفنا بها.. لا ينجح الزوج في اقناعها بالخروج من سوداويتها ومحاولاتها الانتحار المتكرر كما يرى هو. فيقرر ان يستدعي امها واختيها واخوها ليكونوا امام مسؤولياتهم عن معالجة وضع ابنتهم.. تحضر الام والاخوة ويشكلون عليها عبئا في عالمها الخاص. الذي تريده خاصا بها. وتريد قضاء وقتها في كتابة تجربة موتها فأيامها معدوده والموت قادم.. امها تحرجها بحنانها الفياض. واختيها يتركان حياتهم للتفرغ لها. فاختها الاولى متزوجه وحياتها مع زوجها سعيده لكنها عاقر لا تنجب . واختها الاخرى عانس. واخوها شاب متدين (مطوع) يعيش حياته بين عمله وعلاقته مع ربه من عباده وقراءة قرآن وصلاة وتأمل.. ستجدهم عبئا عليها. وسيبدؤون رحلة تفاعل مع ابنتهم. فاختها المتزوجه تريها انها حرمت من الانجاب. ومع ذلك متكيفه وانها تحسد عائشه لانها انجبت ولو مات الطفل. فهي قادرة ان تنجب غيره.. واختها الاخرى تقول لها زوجك رائع لو يكون لدي مثله او اقل مواصفات ايجابيه منه. اخوها يقول لها الحياة منحه من الله كيف نفرط بها.. ويعودون معها بالذاكرة للطفوله والوالد ولحياتهم ولحبهم لبعضهم ولاعادة قراءة الحياة بشكل مختلف.. فهي محبوبة عندهم ويحتاجونها. وابنها لم يكن مريضا او هزيلا او معاقا كان ذكيا ومحبوبا واكبر من سنه واخذه قدره. وزوجها جيد ويحبها ويريدها ان تعود اليه. وهي محبوبتهم. اخوها يناكف اختيه الاخريتين بانه يريد زوجته على نموذج عائشه الرائع.. هنا عائشه تعيش صدمه وعي ضروريه تبدأ في تغير افكارها.. عن الحياة والموت.. فهي ابنة عائلة متحابة. ولها حضور بينهم وفي قلبهم. ولها زوج يحبها ويقدرها. وابنها كان رائعا لكن قدره أخذه. اكتشفت انها جزء من هذا العالم الكبير. وان لها جذورها في الارض وانها بحاجة للحياة وليس الموت.. وهنا بدأت رحلة العودة للحياة وحبها.. كتبت عميقا في الموت ودرجاته وفناءاته. حيث يغادر الانسان مادته ويتجاوز زمانه ومكانه ماضيه ومستقبله ويتحول لروح تنتظر امر الله المقضي.. وتعود عائشة الى عالمها الدنيوي لتكمل رسالة الحياة.. هنا تنتهي الروايه..
.الرواية بحث دؤوب في اسئلة الوجود القاسيه . فمجرد ان نوجد ونحيا سندرك مأساة موتنا وموت من نحب.. وهذه محنة الوعي الانساني امام وجوده الذاتي وزواله الذاتي ايضا.. ويبدأ بالبحث عن معنى لذلك فالبعض يراه جزء من عمل خالق للبشر يضعهم في التجربة ليمتحنهم فامى خيرا واما شرا. والبعض يندفع للحياة هاربا من موت حتمي. والبعض يندفع للموت ليراه اجمل النهايات تارة كتجربة وجوديه نوعيه او عبر الشهادة او تعبيرا عن رسالة في الحياة..
.يسلط الضوء في الرواية ايضا على اجتماعية الانسان وحميميته وعواطفه. التي يفتك بها الموت او العالم الظالم الذي ينتج موتا غير انساني. عبر كل اشكال القتل الذي يهدر انسانية الانسان التي هي منحة الله المصونه الى يوم الدين..
.الرواية هي سؤال للوجود والعدم .وماذا بعد ؟. وبحث عن المعنى والحب والاستمراريه مع الغير وبالغير . حب ووفاء وانسانية افضل ..
.واذا كان لنا من قول ضروري هنا.. ما رأيك يا بثينه (عائشه) بموت قهري وباسوأ الوسائل الوحشيه بالقصف بالطائرات واشلاء اولادنا مبعثرة بين انقاض الابنيه. وانساننا مهدور الوجود والكرامة وحقه بالعيش الشريف في كل الامكنه. والعالم تحالف مع الشيطان ضدنا كبشر..؟!!.
.هذا هو موتنا المخزي…؟
المصدر: الأيام