ماذا سنراقب عن كثب خلال الأسبوع المقبل ولماذا؟ قمّتان، كلتاهما تغييريتان بامتياز، ستنعقدان يوم الجمعة 19 أيار (مايو)، إحداهما في السعودية التي تستضيف القمة العربية وسط تطورات في غاية الأهمية تتعلق بإعادة ترتيب البيت العربي والمحيط الاقليمي والبعد الدولي بقيادة سعودية إقدامية غير معتادة تعتزم رسم مسار جديد نوعياً. القمة الأخرى ستُعقد في اليابان بالتاريخ ذاته وتضم دول مجموعة السبع G-7 الأغنى في العالم حيث من المتوقّع أن تكون الصين محط الأنظار بالدرجة الأولى، ثم روسيا التي قد تدخل الأسبوع المقبل مرحلة جديدة في الحرب الأوكرانية نتيجة إمداد بريطانيا لأوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول الى عمق الأراضي الروسية.
الحدث الآخر المهم هو الانتخابات الرئاسية التركية التي قد تسفر عن خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان، ليس فقط بسبب نجاح المعارضة وإنما أيضاً بسبب زخم صوت الشباب في تركيا. وإذا هُزِم أردوغان فعلاً في الانتخابات الرئاسية، سيزول معه طموح الإمبراطورية العثمانية وتسترجع تركيا بعضاً من علمانيتها لتخسر موجة تحويلها الى دولة إسلامية، كما سيتعدى تأثير نتيجة الانتخابات الداخل التركي لأن أميركا وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط ستتأثر بالنتيجة، إذا خسر أردوغان الانتخابات الرئاسية.
لنبدأ بالقمة التي ستُطلق الرئاسة السعودية لمدة سنة وسط توقعات مختلفة لنوعية القيادة السعودية علماً أن قراءة المشهد الديبلوماسي السعودي ليست سهلة بسبب احتفاظ الديبلوماسية السعودية بأنماط السريّة المعهودة، والغموض المتعمَّد، وإقصاء القدرة على التنبؤ بما في الذهن والإعداد.
العنوان الكبير الذي سيكون “المانشيت” لافتتاح القمة العربية الـ32 سيكون موضع تفنّن الإعلام. ستطلق الأكثرية عليها عنوان “قمّة الأسد”، نظراً لعودة الرئيس السوري بشار الأسد الى الجامعة العربية بعد 12 سنة من استبعاده بسبب الحرب السورية التي حوّلها من انتفاضة ضده الى حرب مدمِّرة على شعبه. فالأسد فتح الأبواب أمام الإرهابيين ليخرّبوا الثورة وليكونوا ذريعة لتدمير المعارضة بمساعدة روسيا وإيران و”حزب الله”. سمح بتصدير المخدرات بالذات الى الدول الخليجية العربية في ما أصبح يُعرَف بسياسة “الكبتاغون” التي تدرّ الأموال الضخمة عليه وتدبّ الرعب في السعودية وغيرها. فكان لا بد من وضع حدٍّ لها بالترغيب- وهكذا دخلت عنصراً في تفاهمات عودة الأسد وإعادة تأهيله وحضوره القمة بالرغم من استياء وتحفظ عدد من الدول العربية التي لا ترحب بإعادة تأهيله.
إنما هذا التأهيل والترحيب بالأسد ليس بلا شروط عليه. إنها عودة مشروطة بتنفيذ كل الوعود، من وقف الاتجار بالمخدرات، الى خطوات ملموسة نحو دستور جديد على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي، الى الربط ما بين إعادة إعمار سوريا وبين تأمين عودة السوريين الذين نزحوا ولجأوا الى الدول المجاورة.
قد تكون هذه قمة إعادة الاعتبار للأسد، لكنها أيضاً قمة اختبار للأسد وتعهداته بما فيها فك الارتباط بصورة أو بأخرى مع نشاطات “حزب الله”، ليس فقط داخل سوريا وإنما أيضاً في الدول الخليجية.
الزمن هو الذي سيمتحن النوايا لا سيما وأن المسيرة السعودية – الإماراتية التي قادت سوريا الى القمة العربية في جدة ليست خالية من المصاعب والمطبّات علماً أن هذه الدول لا تعتزم انتهاك قرارات مجلس الأمن المعنية بسوريا، ولا انتهاك القوانين الأميركية مثل “قانون قيصر”، وإنما تنوي التنسيق بشأنها مع الإدارة الأميركية.
إدارة الرئيس جو بايدن لا تبدو مستاءة كثيراً من الاندفاع نحو إعادة تأهيل الأسد أو نحو استثناءات لـ”قانون قيصر” الذي يحظر التعاون الاقتصادي مع بشار الأسد. لكن الجمهوريين في الكونغرس الأميركي لن يسكتوا على الأمر لا سيما وسط أجواء انتخابية. انهم يتمهّلون لإعطاء السعودية فرصة تطبيق سياسة التطويق لإيران وللأسد عبر الترغيب بدلاً من الترهيب.
الولايات المتحدة تشجّع الدور السعودي في التهدئة وإيجاد الحلول لمشاكل المنطقة، من السودان الى لبنان. فهناك، بحسب وصف مسؤول خليجي “خزّان الاعتدال السعودي” الذي يمكن الاستفادة منه في شتى الملفات والنزاعات، كما يمكن البناء عليه في اطار التصوّر السعودي لمستقبل المنطقة. الصين أيضاً مرتاحة الى هذا الخزّان لأنها تريد منطقة الشرق الأوسط منفتحة على مشاريعها الاقتصادية. أما السعودية، فإنها حريصة على عدم الانزلاق الى توقعات الصين التي تدخل في خانة المنافسة بينها وبين الولايات المتحدة، ولا هي جاهزة للاستجابة كلياً للآمال الأميركية في اطار المنافسة مع الصين.
الرؤية السعودية لقيادة القمّة العربية في دورتها الـ32 لمدة سنة تنطلق من أن السعودية وحدها هي القادرة على القيادة في ظل انحسار القيادة التقليدية لدول مثل مصر، وفي ظل الضعف الذي يتفشى في شمال أفريقيا. هذا اضافة الى إيمان السعودية بأنها هي المؤهّلة للقيادة خليجياً وأن خريطة الطريق التي في ذهنها تجعلها قادرة على قيادة جديدة من نوعها في ظل تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة من جهة وتقهقر الدور الروسي بسبب انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية.
الملفات المطروحة في القمة ليست كلها ملفات نزاعات لأن الرؤية السعودية اقتصادية وتنموية وليست فقط سياسية. إنما لأن المنطقة العربية في تمزّق الحروب والعبثيات، من المتوقع ألا تتجاهل القمّة جميع الملفات حتى وإنْ اضطرت لتجاهل بعضها كملف تونس والفوضى العارمة فيها، وملف المغرب ومشاكله الاقتصادية.
ملف لبنان سيكون حاضراً في القمّة إنما على الأرجح بخجل وربما بعنوان دعم الحل الوسط المقبول سعودياً.
فلسطين أيضاً ملف حاضر في القمّة ليس من منطلق دعم “حماس” أو “الجهاد الإسلامي” في المواجهة مع إسرائيل، وإنما بناء على دعم الاعتدال وإضعاف العبثيات التي تضر بالفلسطينيين وقضاياهم. وعليه ستتخذ القمّة قرار دعم اعتدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس والابتعاد عن عبثيات “حماس” و”الجهاد”.
العراق ملف مهم حيث الدول العربية تريد إبراز الدعم لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني ليكون آمناً في ديبلوماسية إضعاف الخناق والنفوذ الإيراني على العراق وتطويقه قليلاً.
في السودان حيث حروب القبائل والمصالح والجشع على مناجم الذهب وثروات الحرب، فإن الأولوية هي لوقف النار في هذه المعارك التي تخدم أجندات عدة متضاربة، محلية وإقليمية ودولية. ما يحدث في السودان يهدد رؤية المستقبل لمنطقة البحر الأحمر ذات الأهمية البالغة للقيادة السعودية التي تدرك أن هناك خيوطاً خفيّة وراء التطورات السودانية تستهدف الرؤية السعودية.
اليمن بالطبع سيكون حاضراً من زاوية تطوّر الملف العسير الى مشروع حل قد يكون مُيَسّراً نتيجة التفاهمات السعودية – الإيرانية برعاية صينية وما ترتّب عليها. فالسعودية اليوم تلعب دور الوسيط بين اليمنيين، وهي تريد استمرار إيران بالضغط على الحوثيين كي يرضخوا حقاً للحلول وإنهاء المأساة اليمنية.
السعودية تريد إنزال حمل اليمن عن كتفيها للتركيز على مشاريعها الكبرى ورؤيتها وقيادتها الاقليمية. والقمة العربية مناسبة في غاية الدقة والأهمية لتحقيق الطموحات السعودية. إنها لربما قمة “منصّة الانطلاق” الى عتبة جديدة للمنطقة العربية وتموضعها في الشرق الأوسط. لذلك فإن تسميتها بـ”قمة الأسد” تعكس سذاجة التفكير القصير النظر والآني. فالمشروع السعودي أوسع وأعمق برؤيوية أشمل.
قمة مجموعة السبع
القمة الأخرى التي ستكون موضع اهتمام عالمي يتعدّى الشرق الأوسط هي قمة مجموعة – السبع في هيروشيما والتي يشارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن الى جانب رؤساء كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان، وكذلك الاتحاد الأوروبي. الحاضر الغائب الأول عن القمة هو الصين التي تستحوذ على مخاوف الدول الغربية والتي تكن لها اليابان كل الشكوك وانعدام الثقة. الحاضر الغائب الآخر هو روسيا التي كانت يوماً العضو الثامن في مجموعة السبع وهي اليوم في موقع عداء مع الغرب بسبب الحرب الأوكرانية بالدرجة الأولى.
هذه الحرب تعبر هذا الأسبوع مراحل ذات معالم مهمة. بريطانيا سلّمت أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى، 300 كلم، في إمكانها نظرياً ضرب العمق الروسي، وهناك كلام عن تفكير روسيا بالانتقام والاستباق عبر توجيه ضربات على مواقع ايصال الأسلحة الغربية لأوكرانيا على الحدود الأوكرانية – البولندية. إدارة الرئيس جو بايدن تحدّثت عن ضمانات تصر عليها ترافق تسليمها صواريخ بعيدة المدى الى أوكرانيا، وتنص على عدم استخدامها ضد روسيا في الأراضي الروسية. بريطانيا لم تتقدم أو تتحدّث عن أية ضمانات بهذا الاتجاه. وكل هذا قد يوصل الى مرحلة جديدة للحرب وسط كلام عن العمليات الهجومية المرتقبة هذا الربيع.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحتاج الى ألمانيا بصورة خاصة في هذا المنعطف لأنه يريد ضمانات منها ولأنها مصدر تمويل مهم له وللحرب. لذلك زيارته الى ألمانيا مهمة جداً.
الدول الأوروبية منقسمة نسبياً بالرغم من دعمها الأساسي لأوكرانيا، بعضها يرحب بدور الصين في السعي لوقف الحرب وبدء عملية مفاوضات، والبعض الآخر يتردد. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يريد أن يقود العملية التفاوضية مع الصين بعيداً عن الولايات المتحدة وألمانيا. الصين لا تريد أن تكون العرّاب الوحيد للمفاوضات قبل أن تضمن مسبقاً نتائجها، وهي تضع النقاط لخطتها بكل حذر لا سيما أن روسيا لا ترحب بالفكرة.
إدارة بايدن تتحفظ كثيراً عن التقبّل الأوروبي للطروحات الصينية وهي تدرك أن أوروبا تريد أن تتجنب المشاكل مع الصين وتخشى الضغوط الأميركية عليها. فالولايات المتحدة تستعد لفرض الرزمة رقم 11 من العقوبات وهي ستتضمن للمرة الولى معاقبة الشركات الصينية التي تعتبرها داعمة لروسيا- وهذا سيخلق أزمة كبرى. أوروبا في مأزق لأنه في حال موافقة الاتحاد الأوروبي على العقوبات الأميركية، سيكون رد الصين على الدول الأوروبية قاسياً على الصعيد الاقتصادي.
كل هذه الأمور ستكون حاضرة في قمة هيروشيما والتي توضع لها مسودات مقترحات لتبني مواقف صارمة نحو الصين. وهناك كلام عن صيغٍ أميركية تقترح الإعلان أن الصين تشكل تهديداً مباشراً للغرب- الأمر الذي سينقل الخلاف الى عتبة جديدة. لذلك فإن مراقبة قمة هيروشيما في غاية الأهمية للعلاقة الصينية – الأوروبية كما للعلاقة الأميركية – الأوروبية. والبعض يخشى أن تكون اليابان تشجع على قمة معادية للصين بامتياز.
المصدر: النهار العربي