أولاً: في البدء
أود قبل الخوض في قراءة كتاب: كشف الستر الذي يطال طائفة الموحدين الدروز، التأكيد انني اقف على مسافة واحدة من جميع العقائد الدينية والدنيوية لانها كلها من حيث الجوهر تنتصر لانسانية الانسان وحقه بالحرية والعدالة والحياة الأفضل، وتطرح نفسها طريق مؤدية لذلك، بغض النظر عن رأينا بذلك، وعلى قاعدة احترامها وعدم التحدث عنها كحكم قيمة، بل اتناولها من باب معرفي تنويري، يؤدي فيما بعد الى معرفتنا لبعض ومن ثم اقترابنا وقبولنا ببعض كشعب سوري وعربي عموما، والعمل لبناء الحياة الافضل في دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية والعدالة في سورية القادمة التي سيصنعها جميعنا. وان كان لنا أن ندين اي تصرف ضد الانسانية يتغطى بعقيدة او دين أو مذهب، فنحن نركز على هذا التصرف ومن يتصرفه. فمثلا النظام المستبد المجرم السوري و أن غطى نفسه بالطائفة العلوية وحماية مصالحها، فاننا ندين تصرفاته بذاتها ومن يقوم بها ولا تشمل الطائفة كلها او حتى عقائدها مهما كانت. وكذلك ندين داعش والقاعدة لتصرفاتها مهما تغطت بكونهم يمثلون الاسلام وهو منهم بريء. واسوأ نموذج على التغطي الديني لدينا دولة الكيان الصهيوني في فلسطين التي احتلت فلسطين وشردت شعبها وما زالت للان تضطهد من تبقى فيها، مغطية نفسها بالدين اليهودي وهو منهم بريء أيضا.
لكل ذلك نؤكد أننا نقرأ لنعرف وننوّر ونبني جسور تواصل بيننا جميعا .
ثانياً: الكاتب والكتاب
الكاتب نسيب اسعد الاسعد من مدينة السويداء السورية ذات الاغلبية من طائفة الموحدين الدروز، اجتهد في هذا الكتاب لان يكشف الستر عن الطائفية الموحدية، التي ترفض تسميتها بالدروز لأنهم يرون انفسهم ينسبون لشخص يغالي بالدين ويؤله الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي يعتبر مؤسس مذهب التوحيد، وهم ينكرون ذلك، ويرفضون مغالاته، كما انهم يفضلون ان ينسبون لاصل اعتقادهم التوحيد لله. وهم يقرون ان التسمية غالبة عليهم ولذلك يضطرون لتداولها بينهم. سنمر على ذلك بالتفصيل بالكتاب. ثم ان الكاتب حاول ان يطرح موضوعه بشكل شمولي تاريخيا وعقائديا وفلسفيا وعادات وسلوك اجتماعي، بحيث يمكن القول أن الكتاب المؤلف من ٤٥٠ ص يكاد يكون سفرا متكاملا في موضوعه. غطى موضوعا مهم ان يعرف عن مكون من مكونات الشعب السوري والممتد لغير سورية أيضا.
ثالثاً: الخلفية التاريخية
عمد المؤلف للعودة تاريخيا الى أصل بني معروف الموحدون الدروز، أصلهم العربي من قبائل التنوخيون و اللخميين الذين كانوا في اليمن منذ ما قبل الإسلام، وهجرتهم من اليمن على اثر انهيار سد مأرب باتجاه العراق وسورية واستقرارهم في مواقع مختلفة، وأكد الكاتب أن هذه القبائل استقرت في جبال لبنان وجبل العرب في السويداء في سورية وبعض المناطق المجاورة وفي فلسطين وغيرها، كل تلك المعلومات للتركيز على ان بني معروف الموحدون الدروز من ذوي أصل عربي عريق. هذا من جانب كما أكد ان هذه القبائل كانت من اوائل من التحق بالإسلام عندما وصلتهم الدعوة والفتوحات الاسلامية الاولى، وانهم كانوا مصطفين في الصراع على الخلافة مع علي بن ابي طالب ضد معاوية بن ابي سفيان. كما أنه توسع بالتحدث عن شيعة علي بن أبي طالب، وأنهم أصبحوا أيضا فرقا متعددة، فهناك الشيعة الاثني عشرية التي تؤمن بحق علي بالخلافة و من بعده أولاده الحسن والحسين الى الحفيد الحادي عشر الحسن العسكري وابنه محمد الملقب بالمهدي الذي دخل في الغيبة ويؤمن الشيعة الاثني عشرية بعودته وقيامه بأمر الدين مجددا. وهناك الشيعة الاسماعيلية المفترقين عن الاثني عشرية عند الإمام السابع إسماعيل ويرون أحقيته وأولاده من بالخلافة، وسموا بعد ذلك بالفاطميين تمييز أنفسهم عن الآخرين، خاصة أنهم بنوا الدولة الفاطمية التي نشأت في المغرب العربي وامتدت الى مصر وبلاد الشام بعد ذلك، باسم الخلافة الفاطمية.
رابعاً: العمق الاعتقادي عند الموحدين
يجب تقديم ملاحظة توضيحية أن عقائد الموحدين الدروز اخذت التنامي عن أصلها الشيعي اولا ومن ثم الفاطمي المقترن مع الخلافة الفاطمية الممتد من المغرب العربي إلى مصر وبلاد الشام، والمتوسعة اعتقاديا، لتنهل من الفلسفة الغنوصية اليونانية والعقائد الهندية والعقائد المصرية القديمة، وتتوج أخيرا بما قال وفعل الحاكم بأمر الله الفاطمي، وما أضفى عليه من تقديس يصل للالوهية، وهناك اختلاف في قراءة ذلك بين التجسيد الالهي به كما قال نشتكين الدرزي الذي ينكر الموحدون قوله. وبين ما يقره الموحدون بأن لله حضور في بعض البشر مضافا الى الجانب البشري فيهم جانب الهي مثل المسيح عيسى ابن مريم. وهم يرون ان الحاكم بأمر الله الفاطمي فيه الجانب الإلهي كما الناسوتي. كما يعتقد الموحدون أن الروح لا تفنى بعد موت صاحبها وإنما تعود مجددا في جسد جديد روح الرجل في رجل وروح المرأة في المرأة وهذا يدعى التقمص ولكنه ليس كما يعتقد البعض أن تنتقل الروح إلى الأدنى من حيوان او نبات، بل تماثل روح الرجل تعود لرجل وروح المرأة تعود للمرأة. كما يعتقدون بأن كل الأرواح لها كثير من التقمصات. كما اعتقدوا أن هناك خمسة من الحدود الذين كلفهم الحاكم بأمر الله بأمور الدعوة هم حمزة بن علي واسمه العقل، والشيخ المجتبى اسماعيل التميمي اسمه النفس، والشيخ المرتضى وهب القرشي اسمه الكلمة، والشيخ المصطفى سلامة السامري اسمه السابق، والشيخ المقتنى بهاء الدين السموقي واسمه التالي. وكانوا منتدبين من الحاكم بأمر الله بالتسلسل بدء من حمزة بن علي. وهم يعتبرون مدونين لكتابات الحكمة التي بلورت عقائد الموحدين على مر الزمان، وجاء بعدهم من قام بالشرح والتفسير. كما ان اعتقاد الموحدين الدروز ان الحدود الخمسة تدور أرواحهم مع الزمان في بشر جدد لكل زمان. فمثلا الحد الأول المسمى العقل:
كان في دور العلي تعالى اسمه العقل الكلي.
في دور البار؟ اسمه شطنيل
في دور نوح اسمه فيثاغورث
في دور إبراهيم اسمه سليمان بن داوود
في دور موسى اسمه شعيب
في دور محمد اسمه سلمان الفارسي.
وهكذا بقية الحدود. لذلك كان الموحدون الدروز يمجدون من الصحابة بعد علي وأولاده من فاطمة ابنة النبي من يعتبر من الحدود، لقد عظموا سلمان الفارسي وكان له عندهم حضور ديني كبير، فهو مطلع على الوحي الذي جاء على محمد النبي وله قداسته عندهم، وكذلك المقداد بن الاسود الكندي، وعمار بن ياسر وابو ذر الغفاري ، واعتبروا هؤلاء الاربعة مع علي بن ابي طالب هم الحدود الخمسة في زمن دعوة الرسول محمد.
خامساً:الخلافة الفاطمية وتأسيس مذهب الموحدين
يعود الكاتب إلى نشر الدعوة الإسماعيلية في بدايات القرن الرابع الهجري، وكيف تم إرسال الدعاة إلى المغرب العربي ثم وصول الإمام الإسماعيلي إلى هناك، و التحاق بعق القبائل به ومن ثم بدأوا بالتوسع باتجاه مصر ومن ثم بلاد الشام، لقد تكنوا بفاطمة بنت النبي وسموا خلافتهم الفاطمية، مرت الخلافة بأدوار ضعف في البداية ثم قوة بدأت بالمعز لدين الله ثم العزيز لدين الله ثم وصلت الى الحاكم بأمر الله، حيث كانت قد وصلت الى مصر وتوسعت باتجاه بلاد الشام. وكانت فترة الحاكم بأمر الله تحمل متغيرات كثيرة، فتارة يتشدد على الناس وتارة يرحمهم، وتارة يضطهد المسيحيين واليهود، وتارة يظهر بين الناس وتارة يختفي، كان قد عزل نفسه واكتفى بعدد قليل ممن حوله. ظهر في ذلك الوقت نشتكين الدرزي الذي ادعى الوهية الحاكم بامر الله، فنفاه الى الشام ويقال إن امرأة هناك قتلته. انكر الحاكم ألوهيته، شكل شبكة من الدعاة لدعوته الدينية وكان حمزة بن علي رئيس دعاته الذين كثروا بالمئات، ارسلهم الى بلاد الشام والعراق والهند والجزيرة العربية، وصار له أتباع ومناصرين وتوسعت دعوته وزادت. اصطدم مع العباسيين كثيرا في بلاد الشام وجوارها العراق، كان على علاقة ود مع القرامطة الذين صنعوا لهم امارتهم في البحرين وجوارها، أنهم ينهلون من المعين الشيعي ذاته. لم تستمر حالة دعوة الحاكم بذات السلاسة فقد اختفى الحاكم بأمر الله، البعض اعتقد أنه دخل في غيبة وسيعود، والبعض قال ان اخته قتلته لانه ادعى الالوهية، المهم غاب الحاكم بامر الله وجاء بعده الظاهر، الذي ارتد عن كل ما فعله الحاكم وأفكاره وعقائده وعاد وتبني المذهب السني في الإسلام، وفرضه على الناس في مصر وفي كل مناطق حكمه، بحيث انحسرت الدعوة الفاطمية وعقائد الحاكم بأمر الله ، وبقيت في مناطق قليلة في بلاد الشام خاصة سورية ولبنان.