توفر دراسة عمليات “القيادة المركزية الأمريكية” الأحادية الجانب ومع الشركاء ضد كبار مسؤولي تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا معلومات مفيدة حول القدرات الحالية للتنظيم وتركيز اهتمام الولايات المتحدة في المنطقة.
في بيان “مراجعة العام” لسنة 2022 الصادر عن “القيادة المركزية الأمريكية” حول الوضع الحالي للحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”)، سلّط القائد العام مايكل كوريلا الضوء على ثلاث فئات، هي (1) “عناصر داعش رهن الاحتجاز”، أي آلاف الرجال والفتيان المنتمين إلى التنظيم والمحتجزين في سجون العراق وسوريا؛ (2) و”الجيل القادم المحتمل من داعش”، أي ما يقرب من 55000 إمرأة وقاصر محتجزين في المخيمات؛ (3) و”عموم داعش”، أي القادة والعملاء الذين “تحاربهم حالياً” الولايات المتحدة مع شركائها “في العراق وسوريا”. وعلى الرغم من أن الجنرال كوريلا أشاد بالجهود المستمرة لإضعاف “داعش” عسكرياً، إلا أنه أشار أيضاً إلى أن أيديولوجية التنظيم لا تزال قائمة، وأن الحاجة تدعو إلى “عمليات مشتركة” لمواصلة الضغط. وتتوافق وجهة النظر هذه مع تحوّل الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، على مدى العام ونصف العام الماضيين، من مهمة عسكرية إلى “تقديم المشورة والمساعدة والتمكين” للشركاء المحليين. لكن في الوقت نفسه، واصلت القوات الأمريكية شن ضربات أحادية الجانب ضد قادة “داعش” في سوريا حتى هذا الشهر.
استهداف تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2022
بعد فترة وجيزة من إعلان “داعش” ما يسمى بـ “الخلافة” في حزيران/يونيو 2014، قامت الولايات المتحدة وشركاؤها بتأسيس “التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»”، والذي توسع منذ ذلك الحين ليشمل بين أعضائه خمساً وثمانين دولة. وفي العام نفسه، قامت “القيادة المركزية الأمريكية” بتشكيل “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” لتنظيم المهمة العسكرية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. ومع ذلك، تطورت استراتيجية الولايات المتحدة والتحالف في وقت لاحق بعد هزيمة “داعش” على صعيد الأراضي في آذار/مارس 2019، مع تبني “القيادة المركزية الأمريكية” نهج “المشورة والمساعدة والتمكين” مع الشركاء المحليين في كانون الأول/ديسمبر 2021.
والواقع أن غالبية العمليات التي نُفذت ضد “داعش” منذ ذلك التاريخ انطوت على التعاون مع الشركاء. ففي سوريا، على سبيل المثال، أشار بيان مراجعة العام الصادر عن “القيادة المركزية الأمريكية” إلى تنفيذ 108 عمليات مع الشركاء في عام 2022، مقارنة بـ 14 عملية فقط من جانب واحد. وتم خلال هذه العملية اعتقال 215 مقاتلاً من تنظيم “الدولة الإسلامية” ومقتل 466 آخرين. والجدير بالذكر أن استخدام “القيادة المركزية الأمريكية” لمُصطلحَيْ “شريك” و”أحادي الجانب” لا يعني بالضرورة أن جميع العمليات التي وُصفت بأنها أحادية الجانب قد أُجريت دون مستوى معين من دعم الشركاء.
واستهدفت الكثير من العمليات في عام 2022 قيادات تنظيم “الدولة الإسلامية” بشكل خاص، ومنها:
– غارة أحادية الجانب في 3 شباط/فبراير أسفرت عن مقتل أبو ابراهيم الهاشمي القريشي (المعروف أيضاً بالحاج عبد الله)، وهو “الخليفة” الثاني للتنظيم وأكبر قياديّيه.
– غارة للتحالف في 16 حزيران/يونيو تم خلالها القبض على هاني أحمد الكردي (المعروف أيضاً باسم سالم)، وهو صانع قنابل متمرس، وميسر عمليات، وزعيم بارز في تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا.
– غارة أحادية الجانب بطائرة بدون طيار في 12 تموز/يوليو أسفرت عن مقتل مسؤول في تنظيم “الدولة الإسلامية” يدعى ماهر العقال (المعروف بإعداد شبكات خارج العراق وسوريا) وجرْحْ مسؤول كبير آخر.
– وشهد تشرين الأول/أكتوبر عمليات متعددة ضد قيادة التنظيم، وأسفرت غارة أمريكية في 5 تشرين الأول/أكتوبر عن مقتل المسؤول الكبير راكان وحيد الشمري وأدت إلى اعتقال اثنين من مساعديه. وفي اليوم التالي، أسفرت عملية أمريكية أخرى عن مقتل أبو هاشم الأموي (المعروف أيضاً بأبو علاء، وهو نائب قائد التنظيم في سوريا) وأبو معاذ القحطاني (المسؤول عن شؤون الأسرى). وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قَتَل “الجيش السوري الحر” زعيم التنظيم و”الخليفة” الثالث، أبو الحسن الهاشمي القريشي، في محافظة درعا.
– وكثّفت “القيادة المركزية الأمريكية” من وتيرة هذه العمليات في نهاية العام، وشنت غارة أحادية الجانب بطائرة مروحية ضد قياديي تنظيم “الدولة الإسلامية” في 11 كانون الأول/ديسمبر وثلاث غارات أخرى في وقت لاحق من ذلك الشهر. كما نفذت ست عمليات مشتركة مع “قوات سوريا الديمقراطية” خلال الأسبوع الممتد من 8 إلى 16 كانون الأول/ديسمبر، مما أسفر عن مقتل اثنين من مسؤولي تنظيم “الدولة الإسلامية” واعتقال أحد عشر آخرين. ومن المثير للاهتمام أن “القيادة المركزية الأمريكية” لم تكشف عن أي معلومات علنية عن العمليات الست الأخرى المنفذة من جانب واحد في سوريا والمذكورة في بيان نهاية عام 2022.
“عموم داعش” عام 2023
في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس من هذا العام، نفذت “القيادة المركزية الأمريكية” 34 عملية من عملياتها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا بالتعاون مع شركائها، بينما نُفذت عمليتان فقط من جانب واحد. وأسفرت هذه الجهود عن مقتل 9 مقاتلين من التنظيم وأسر 210 آخرين.
ولكن في نيسان/أبريل، نفذت “القيادة المركزية الأمريكية” الأمريكية ثلاث عمليات من جانب واحد، وأسفرت غارة نفذتها في 3 نيسان/أبريل في سوريا عن مقتل خالد عايد أحمد الجبوري الذي أفادت التقارير أنه كان مسؤولاً عن “التخطيط لهجمات “داعش” في أوروبا” وتطوير الهيكلية القيادية للتنظيم. وفي 8 نيسان/أبريل، أكدت “القيادة المركزية الأمريكية” شن غارة بمروحية في شرق سوريا أسفرت عن القبض على “ميسّر هجمات «داعش»” حذيفة اليمني واثنين من شركائه. وفي 17 نيسان/أبريل، أكدت “القيادة المركزية الأمريكية” أن غارة شنتها مروحية في شمال سوريا أسفرت عن مقتل ثلاث شخصيات، بمن فيهم عبد الهادي محمود الحاج علي، “زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” ومخطط العمليات المسؤول عن التخطيط لهجمات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا”.
وشملت العمليات المشتركة التي أجريت هذا العام مع “قوات سوريا الديمقراطية” والتحالف ما يلي:
غارة بمروحية في 18 شباط/فبراير في شرق سوريا، ألقي خلالها القبض على مسؤول في “داعش” يدعى بتار، كان متورطاً في التخطيط لهجمات على مراكز احتجاز خاضعة لحراسة “قوات سوريا الديمقراطية” وتصنيع عبوات ناسفة.
غارة بمروحية في 17 شباط/فبراير بالقرب من دير الزور أسفرت عن مقتل حمزة الحمصي، أحد كبار قياديي “داعش” الذي أشرف على شبكة التنظيم في شرق سوريا.
عملية في 10 شباط/فبراير قتلت إبراهيم القحطاني المرتبط بالتخطيط لهجمات “داعش” على مراكز الاعتقال.
غارة بمروحية وهجوم بري في 21 كانون الثاني/يناير أسفرا عن القبض على ثلاثة أشخاص هم: ميسّر “داعش” عبد الله حميد مصلح المداد (المعروف أيضاً باسم أبو حمزة السوري)، والميسر واللوجستي لتنظيم “الدولة الإسلامية” حسام حامد المصلح المداد، الخير، ومساعد آخر لم يُذكر اسمه.
غارة بمروحية في 18 كانون الثاني/يناير في منطقة غير محدَّدة أدت إلى القبض على ناشط إعلامي وأمني في التنظيم متورط في تخطيط وتسهيل العمليات والتجنيد في المنطقة وخارجها.
قضايا يجب مراقبتها بعناية
على الرغم من تحوّل الولايات المتحدة إلى “تقديم المشورة والمساعدة والتمكين” في سوريا، واصلت “القيادة المركزية الأمريكية” عملياتها الأحادية الجانب ضد قياديين في تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى جانب العمليات مع الشركاء. وتسهم عوامل متعددة في تفسير قرار الولايات المتحدة بالاستمرار في دمج الإجراءات الأحادية الجانب في استراتيجيتها. فقد علّق مؤخراً قائد “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” الجنرال ماثيو ماكفرلين على هذه الصورة المعقدة قائلاً: “نواصل تنفيذ العمليات لدعم شركائنا الذين يقومون بعمليات أمنية واسعة النطاق إلى جانب عمليات دقيقة للقضاء على قادة التنظيم في كل من سوريا والعراق … تنظيم “الدولة الإسلامية” يحاول باستمرار إعادة بناء قيادته مع نجاح التحالف في تعطيل مستويات القيادة العليا…. وحالياً، يفتقرون إلى الفعالية العسكرية. وأعتقد أن هذا [يعود إلى] فعالية التحالف، وشركائنا على وجه التحديد، في العمليات التي ينفذونها لمواصلة الضغط على الشبكة”. وبالفعل، تُظهر أعمال التنظيم والعمليات المضادة للتحالف خلال العام الماضي أن التنظيم لم يُهزم بالكامل، وأن الوجود الأمريكي لا يزال ضرورياً جداً، ولا يزال موضع ترحيب في الوقت الحالي.
ومن النقاط المهمة الأخرى التي يمكن استنتاجها أن الكثيرين من قادة التنظيم الذين استهدفتهم مؤخراً الولايات المتحدة بعمليات أحادية الجانب متّهمون بالتخطيط لهجمات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا. وقد يشير قرار “القيادة المركزية الأمريكية” بالتحرك ضد هؤلاء الأفراد إلى ضرورة التعامل مع التهديد الذي يشكلونه على الفور. وقد يدل أيضاً على أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يعيد إعطاء الأولوية للعمليات الخارجية، وهو ما لم يكن يملك القدرة على القيام به منذ بعض الوقت. وفي سياق متصل، أفادت التقارير أن “تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” التابع لـ “داعش” يستخدم أفغانستان “كموقع تنسيق مهم” لهجمات “داعش” المحتملة “في جميع أنحاء أوروبا وآسيا”. وقد وجد الباحثون أدلة على أن “تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” وتنظيم “الدولة الإسلامية” قد نسّقا بشكل وثيق في الماضي، حتى أنهما خططا لعمليات خارجية معاً. وعلى الرغم من أن روابطهما العملياتية المستقبلية لا تزال غامضة، لا سيما في ضوء الاستهداف المستمر لقياديي تنظيم “داعش”، يبدو أن كلا التنظيمين يتطلع لشن هجمات خارج قواعد عملياتهما الرئيسية.
فضلاً عن ذلك، يتعين على “القيادة المركزية الأمريكية” أن تدرس بعناية قرارها بنشر أسماء ومسؤوليات قادة التنظيم الذين تستهدفهم. فمن ناحية، يساعدها ذلك على إظهار قدرة أمريكا علناً على تعطيل الأنشطة الإقليمية للتنظيم وتشويشها (على الأقل مؤقتاً)، ويرسل رسالة واضحة إلى أنصار التنظيم بأن المهمة الأمريكية لم تنتهِ بعد. ومن ناحية أخرى، قد يكون لتسمية القياديين تأثير معاكس من خلال رفع مستوى الأشخاص الغامضين في مخيلة الناس ومنحهم نوعاً من الجاذبية. ويصح ذلك بشكل خاص إذا تم القبض على أحد زعماء التنظيم حياً وليس مقتولاً.
على أي حال، بينما تواصل الولايات المتحدة تعطيل “عموم داعش” في سوريا، فمن المهم الاستمرار في تتبع هذه الجهود. وهذا يعني النظر في طبيعة العمليات الأمريكية (بما في ذلك إذا كانت أحادية الجانب أو مشتركة مع دول أخرى) وتقييم ما تكشفه عن محور اهتمام الولايات المتحدة.
ديفورا مارغولين هي “زميلة بلومنشتاين-روزنبلوم” في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى