قراءة في رواية: الأعراف (برزخ بين جنتين)

أحمد العربي

أنور السباعي روائي سوري من خلفية اسلامية، ذكر في مقابلات صحفية أنه كان قريبا من اجواء حزب التحرير الاسلامي، وهذا يعني أنه كان مطّلعا على موضوعه العقائدي والإيماني بشكل كبير، وبالتالي فهو يخوض في مجال يعرفه، وإن ظهر أنه قام بعملية مراجعة كاملة وتطوير وتنوير في اعتقاداته وايمانياته، هذه روايته الاولى، التي نقرأها، وله مجموعة شعرية مطبوعة.

الأعراف (برزخ بين جنتين)، رواية متميزة بموضوعها، مناقشة الإيمان والكفر بالله والإسلام والقرآن والحديث والرسول محمد ص، كل ذلك يخوض الكاتب فيه بجرأة وتحدي، والسخرية احيانا، يضع كل اعتقاد تحت المساءلة والمحاسبة، تذكرنا الرواية بكتابات فرج فودة  خاصة كتابه الحقيقة الغائبة، كتبه التي منعت لكونها تتطاول على الذات الالهية والدين الاسلامي، مما دفع بعض رجال الدين  الى الإفتاء بهدر دمه لأنه حسب زعمهم مرتد عن الإسلام، وأدى بعد ذلك ليقوم أحدهم باغتياله وقتله. وكذلك الإفتاء بتكفير نصر حامد أبوزيد، وتطليق زوجته منه. معلوماتنا أن الرواية هذه منعت في بعض البلدان و سحبت من التداول ايضا.

أنور السباعي روائي سوري من خلفية اسلامية، ذكر في مقابلات صحفية أنه كان قريبا من اجواء حزب التحرير الاسلامي، وهذا يعني أنه كان مطّلعا على موضوعه العقائدي والإيماني بشكل كبير، وبالتالي فهو يخوض في مجال يعرفه، وإن ظهر أنه قام بعملية مراجعة كاملة وتطوير وتنوير في اعتقاداته وايمانياته.

تبدأ رواية الأعراف من معتقل ما داخل سورية، وذلك في فترة الثورة السورية الحالية التي بدأت في عام ٢٠١١م. داخل المعتقل توجد زنزانة واسعة مرفهة فيها كل الخدمات، يقيم فيها الشيخ أو الإمام البلقيني احد رموز الاتجاه الديني السلفي الجهادي، غرفة كأنها في فندق، والسجانين كأنهم الندل الذين يلبون كل احتياجات الشيخ البلقيني. يحضر السجانون السجين غياث الى زنزانة الشيخ البلقيني، غياث منهار نفسيا، وتبدو عليه آثار التعذيب الشديد، استغرق الشيخ وقتا حتى استطاع ان يهدئ من روع غياث، وان يقنعه انه ليس سجانا ولن يضربه او يؤذيه، على العكس يريد ان يساعده. سرعان ما استرد غياث ذاته ووعيه، ووقف متحيرا أمام اختياره من قبل الشيخ ليعامل بهذه الطريقة الانسانية داخل معتقلات النظام، حيث التعذيب والقتل والتنكيل لناشطي الثورة السورية، ثم ماذا عن الداعية المشهور البلقيني وتجييش الشباب ضد النظام ؟، وهذه المعاملة التمييزية، اسئلة كثيرة دفعت غياث ليعرف حكاية الشيخ البلقيني، ولماذا تم اختياره لانقاذه من هذا الجحيم؟. سيحصل حوار ممتد على طول صفحات الرواية يزيد على ٣٦٥ صفحة، وتبادل معلومات، خيط الأحداث مربوط في ما يقوله الطرفان، رغم أن الشيخ البلقيني هو الفاعل الأكبر في تطور الحدث الروائي. غياث شاب نشأ في أجواء دينية، التزم دينيا، تعمق في كل ما يخص الإسلام، عقيدة وشريعة وتاريخ، كان قريبا من الأحزاب الإسلامية الأكثر جذرية، حزب التحرير الإسلامي، الذي كان ينشط بشكل سري في اجواء القمع الذي يمارسه النظام السوري بحق كل معارض في سورية، خاصة الإسلاميين. اطلاع غياث الفكري لم يقف عند حد، سرعان ما وضع كل ما آمن به على المحك، وفي لحظة ما ارتد على كل ايماناته، لم يذكر سبب ردته، هل هي مزيد من القراءة والتفكير بالاسلام ومصادره، ام هو هذا الظلم الذي يعيشه السوريون وغياب اي دور لله في مواجهة الظلم والظالمين الواقع على السوريين جميعا؟. لعل السبب الاثنان معا، المهم ان غياث ارتد عن كل ايماناته وقناعاته السابقة، أصبح يتهكم من الله  والرسول محمد والقرآن والأحاديث، يبحث عن ثغرات في كل ذلك، طبعا حسب قناعته ويصل الى مرحلة إنكار الإيمان بالله، او على الاقل بهكذا ايمان من خلال المفهوم الإسلامي، لقد أصبح داعية تنوير انقلابي على الإيمان والإسلام، اعتبر نفسه يقف في الأعراف كبرزخ يفصله عن الجنة والنار، أقرب للإيمان بالعدم مصيرا للإنسان، القادم من المجهول قبل الحياة، والذهاب للمجهول بعد الموت. لم يكن حال غياث النفسي والفكري مستقر في ذلك، فهو متنقل فكريا وايمانيا بين الإنكار الكامل والشك والإيمان لكن بطريقة مختلفة مستفيدا من التطور العلمي لمعرفة الإنسان في القرن الواحد والعشرين. عندما حدثت الثورة السورية كان من الطبيعي أن يكون غياث ومئات آلاف الشباب السوري وملايين الشعب منخرطين في الثورة، وكان رد فعل النظام الوحشي أن يقتل ويعتقل الناشطين، وان يقتل الناس ويدمر بيوتهم ومدنهم، يدفعهم للهرب بأرواحهم و اللجوء لدول الجوار وكل دول العالم، او يعودوا عبيدا في الدولة السورية مزرعته الخاصة. اعتقل غياث وخضع للتعذيب ليعترف بكل ما لديه من معلومات عن الناشطين والثوار مدنيين ومسلحين وكل شيء، لم يكن النظام مهتما لأجل حياة أو موت المعتقل. المهم المعلومات التي ستفيد في اخماد الثورة ولو أدى لقتل المعتقل تحت التعذيب او من خلال المعاملة القاسية في سجون النظام و معتقلاته. هكذا كان حال غياث حين وصوله الى زنزانة البلقيني. اما الشيخ الإمام البلقيني فإن حكايته مختلفة يسردها على غياث تباعا. الشيخ البلقيني وهذا لقبه اسمه الحقيقي اسحاق، حياته السابقة لم تكن نظيفة، احب في شبابه فتاة، وضبط معها في وضع جنسي، هرب من انتقام عائلتها، التحق بعصابة مخدرات وعمل معهم في تهريب وترويج المخدرات، وفي احدى المرات طارد الأمن عربتهم التي تحمل المخدرات، هربوا، قلبت العربة وسقط منها اسحاق والعربة غرقت بمن فيها، زميله في التهريب مع المخدرات المحملة فيها. أنقذ اسحاق رجل مسن في المنطقة، كان شيخا سلفيا متدينا، عالجه حتى استرد وعيه اولا ثم حتى استرد صحته، أخبر الشيخ أن اسمه محمد وأخفى اسمه الحقيقي، تواصل مع العصابة في السر، علم أنه مطلوب لها، وانهم حمّلوه ما حصل معهم وضياع المخدرات، وأن حياته في خطر، نصحه أن يختفي ويبتعد عن العصابة واجوائها. لم يكن أمام إسحاق إلا أن يبقى في حضانة الشيخ الذي تبناه وبدأ يلقنه العلوم الدينية، حسب الفهم السلفي، يعلمه من كتب محمد بن عبد الوهاب، وقبله ابن تيمية والإمام أحمد ابن حنبل. كان يتلقى التعليم على مضض، فهو شاب مستهتر يعيش حياته على هواه، له موبقاته، علاقات نسائية مفتوحة، ويشرب الخمر والدخان، علاقته مع الله كانت شبه مقطوعة، لكن الشيخ اعتبره مسؤوليته، واعتبر مسؤوليته الدعوية زرع معتقداته في إسحاق، لعله يخلفه في الدعوة وفي المسجد حيث يدرّس العلم الديني ايضا. لم يكن أمام إسحاق من حل بديل، واظب على دراسة الدين وتلقي الدروس من شيخه، والذهاب الى المسجد، وأصبح مع الوقت معروفا ويلجأ إليه بعض المريدين لشيخه أن غاب عن الحضور للمسجد. لم يستمر الحال على ماهو فترة طويلة، سرعان ما سيصل اليه الأمن الذي يطارده على خلفية قضية المخدرات والعصابة التي ينتمي إليها، يعتقل و يفاوضه مسؤول كبير بالأمن على أن يعمل معهم، على أن يطوون صفحة ماضية، وأن يتلبّس شخصية رجل الدين السلفي الوهابي، وأن يلتزم حرفيا بتوجيهاتهم وقد أعطي لقبه الجديد الشيخ البلقيني، وهكذا ارتبط بالأمن، مظهره رجل دين سلفي جهادي ملتزم جدا، لكن عمقه مرتبط بالأمن ويعمل معهم، مستمر على موبقاته السرية، من النساء والكحول وغيرها. كان الأمن يلجأ للبلقيني ليروج للجهاد في أفغانستان والعراق وكان يقدم التقارير الدورية عن الشباب الذين يلجأون إليه ليذهبوا للجهاد، وأصبح مع الوقت داعية عالميا، كان لا يقترب من الوضع السياسي السوري الداخلي إلا بما يتم عبر توجيهات تأتي إليه. وهكذا أصبح له خطبه وفتاويه التي حوّلت الى اشرطة يتم تداولها، وله موقع على الانترنت ينظر للجهاد العالمي. استمر الحال حتى حصل الربيع العربي، ثم الربيع السوري وقامت الثورة السورية. طلب الأمن من البلقيني أن يسكت عن الظاهرة ما قبل وصولها لسورية، وعندما اصبحت امرا واقعا وبدأ الشباب بالتظاهر، طلب منه أن يعلن موقفا مؤيدا للثورة السورية، ويصر على لونها الإسلامي الطائفي، سواء ضد طائفة النظام العلوي، او اعتبار الثوار من السنة، كما انه جيّش من اجل انتقال الثورة الى العمل المسلح. كان يجمع التبرعات، ويعطيها للنظام واجهزته الامنية ويأخذ السلاح مقابلها. نعم لقد نجح النظام عبر البلقيني وامثاله وعبر العنف الوحشي بحق الشعب السوري الى دفع الثورة السورية الى الأسلمة والتسلح. كان للبلقيني دور في تقديم قوائم بأسماء الإسلاميين الجهاديين وقادتهم المسجونين في سجون النظام ممن كان البلقيني من اوشى بهم وكان سبب سجنهم. سيفرج النظام عن هؤلاء الجهاديين والمعتقلين الذين سيلتحقون بالثورة السورية، ويكونون المجموعات المسلحة الجهادية، المخترقة بكثير من قادتها المرتبطين أمنيا مع النظام السوري، والمعبئة عقائديا بالسلفية الجهادية، الذي سيؤدي لظهور داعش والنصرة استمرارا للقاعدة التي شكلت في أفغانستان منذ تسعينات القرن الماضي على يد أسامة بن لادن. كانت ولادة داعش والنصرة جزء من خطة النظام لتشويه الثورة باعتبارها نواة حرب اهلية طائفية، تدعمها القوى الدولية ضد النظام السوري الذي يسوق نفسه مقاومة وممانعة وقوميا وعلمانيا، مغطيا على استبداديته ووحشيته وطائفيته وقتله لكثير من الشعب السوري وتدمير اغلب سورية وتشريد أكثر من نصف شعبها. نجح النظام عبر كل ذلك أن يسوق نفسه ضد الإرهاب الداعشي الذي اصبح وباء عالميا، اعاد النظام تسويق نفسه ضد الإرهاب وخادما للغرب ومصالحه. كل ذلك نجح بجهود الشيخ البلقيني وامثاله من شيوخ السلفية الجهادية المخترقة من النظام السوري. كان غياث يستمع للبلقيني في المعتقل ضمن خدمات تصل لخمس نجوم، لقد فهم لماذا هذه الخدمة الممتازة في معتقل للتعذيب والموت، استمر غياث على تساؤله الاولي لماذا يعتقل البلقيني وهو اداة عند النظام وخادمه؟.  وما هي علاقة غياث مع البلقيني ليهتم به ويتحدث عن نفسه بكل هذه الصراحة؟. شرح البلقيني لغياث كيف ارتبط مصيرهما معا؟!. اخبر البلقيني غياث عن حياته الخاصة وكيف انه بعد ان اعتمد شيخا سلفيا جهاديا، انه تزوج ابنة شيخه التي كان شاهدها واعجب بها، وانه عاد وبحث عن حبيبته السابقة، ووجد أنها قد تزوجت وانجبت. عمل بمساعدة الأمن على طلاقها ومن ثم الزواج منها. وانه بقي سنين طويلة دون ان تنجب احدى زوجتيه. درس حالته طبيا بالسر وعلم أن هناك مشكلة في الإنجاب عنده، وانه عليه أن يتعالج لعله يرزق بطفل في يوم ما، وبالفعل اعتمد ذلك إلى أن انجبت احدى زوجتيه طفلة اسماها فاطمة، اعتبرها الحالة الوحيدة في حياته النظيفة والتي تعطي لحياته معنى، احبها كثيرا، لكن الاقدار كانت تتربص به، فقد أصيبت بشظية من قذيفة هاون سقطت قربهم عندما كانت معه في احدى احياء النظام، حيث كان قد أنهى دوره كداعية جهادي، وانتقل ليكون منسيا ينتظر دورا جديدا حسب طلبات الأمن. اصابة ابنته افقدته توازنه، عالجها بكل ما يستطيع، لكن لا أمل، الاصابة في الدماغ وهي شبه ميته تعيش على الاجهزة. اما غياث المعتقل لم يكن يعلم عن زوجته وابنته منذ اعتقاله اي شيء، لقد مرضت ابنته مرضا يحتاج لعلاج غالي جدا، لجأت للشيخ البلقيني على شهرته، ساعدها بما يستطيع، ولكن لم يكفها، اخبر احد مريديه ممن يعمل مع النظام وهو منتدب للتواصل معه، وكان مثله كثير، يعمل في جمعية اسلامية ليساعد زوجة غياث، بما تحتاجه من المال، ساعدها لكن بعد أن استغلها جنسيا. ابنة البلقيني لم تشفى ولم تمت وانتظر الأطباء موافقة والدها على رفع الاجهزة عنها لتموت واقعيا، وهو يتمهل. ابنة غياث تنتكس بعد العملية و تحتاج لقلب بدل قلبها الذي لم يعد يعمل، علم البلقيني وهو في صحبة ابنته بما تحتاج ابنة غياث، فقرر ان ينهي حياة ابنته الميتة واقعيا ويتبرع  بقلبها لابنة غياث لعله يبقى له من ابنته كائنا حيا، ويقوم بعمل صالح يرضي ضميره، وهكذا كان، ماتت فاطمة وقلبها حي في صدر ابنة غياث، كعمل صالح اخير يقوم به البلقيني يواجه به وجه الله عن ذنوب كثيرة وكبيرة. لكن ذلك فقط فقد فاجأ البلقيني الناس والنظام والأمن بخطبة على قبر ابنته، فضح فيها النظام ودوره وفعله بحق الشعب السوري، واعترف بها بدوره واعماله التي قام بها خدمة للنظام. مما ادى لاعتقاله لمحاسبته عن ما صرح به على خطورته. تفاجأ غياث بكل ذلك، حقد على البلقيني، وتفهمه بعض الوقت، عادت شكوكية اعتقاداته اليه مجددا بين مؤمن بالله وكافر به ينوس بينهما، اما البلقيني فقد تجرع سمّا بعد ان أوصل رسالته لغياث وأخبره بكل ما عاشه، وعاش سكرات الموت بين يدي غياث الذاهل عن الدنيا ومفاجآتها.

هنا انتهت الرواية. وفي تحليلها نقول:

  • على مستوى اللغة والصياغة اللغوية،

 نجحت الرواية أن تقدم موضوعا دينيا وفلسفيا واشكاليا إلى القارئ مقتربة من نوعية ومستوى فهمه بمستوى مقبول، اضافة لقدرتها ان تخلط بين الفكري والاعتقادي والادبي ليكون نصا روائيا وليس بحثا فكريا، رغم ان حيز مكان الرواية هو زنزانة في معتقل، وزمانها مفتوحا على عقود تطال العام والخاص المهم لسرد الحدث وإشباعه معلوماتيا ووضوحا وانضاجا.

  • على مستوى المحتوى الفكري، نحن

أمام إشكالية الإيمان والكفر، بصفتها موضوعا غير قابل للحسم علميا ومعرفيا، نحن أمام موضوع لا يطاله العقل كحقائق، بل ترك الفلسفة والاديان والعقائد لتقول فيه ما عندها، لذلك نحن أمام عقائد و أديان كثيرة في الأرض، في الماضي والحاضر والمستقبل ايضا. هناك اختلاف داخل الأديان والعقائد والأفكار العلمية المعاصرة وما بينها، يصل الى التناقض الكلي، كل ذلك مفهوم ومقبول ومعاش منذ آلاف السنين. استخدم هذا التعدد والتنوع والاختلاف في الصراع بين الشعوب والامم وداخل المجتمعات لتبرير مصالح هذه الامة او تلك وهذه الجماعة الاعتقادية أو تلك. للكل مبرر من الأديان او العقائد لفعل ما فعل من اخطاء او قتل او احتلال او ظلم وقع من البعض على البعض من البشر، ويفسر الكثير من التقدم والبحث العلمي والتطوير وصناعة الحياة الافضل ايضا. البعض إرضاء لله الذي يؤمن به، أولتحقيق مصلحة أمة أو مصالح خاصة يستبيح لأجلها حياة ومصالح الآخرين. هذا ما ينبئنا به التاريخ.

  • في الرواية مشكلة جعلتها تظهر انها

رواية إشكالية. وهي أسلوب السخرية والتهكم والاساءة لعقائد مجموع كبير من الناس، بدء من الله الى الرسول محمد الى القرآن الى السنة إلى التاريخ. نعم كل هذه الموضوعات مختلف عليها كثيرا، لكن هناك فرق بين الطرح المحترم لقائد الآخرين، وبين من يسيء ويتهكم ويشتم ويلحد ويكفر، هنا يصبح الدمج بين حرية التعبير عن الرأي مع الاساءة لاعتقاد الاخرين، هو اساءة مزدوجة للعقائد على اختلافها، والإنسانية المتنوعة اصلا. والاساءة لحرية الرأي والتعبير بأنه أصبح عنصر هدم وليس بناء، مع العلم ان النقد عبر السخرية والتهكم والاساءة لا يغير ولا يزيد من نصاعة المواقف ووضوحها وتبلورها، بل يسيء لها. هناك الكثير من الكتابات التي تشرح عقائد العرب والمسلمين على اختلافها، بكل التفاصيل، بقيت محترمة ومعتبرة مراجع دون اي اشكال، ومثال على ذلك كنموذج كتاب مذاهب الإسلاميين للدكتور عبد الرحمن بدوي. اما هذه الرواية فلم تأتي بجديد على مستوى المعرفة والنقد الفلسفي أو الديني، يزيد عما طرحه الاخرين ومن ازمان بعيدة، لكن تميزه بالاساءة جعله عرضة للمنع والتكفير واحتمال الانتقام. كتاب الحقيقة الغائبة لفرج فودة لا يحوي الكثير معلوماتيا ومعروف كل ما تحدث عنه، لكن اسلوبه كفره وادى ليكون ضحية متطرف لم يستطع تقبل الاساءة لعقيدته. والأمثلة كثيرة.

  • اخيرا، اود القول اننا فعلا نحتاج

لتنوير ديني اسلامي، يصالح بين اعتقاداتنا الدينية وما توصل اليه العلم من التطور، نعم علينا أن ننقل شعبنا من الجبرية والتسليم بالحياة والسحر والشعوذة والغيبيات الى رحاب العلم والعصر ومعرفة قوانين الكون والحياة والعمل لبناء حياة أفضل، محققة الحرية الانسانية والكرامة والعدالة والمشاركة السياسية، التي جاءت كل العقائد والأديان لأجل أن تحققها في حياة البشر. لا انكر انني مررت بما مر فيه صاحب النص في البحث في العقائد وتلمس طريق خلاص فردي واجتماعي للامة والشعب في سوريا والعالم. لكن نحن نختلف الاختلاف في أسلوب توصيل الرسالة. نعلم ان الاسلوب الخاطئ لتوصيل الرسالة، يسيء لها ولا يوصلها. خاصة أننا في عصر الربيع العربي والثورات العربية ضد النظم الاستبدادية وداعميها الغربيين، مطالبين أن نكون متمكنين عقائديا وعلميا وسياسيا وفي حسابات الميدان على كل المستويات. لعلنا ننتصر لتحقيق مطالبنا المحقة بالحرية والعدالة والديمقراطية وبناء الحياة الأفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى