يرى مراقبون أن هناك أمر عمليات اتخذ لبث الفوضى لتحقيق أجندة سياسية لا علاقة لها بصالح الشعب اللبناني ولا بعودة النازحين. لم يختلف الموقف السياسي الذي عكسته حكومة تصريف الأعمال في لبنان في شأن النازحين السوريين عن الإجراءات الأمنية التي نفذها الجيش اللبناني في حق المخالفين. وشكل موقف الحكومة غطاءً للتدابير المتخذة من قبل المؤسسة العسكرية، بحيث أعادت بعد اجتماع وزاري خصص للبحث بأزمة النازحين السوريين بحضور الوزراء المعنيين بالملف والقادة الأمنيين، تأكيد التدابير والإجراءات المتخذة تنفيذاً لقرار المجلس الاعلى للدفاع تاريخ 24 أبريل (نيسان) 2019 من قبل الجيش والأجهزة الأمنية كافة في حق المخالفين، خصوصاً لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية. وكان ملف النازحين السوريين في لبنان قد عاد مجدداً إلى الواجهة، بعد حملات أطلقتها أكثر من بلدية في مناطق عدة طالبت بترحيل السوريين، إثر إشكالات واعتداءات ارتكبها سوريون، خصوصاً أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن 85 في المئة من الجرائم المسجلة في لبنان يرتكبها نازحون و40 في المئة من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية المختلفة هم من السوريين، هذا فضلاً عن أعباء اقتصادية يعتبر اللبنانيون أنهم يتكبدونها نتيجة الأعداد الكبيرة للنازحين، إضافة إلى مشكلة التحول الديموغرافي الذي برز أخيراً مع تزايد الولادات لدى تلك الشريحة الوافدة. واتخذ ملف النازحين السوريين للمرة الأولى بعداً خطراً، وسط فوضى من المواقف والمواقف المضادة التي لم تخل من العصبية الطائفية، وسط شكوك بوجود استخدام سياسي للملف، عززها خلق موجة غضب من الجهتين، عبر تسريب معلومات عن إجراءات أمنية للجيش اللبناني في حق عشرات السوريين، وتصويرها وكأنها حملة ترحيل للنازحين فيما هي إجراءات ينفذها الجيش منذ أبريل 2019 تطبيقاً لقرار صادر عن المجلس الأعلى للدفاع، يقضي بترحيل السوريين الذين لا يملكون وثائق رسمية وقانونية. وترافقت الحملات مع انتشار تسجيل مصور على مواقع التواصل الاجتماعي لمعارض سوري يدعى كمال اللبواني، يهدد فيه اللبنانيين ويتوعدهم بالرد على قيام الجيش اللبناني بترحيل عدد من اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وكشفت مصادر أمنية لـ”اندبندنت عربية” عن أنه تبين أن التسجيل قديم وعمره أكثر من خمسة أشهر، أما اللبواني فمقيم في السويد ولا صفة رسمية له في المعارضة السورية، بل هو كاتب سياسي.
حملات تحت عنوان “أنقذوا السوريين في لبنان”
وكان لافتاً دخول منظمة العفو الدولية على خط أزمة النازحين المتصاعدة، فأصدرت بياناً دعت فيه السلطات اللبنانية إلى أن “تكف فوراً عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، وسط مخاوف من أن هؤلاء الأفراد معرضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي الحكومة السورية لدى عودتهم”. وفي السياق أطلق ناشطون سوريون حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “أنقذوا السوريين في لبنان”، داعين من خلالها إلى وقف عمليات الترحيل التي اعتبروا أنها “غير قانونية”. وكان مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن قد تحدث في إطلالة إعلامية عما وصفه بحجم العنصرية التي يتعرض لها اللاجئون في لبنان. وقال إن “العنصرية اللبنانية ضد اللاجئين السوريين أصبحت مقيتة، ولم نشهد تلك العنصرية في دول أوروبا أو الدول العربية”. وإذ اعترف عبدالرحمن بمخالفات ارتكبها بعض السوريين في لبنان، ومنها بعض الجرائم، ودعا إلى محاسبتهم وسجنهم، سأل “لكن السوري الذي هرب من القتل أين تعيده؟”.
فوضى لمآرب سياسية
يصف الباحث في السياسات العامة واللاجئين زياد الصائغ الإجراءات التي نفذها الجيش اللبناني في حق المخالفين السوريين، بـ”الطبيعية” كونها أتت تطبيقاً للقانون. ويشير إلى أن هذه الإجراءات أخرجت من إطارها القانوني ووضعت في إطار الترحيل القسري، وهذا جزء من “بروباغندا” يقابلها، بحسب رأيه، “استنفار عصبي شعبي لبناني للتصويب على أن النزوح السوري هو أساس كل العلل في لبنان”. ويشدد الصائغ على أن “الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية جراء النازحين السوريين، باتت تفوق قدرة اللبنانيين على تحملها، وصارت تشكل خطراً كيانياً ووجودياً على الهوية اللبنانية”، لكنه في المقابل يعتبر أن “هناك حاجة إلى وقف الاستقطاب الدفاعي عن النازحين من جهة والاستقطاب الهجومي على الدولة من جهة أخرى، لأن “هناك أمر عمليات اتخذ لبث الفوضى في لبنان لتحقيق أجندة سياسية لا علاقة لها لا بصالح الشعب اللبناني ولا بعودة النازحين، بل لفرض أمر واقع، خصوصاً في ما يعني استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية. وقد يصب في هذا الاتجاه، تركيز (حزب الله) وحلفائه على أهمية انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، القادر الوحيد على حل ملف النازحين السوريين كما يقولون”. وصوب النائب أشرف ريفي بشكل واضح إلى هذه المسألة في ما وصفه “بالحملة الترويجية والتهويلية، لإعطاء المرشح الرئاسي للممانعة وظيفة تطمين دون أن يكون لها ترجمة حقيقية على أرض الواقع”، علماً أن فرنجية نفسه وتزامناً مع ارتفاع حدة أزمة النازحين، أكد في إطلالة إعلامية أنه يملك شيئاً لا يملكه المرشحون الآخرون، وهو ثقة “حزب الله” وثقة رئيس النظام السوري بشار الأسد.
استثارة العصبيات ليست الحل
معولاً على حكمة وفاعلية الجيش اللبناني ينتقد الصائغ في المقابل المجتمع الدولي، ويعتبر أنه فشل في معالجة أزمة النازحين السوريين والضغط باتجاه حل سياسي يسهل العودة. ويعتبر أن “عودة النازحين باتت ملحة وضرورية وحتمية، لكنها يجب أن تتم استناداً إلى دبلوماسية فاعلة، وليس إلى استثارة العصبيات”، داعياً إلى “الانتقال إلى مقاربة لا مركزية تتحمل فيها البلديات مسؤولياتها في هذا السياق ضمن القوانين المرعية”. ويحذر الصائغ من “افتعال توترات متنقلة بين المجتمع اللبناني المضيف والنازحين السوريين بما يريح المنظومة الحاكمة في لبنان من المساءلة عن كل ارتكاباتها، مثل عرقلة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت والسطو على ودائع ومدخرات الشعب اللبناني والاستمرار في تغطية السلاح غير الشرعي وعزل لبنان عن محيطه العربي والدولي”. وغامزاً من قناة “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” و”حركة أمل” الذين كانوا يملكون الأكثرية في الحكومات المتعاقبة منذ بدء أزمة النازحين، يسأل الخبير في شؤون اللاجئين، “من أوصل الأمور إلى هنا؟ ومن أجهض تبني سياسة عامة لتنظيم وفود النازحين السوريين وضبط وجودهم في لبنان، والإعداد لسياسة العودة؟”. ويتابع الصائغ سائلاً “من رفض إنشاء مراكز إيواء موقتة برعاية الأمم المتحدة وتحت سيادة الدولة اللبنانية في المناطق الحدودية منذ عام 2012؟”. ويضيف “لماذا لم تتول وزارة العمل حتى الآن التمييز بين العامل والنازح؟ وأين هي الدبلوماسية اللبنانية في الطلب من الأمم المتحدة وضع عودة ملف النازحين على جدول أعمال مسار جنيف للحل السياسي في سوريا؟ وما الذي منع توقيع بروتوكول تعاون بين الدولة اللبنانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين بما يضع هذه الأخيرة أمام مسؤولياتها لبدء تنظيم العودة؟”.
الحكومة توصي بالتنسيق مع الجانب السوري
وعلى وقع حملات اتخذت أشكالاً مختلفة، وباتت تنذر بانفجار لا يمكن التكهن متى يبدأ وكيف ينتهي، فتح باب التنسيق الرسمي والعلني بين الحكومة اللبنانية والنظام السوري على مصراعيه في هذا الملف، واتخذ قرار رسمي بنقل التنسيق في شأن ملف النازحين من المستوى الأمني، عبر المدير العام للأمن العام السابق عباس إبراهيم وبتفويض من الحكومة في الأشهر الأخيرة، إلى المستوى السياسي، بحيث تتولاه لجنة رسمية شكلت خلال الاجتماع الوزاري الأمني الذي ترأسه ميقاتي، الأربعاء، وتضم وزيري العمل والشؤون الاجتماعية ومدير عام الأمن العام بالإنابة والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع. واستفاقت الحكومة متأخرة على التمييز بين النازح والمواطن السوري الذي ينتقل بشكل دوري إلى بلده، فقررت الطلب من المفوضية العليا لشؤون النازحين، وضمن مهلة أقصاها أسبوع من تاريخه، تزويد وزارة الداخلية والبلديات بـ”الداتا” الخاصة بالنازحين السوريين على أنواعها، على أن تسقط صفة النازح عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية. وقرر المجتمعون الاستمرار في متابعة العودة الطوعية للنازحين السوريين، مع مراعاة ما تفرضه الاتفاقات والقوانين لناحية المحافظة على حقوق الإنسان. وأبقت الحكومة على قراراتها السابقة في شأن التشدد في ملاحقة المخالفين ومنع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية، كما طلب المجتمعون من وزارتي الداخلية والبلديات والشؤون الاجتماعية إجراء المقتضى القانوني لناحية تسجيل ولادات السوريين على الأراضي اللبنانية بالتنسيق مع المفوضية العليا لشؤون النازحين، وجددوا طلباً سابقاً مرفوعاً إلى وزارة العمل بضرورة التشدد في مراقبة العمالة ضمن القطاعات المسموح بها. وكررت الحكومة الطلب من الدول الأجنبية المشاركة في تحمل أعباء النزوح السوري.
المصدر: اندبندنت عربية