يترنح السودان تحت تأثير المرتزقة الروس، لكن دولاً أفريقية أخرى قد تتبعه قريباً.
مع دخول الصراع الدائر في السودان أسبوعه الثاني وبعد مقتل العشرات من المدنيين والعسكريين على يدي الفصائل الحاكمة المتنافسة، ذكرت صحيفة “تليغراف” البريطانية أن الحال في هذا البلد الأفريقي لا يختلف كثيراً عن باقي النزاعات الأخرى في أفريقيا والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، من حيث وجود ما سمته بـ”صانعي المشكلات” الروس.
فبحسب الصحيفة، فإن أحد طرفي الصراع، وهو قائد قوات الدعم السريع اللواء محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، والذي يقود جماعة شبه عسكرية تشكلت من ميليشيات الجنجويد التي ساعدت في تنفيذ الإبادة الجماعية في دارفور تحت حكم البشير، على صلة وثيقة بقوات “فاغنر” الروسية التي قيل إنها ساعدت في تدريبهم وتجهيزهم.
وفي التفاصيل، استعان الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير بخدمات المرتزقة الروس للمساعدة في دعم نظامه المترنح في عام 2017، بعد لقاء جمعه مع بوتين والذي وعد فيه البشير هذا الأخير بجعل بلاده “مفتاح أفريقيا” لروسيا. تضمنت الخطط المشتركة أيضاً إنشاء قاعدة للبحرية الروسية في البحر الأحمر في بورت سودان، وهو مشروع دعمته مجموعة “فاغنر”.
منذ ذلك الحين، وبحسب “تليغراف” مجدداً، زودت فاغنر السودان بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، بما في ذلك الشاحنات العسكرية والمركبات البرمائية وطائرات هليكوبتر للنقل، لكن بعد سقوط البشير في عام 2019، أعاد المرتزقة الروس اصطفافهم إلى جانب اللواء عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية و”حميدتي” اللذين قادا في ما بعد انقلاباً أطاح المجلس العسكري الانتقالي في عام 2021. المرتزقة الروس وبحسب التقارير كانوا أكثر دعماً لحميدتي وقرباُ منه.
كذلك، فاغنر وبمساعدة حميدتي استمرت في تشغيل شركة “ميرو غولد” Meroe Gold للتنقيب التي تفيد التقارير باستغلالها مناجم السودان وتهريب كميات هائلة من الذهب إلى خارج البلاد، بالتالي ملء جيوب زعيمها يفغيني بريغوجين وحرمان السودان من الإيرادات التي هو بأمس الحاجة إليها. بالنسبة إلى بوتين، فإن هذا من شأنه أن يساعد جهود التهرب من العقوبات الغربية، والسماح له بتمويل حربه غير القانونية في أوكرانيا.
ما أثر الصراع الدائر على المنطقة؟
الآن، قد تكون قوات الدعم السريع الغنية بالمال والمسلحة بشكل جيد على وشك إحداث فوضى في شمال أفريقيا بشكل عام. فالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يرى أن نظاماً مستقراً في الخرطوم يخدم المصالح الحيوية لبلاده. وهو بطبيعة الحال سينظر بارتياب إلى أسر قوات الدعم السريع يوم السبت الماضي قوات مصرية داخل السودان بهدف إجراء تدريبات مشتركة، على رغم تأكيد حميدتي إعادتهم بأمان إلى وطنهم في وقت قريب.
سيكون هنالك أيضاً قلق كبير في القاهرة في شأن التأثير المحتمل لهذا الصراع في مشروع سد النهضة الإثيوبي، والذي يحتاج بكل تأكيد إلى دعم الخرطوم لمعالجة مخاوف مصر في شأن إمدادات المياه عبر نهر النيل.
علاوة على ذلك، قد تواجه تشاد وإريتريا وجنوب السودان طوفاناً من اللاجئين، مما قد يفاقم صراعاتهم الداخلية، كما أن فراغاً للسلطة في السودان قد يشجع الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء المنطقة على الاستفادة مما يحدث. فأسامة بن لادن نفسه عاش في السودان لمدة خمس سنوات، بين عامي 1991 و1996.
بالتالي، وكما ترى “تليغراف” فلقد ساعد فلاديمير بوتين، عامداً أو مصادفة، بإطلاق موجة من العنف قد يكون لها عواقب وخيمة ليس فقط على السودان وشمال أفريقيا وبحسب وإنما على العالم أيضاً. فغزوه الفاشل لأوكرانيا أدى إلى تمكين مجموعة فاغنر التي تستخدم نفوذها المتصاعد لنهب الدول الأفريقية وإثارة القلاقل حيثما حلت، كما أن حاجة بوتين الماسة إلى المال لدعم حربه منذ أن نفذ الغرب عقوبات صارمة جعل دعم الدولة الروسية مثل هذه الأعمال غير المشروعة ضرورة بصرف النظر عن الأثمان المدفوعة أو العواقب المترتبة على ذلك.
في الواقع، تختم الصحيفة، قد يكون السودان أول دولة أفريقية تنهار تحت النفوذ الروسي، لكن سعي المرتزقة الروس إلى تعزيز النزاعات القائمة، ودعم الأنظمة الاستبدادية، وقمع الجهود المبذولة نحو الديمقراطية، ونهب الموارد الطبيعية، وطرد النفوذ الغربي في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وليبيا ومالي، لن يكون بالأمر اليسير احتواؤه في المستقبل.
المصدر: اندبندنت عربية