لا يزال التوتر والفلتان الأمني سيّدي الموقف في جنوب سورية، وخصوصاً في محافظة درعا، كبرى محافظات هذا الجنوب، الذي لم يشهد استقراراً أمنياً منذ منتصف عام 2018، حيث أبرمت فصائل المعارضة السورية اتفاقات “تسوية” مع النظام تحت رعاية الجانب الروسي، الذي تتهمه الفصائل التي وقّعت على الاتفاقات، بالتقاعس عن تحمّل مسؤوليته إزاء الاتفاقات التي لم يلتزم بها النظام، بل اتخذها مدخلاً لكسر إرادة أهالي المحافظة التي شهدت انطلاق الثورة في مارس/آذار من عام 2011.
واندلعت، اليوم الخميس، اشتباكات وصفتها مصادر محلية بـ”العنيفة” في ريف درعا الغربي، بين مسلحين من فصائل كانت تابعة للمعارضة السورية، ومجموعة مسلّحة يُعتقد أنها المسؤولة عن هجوم استهدف مساء أمس الأربعاء، موكباً يضمّ قيادات ووجهاء من “لجنة درعا المركزية”، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان، الذي أكد مقتل ثلاثة بينهم قيادي سابق في فصائل المعارضة.
وقالت شبكة “تجمع أحرار حوران” المحلية، إن الاشتباكات وقعت قرب بلدة المزيريب غربي درعا، نتيجة هجوم “ثوار المنطقة الغربية على مقر لمجموعة مسلّحة متّهمة بتنفيذ عملية الاستهداف التي طاولت قيادات لجنة درعا المركزية، مساء الأربعاء”. ورجح ناشطون من درعا وقوف عناصر من تنظيم “داعش” وراء الهجوم على موكب القيادات، بتنسيق مع الأجهزة الأمنية للنظام السوري، حيث ينتشر في المنطقة الغربية أفراد مجموعات مبايعة لتنظيم “داعش”، كانت قوات النظام أفرجت عن بعضهم مطلع العام الماضي، وأرسلتهم الى ريف درعا للقيام بعمليات أمنية محدودة تستهدف قياديين وعناصر سابقين في “الجيش الحر”.
ونقل التجمع عن مصادر مطلعة قولها إن لقاءً جرى أخيراً بين رئيس فرع الأمن العسكري بدرعا (واحد من أشرس أجهزة النظام الأمنية) لؤي العلي، وقياديين من تنظيم “داعش”، مؤكدة أن الطرفين اتفقا على اغتيال قياديين من اللجنة المركزية من بينهم “أبو مرشد البردان”، الذي أصيب في الهجوم الذي شنه مجهولون مساء الأربعاء.
وفي محاولة لتطويق تبعات ما جرى، أعلنت “مركزية درعا” عبر مكبرات الصوت في المساجد، حظر تجوّل شاملا في مدينة طفس لأسباب أمنيّة، وفق شبكة “أخبار درعا”.
وقال الناشط الصحافي محمد الشلبي لـ”العربي الجديد”، إن الهجوم جاء بعد ساعات على اجتماع ضم قادة ريفي درعا الشرقي والغربي في بلدة العجمي بريف درعا الغربي، والذي جرى خلاله بحث الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع قوات النظام لمنع اقتحام مناطقهم.
وأوضح أن الاتفاق مع قوات النظام قضى بوقف عملية الاقتحام التي كانت قوات النظام تحضر لها ضد قرى وبلدات في ريفي درعا الغربي والشرقي، مقابل القبول بنشر حواجز لتلك القوات في تلك المناطق.
وقالت شبكة “تجمع أحرار حوران”، إن قوات النظام لم تكن ترغب بوقف عملية الاقتحام، إلا أن الروس ضغطوا باتجاه ذلك، في حين أن روايات أخرى تشير إلى عدم رضا أهالي درعا عن ما توصل إليه أعضاء لجنة التفاوض من اتفاق، خصوصاً وأنه يسمح للنظام بنشر حواجزه في المنطقة.
وتتألف “لجنة درعا المركزية” من وجهاء وقياديين سابقين في “الجيش الحر”، وتشكّلت عقب سيطرة قوات النظام على المحافظة قبل نحو عامين، ومهمتها التفاوض على ملفات تخص المنطقة مع الروس والنظام.
وكانت قوات النظام ومليشيات إيرانية مساندة لها على وشك شنّ عمل عسكري واسع النطاق منتصف الشهر الجاري، حيث استقدمت تعزيزات ضخمة إلى مواقعها في المحافظة، لولا تدخل روسي لجم هذه القوات التي تتحين الفرص للفتك بمناطق لا تزال عملياً تحت سيطرة فصائل المعارضة، وفق اتفاقات التسوية. وفي حينه، أعلن قياديون في فصائل المعارضة السورية أنهم لا يريدون الحرب مع النظام، مؤكدين الاستعداد لخوضها في حال فُرضت عليهم، فـ”الموت في حرب غير متكافئة أشرف ألف مرة من العيش في ظل سلام مهين”، وفق تعبير القيادي أدهم الكرّاد.
وفي السياق، اتهم قياديون في درعا الجانب الروسي بـ “التحيّز وعدم الحياد، بل والمشاركة بالحرب” إلى جانب قوات النظام التي تريد إعادة درعا إلى ما قبل مارس/آذار 2011، وهو ما يرفضه عموم أهالي المحافظة الحدودية مع الأردن وإسرائيل.
ومن الواضح أن الجانب الروسي لا يريد انهياراً لاتفاقات التسوية، لأن هذا من شأنه تعميم الفوضى ليس بعيداً عن الحدود السورية الأردنية والسورية الإسرائيلية. كما أن أي عمل عسكري من قبل النظام يعني تعزيز الوجود الإيراني في محافظة درعا، التي يتخذ الإيرانيون من مقرات قوات النظام فيها أماكن تمركز لهم، وفق مصادر محلية، تشير إلى أن التغلغل الإيراني في جنوب سورية سبب رئيس لعدم الاستقرار.
وتؤكد المصادر أن النظام والإيرانيين يدفعان باتجاه الفوضى الأمنية في محافظة درعا، من خلال عمليات الاغتيال المستمرة، كي يكون ذلك ذريعة للقيام بعمل عسكري واسع النطاق، ولكن جهود الطرفين تصطدم دائماً برفض روسي.
وفي السياق، وثّق المرصد السوري لحقوق الانسان أكثر من 480 محاولة اغتيال بأساليب مختلفة في المحافظة منذ منتصف العام الفائت وحتى الآن، مشيراً إلى مقتل 315 في هذه العمليات، من بينهم 77 مدنياً، و164 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتعاونين معها، و51 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا تسويات ومصالحات، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية، و17 من المليشيات السورية التابعة لـ”حزب الله” اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 6 مما يُعرف بـ”الفيلق الخامس” التابع لوزارة الدفاع الروسية، وقوامه مسلحون كانوا في صفوف المعارضة السورية واضطروا لإجراء مصالحات مع النظام.
المصدر: العربي الجديد