التحركات السعودية في المنطقة.. المملكة تختار “الدبلوماسية بدل القوة”

رغم أنها معروفة بدبلوماسيتها المتأنية، سرعت السعودية مفاوضات السلام في اليمن، وأقدمت على خطوة مفاجئة هذا الأسبوع بالتحرك نحو إعادة العلاقات مع سوريا، كجزء من تحرك دبلوماسي إقليمي كبير. وهذا طرح أسئلة حول التغير الملموس في طريقة تعاطي المملكة مع ملفات ودول المنطقة.

وتنقل صحيفة “واشنطن بوست” أن التحرك السعودي المفاجئ تجاه سوريا هو أحدث محاولة من الرياض لإصلاح “التنافس الإقليمي” الذي طال أمده في المنطقة.

وقامت الرياض في الأسابيع الماضية بخطوات ملحوظة، حيث أعادت العلاقات مع إيران، عدوها القديم، وسرعت المفاوضات في اليمن، حيت خاضت رفقة حلفائها حربا طاحنة طويلة ضد الحوثيين المدعومين من طهران.

وتقول الصحيفة إن الشائعات عن التقارب السعودي مع سوريا بدأت في 2018، عندما أعادت الإمارات والبحرين العلاقات مع دمشق، ليشهد هذا الأسبوع تقدما ملموسا بعد وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى جدة. وهذه أول زيارة يقوم بها دبلوماسي سوري كبير إلى المملكة منذ أن قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية في عام 2012.

ويقول محللون إن الجهود الدبلوماسية السعودية يمكن أن تعيد تشكيل “الدينامية الإقليمية” في المنطقة، إذ بعد سنوات من الحروب بالوكالة، يبدو أن المملكة تسعى إلى تحقيق الاستقرار في الخارج للتركيز على الإصلاحات في الداخل.

وتنقل الصحيفة عن أندرو ليبر، الأستاذ المساعد في جامعة تولين والخبير في السياسة السعودية، أن السعوديين أدركوا أنه ربما من الأفضل التركيز على” الدبلوماسية بدل الحاجة إلى إظهار القوة” من خلال التدخل العسكري.

ويرى ليبر أن التغييرات الاجتماعية والمشاريع الاقتصادية البارزة تبدو وسيلة أكثر فعالية لكسب المكانة الدولية التي تتوق إليها الرياض.

وتشير الصحيفة إلى أن قيادة السعودية لجهود إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية كانت تبدو في السابق غير ورادة، إذ كانت الرياض لسنوات مزودة للجماعات المتمردة ضد نظام بشار الأسد بالأسلحة.

وبعد 12 عاما من الحرب، تمكن الأسد من إحكام قبضته على السلطة بفضل الدعم العسكري من روسيا وإيران.

ويقول ليبر إن وجهة النظر السعودية هي أن “إيران ضعيفة داخليا، لذا فقد حان الوقت للحصول على نوع من التنازلات منها بشأن هذه الصراعات الإقليمية حتى تتمكن الرياض من المضي قدما في أشياء أكثر أهمية مثل خطط التنمية الاقتصادية ورؤية 2030”.

وبعد أقل من أسبوع من اجتماع وزيري الخارجية السعودي والإيراني في بكين لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التطبيع، وصل وفد سعودي إلى العاصمة اليمنية صنعاء للتفاوض مع الحوثيين.

ويقول ليبر لواشنطن بوست إن الصفقات مع سوريا وإيران والحوثيين تقدم في الداخل السعودي على أنها “خطوة ذكية وحكيمة”.

ويقول محللون إن التراجع الملحوظ في اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط يلعب دورا مهما في صفقات المصالحة هذه.

ويرى، محمد اليحيى، وهو زميل بارز في معهد هدسون وزميل في مركز هارفارد بيلفر، أن الاتفاق مع إيران لا يعني أن السعوديين يثقون فجأة بخصومهم القدامى. لكن في غياب دور أميركي في المنطقة، يحاولون فقط إيجاد تسوية مؤقتة قابلة للتطبيق”.

ودعت الرياض وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، لإجراء محادثات في زيارة تاريخية، الأربعاء، اتفق البلدان خلالها على إعادة فتح السفارتين قريبا.

وأعلن الأردن قبل اجتماع يعقد، الجمعة، لمناقشة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أنه يدفع بخطة سلام عربية مشتركة يمكن أن تضع حدا للتبعات المدمرة للصراع السوري المستمر منذ أكثر من 10 سنوات، وذلك بحسب مصدر مسؤول قريب من الأمر لوكالة رويترز.

لكن ورغم الجهود السعودية، تقول الصحيفة إن دول المنطقة ليست كلها مستعدة للترحيب بعودة سوريا، بما في ذلك قطر، وهي داعم آخر منذ فترة طويلة للجماعات المتمردة السورية.

وقال رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن، في مقابلة مع التلفزيون الرسمي، الخميس، إن بلاده لن تتخذ أي خطوات تجاه الأسد من دون حل سياسي للصراع هناك.

الموقف الأميركي من سوريا

وفي تعليق على زيارة وزير الخارجية السوري إلى السعودية وإعادة الرحلات الجوية والخدمات القنصلية بين البلدين، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لقناة “الحرة” إن “موقفنا واضح. لن نقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد في غياب تقدم حقيقي نحو حل سياسي للصراع الأساسي”.

وأضاف المتحدث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، “لقد أكدنا للشركاء الإقليميين الذين يتعاملون مع النظام السوري أن الخطوات الموثوقة لتحسين الوضع الإنساني والأمني للسوريين يجب أن تكون على رأس أولويات وفي صلب أي تواصل مع النظام”.

وتقول محللة الشؤون الخليجية البارزة بمجموعة الأزمات الدولية، آنا جاكوبس، إن “بقاء الأسد في السلطة والتطبيع العربي مع دمشق بات وكأنه نتيجة حتمية في هذه المرحلة”.

وأضافت: “لقد أوضحت الولايات المتحدة وأوروبا أنهما لا تتفقان مع تطبيع الدول العربية مع نظام الأسد، ولكن لا يبدو أن هناك الكثير مما يمكنهم فعله حيال ذلك”.

وكانت الدول العربية قد قطعت علاقاتها مع نظام الأسد منذ سنوات عندما فرض حصارا على أحياء وبلدات بأكملها في محاولة لهزيمة المتمردين، وأشرف على نظام سجون مليء بالتعذيب والإعدامات الجماعية وأرسل ملايين اللاجئين إلى البلدان المجاورة.

المصدر: الحرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى