قراءة في كتاب: داخل سورية.(٣)

أحمد العربي

  • بداية الثورة.

عندما حصل الربيع العربي في بدايات عام ٢٠١١م، حيث أحرق محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على مظلومة مجتمعية تطاله وأمثاله من المجتمع، كان قد فتح فوهة بركان الغضب العربي الذي سيمتد من تونس لمصر وليبيا واليمن ثم سورية، وعندما سئل بشار الأسد هل يمتد الربيع العربي إلى سورية، أجاب بالنفي، “سورية غير” لأنها

دولة شعبها وسلطتها على توافق سياسي ومجتمعي. لكن الثورة السورية ستحصل، سيكون الشباب وقودها الأساسي، عند أغلب الناس في سورية اسبابه للثورة، من يعاني من الاستبداد والقمع، ومن يعاني من انسداد الأفق الاقتصادي والفساد والمحسوبية وتقاسم البلد متخصصة بين  الأسد وعائلته وعصابته المحيطة به، كان الأسد يعتمد على أمنه وجيشه ودرجة الهيمنة والخوف ، هناك ذاكرة ممتلئة بالظلم عند السوريين، لكنهم ثاروا، ولان النظام لم يكن يقتنع بأنه مستعد ان يقدم أي تنازل للشعب فقد اعتمد على البطش واستعمال العنف في مواجهة جموع الناس المطالبة بالحرية والكرامة الانسانية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، كان النظام يريد أن ينقل الشعب إلى مربع العنف ليبرر استعماله ضدهم، لقد كان لسقوط الشهداء في المواجهات الأولى للربيع السوري دورا بانتقال الناشطين إلى مرحلة التسلح، للدفاع عن النفس والدفاع عن المظاهرات، كان التسلح فرديا وذاتيا ومتواضعا، لكن سرعان ما تدخل دول وهيئات على خط دعم الثوار، وكل يستثمر لمصلحته الخاصة، وبما أن سورية لم تكن بعيدة أصلا عن وجود الأصوليين الذين تربوا في سجون النظام، ولا نشاط بعضهم في أفغانستان ثم العراق، والتحاقهم في تنظيم القاعدة، وما نتج عنه من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والنصرة في الشام ثم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش، وجبهة النصرة في سورية، وعشرات التنظيمات الاخرى، سواء تحت مسمى جماعات جهادية اسلامية أو الجيش الحر، ودخل على الخط كثير من المجموعات التي استغلت الثورة لتقوم بعمليات الخطف والنهب والسرقة والجريمة المنظمة، لقد استطاع النظام ان يحول الثورة لحرب أهلية وأن يلفت النظر إلى الإرهاب واولوية الحرب في مواجهته، وأن يجعل الأطراف الإقليمية والدولية تتريّث في اتخاذ موقفها الجذري من إسقاط النظام أو بقائه. لكن النظام وفي السنتين التاليتين للثورة ٢٠١١و٢٠١٢م كان شبه مهزوم وكان قد خسر كثيرا من جنوده وضباطه قتلى أو منشقين، وخسر كثيرا من مساحة الأرض السورية التي يقف عليها، وكان الثوار على نقص نضجهم وعدم توحدهم واختلاف أجندات داعميهم ، فقد أصبحوا حاضرين على أرض سورية. كانت الدول ما زالت لم تحسم قرارها هل مع تغيير النظام أم اصلاحه، وأن كانت مع تغييره فمن البديل؟. كان النظام السوري أمام قرار استراتيجي خطير فرغم استعماله للعنف المسلح وقتل الناشطين واستدعاء الإيرانيين وحزب الله و المرتزقة الطائفيين، وتشويه صورة الثورة وتحويلها لحرب اهلية، وغلبة اللون الطائفي عليها. كان النظام يخسر مزيدا من المواقع والأرض، في مطلع ٢٠١٣م استعمل النظام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية والمعضمية في ريف دمشق ودخلت الحالة السورية، ثورة وشعب ونظام منعطف جديد.

  • أسلحة كيماوية، ضربات عسكرية، وطريق مسدود.

كان لاستعمال السلاح الكيماوي في ضرب مناطق الثوار في أوائل  ٢٠١٣م، رغم كون الاتهامات متبادلة بين النظام والثوار عن من الفاعل، لجان التقصي لم تحسم الامر، لكن الاغلب يرشّح أن الفاعل هو النظام السوري، ورغم أن هناك تحذير امريكي للنظام من استخدامه وأنه إن حصل فإن أمريكا ستضرب النظام السوري، الكيماوي ضرب وقتل المئات وأمريكا تدرس فكرة الرد، لكن العقل الامريكي ينتهي الى حل يلغي الضربة بتدمير السلاح الكيماوي السوري كاملا، ويستطيع النظام تجاوز مشكلة استعماله الكيماوي، وغير ذلك سينتقل النظام الى مرحلة العنف وكأنه يخوض حروبا مع جيوش معادية، اصبحت المدن مستباحة للتدمير والناس ضحايا القتل والتهجير، الملايين يهربون نازحين داخل سورية، وملايين اللاجئين خارجها، نصف الشعب السوري مهجّر، الحياة أصبحت جحيم، عدّاد القتلى الشهداء وصل أربعمائة ألف وتوقف منذ سنوات، الجرحى والمصابين والمعاقين مئات الآلاف. لم يعد العالم معني بالجواب عن السؤال هل يسقط النظام السوري؟، بل بسؤال ما عليه ان يفعل لمعالجة المشكلة الانسانية لملايين السوريين، تبتلعهم البحار، تنبذهم الدول، وتدفع بعض المال للاغاثة على مضض. استطاع النظام أن يجعل الاطراف الدولية والاقليمية تقف حياله عاجزة عن اتخاذ موقف نهائي، دخل النظام والأطراف الإقليمية والدولية في لعبة المباحثات الدولية عن حل، جنيف ١ و٢، القرار ٢٢٥٤ وما قبله وما بعده، مباحثات سابقة ولاحقة تُمضي وقتا ولا تنتج جديدا، روسيا تمنع أي قرار ملزم بحق النظام، لقد دخلت القضية السورية في حلقة مغلقة، لقد ظهر ان ما يحصل في سورية اكثر من كارثة انسانية، ظهر وكأنها مقصودة في حد ذاتها، لذلك دخلت القضية السورية في دوامة اللعبة الدولية، إيران وحلفاؤها حاضرين عسكريا وماديا بكل ثقل  مع النظام، الغرب يخاف أن سقط النظام فمن البديل؟. لعبه داعش والقاعدة والنصرة والإرهاب الدولي يخيف الغرب اكثر، دول الخليج العربي، تقدم الدعم العسكري والمالي ليستمر الثوار بالصراع مع النظام مع عجزهم عن حسم المعركة. إن القضية السورية في مطلع عام ٢٠١٤ ظهرت وكأنها في طريق مسدود.

  • من يؤيد الأسد؟.

يحاول الكاتب في هذا الفصل أن يطل على من يقف فعلا  من الشعب السوري مع النظام السوري، بعد هذه السنوات الثلاث حتى بدايات ٢٠١٤م. يظهر الكاتب أن النظام استطاع أن يجذب إليه الكثير من الطائفة العلوية، لقد تمكن الأسد من جذب أغلبهم معه، لقد نجح في إقناعهم بأن المتشددين السنة من الجماعات الجهادية قاعدة ونصرة وداعش يريدون أن يسقطوا النظام و ينتقموا من العلويين الذين دعموه، وأنهم متهمين حتى دينيا عند هذه الجماعات، لذلك كان أغلب العلويين يؤيدون النظام و يرتبطون به في معركة حياة أو موت. كما ظهر ان النظام استطاع أن يقنع الكثير من الأقليات بأنه يحميهم، رغم معرفتنا أن بدايات الثورة كان فيها من كل الفئات المجتمعية الطائفية والدينية، لكن ظهور الجماعات الجهادية وخاصة النصرة وداعش وقبلها القاعدة، جعلتهم يعودون الى حضن النظام، نعم يعتبرونه استبدادي لكنهم إن استكانوا له فحياتهم مصانه، أما داعش والنصرة فقد تستأصلهم دينيا ومجتمعيا، هكذا زُرع في دماغهم. ويؤيد النظام ايضا كثير من الطبقة التجارية والصناعية السورية، التي وجدت أصلا ضمن مناخ تبادل مصالح مع النظام ورموزه وأدواته الاقتصادية، ففي سورية لا يوجد أي اقتصادي مليئ ماليا دون أن يكون جزء من النظام وشبكة مصالحه وعلاقاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى