تعليق على مفهوم “العوربة”

د. مخلص الصيادي

استمعت بانتباه لما طرحه الصحفي نوفل ضو في هذا اللقاء التلفزيوني عبر برنامج وجهة نظر على قناة سبوت شو اللبنانية، والصحفي المذكور يشار إليه باعتباره المدير التنفيذي لمشروع “رؤية العوربة”، واللفظ يعني “العروبة المعولمة”، في إشارة إلى هجر أشكال العروبة السابقة، واعتماد مفهوم جديد للعروبة، يستطلع مكانها ودورها في إطار نظام عالمي جديد، ويستند في هذا المفهوم على ما يقوم به ولي العهد السعودي من خلال رؤية 2030.وفي إطار مشاريع الرؤى الخليجية 2030، لكل من قطر والبحرين والامارات، ومصر والأردن والمغرب، ورؤية الكويت 2035، وسلطنة عمان 2040، وهذا الصحفي يرى أن المنطقة كلها متجهة في هذا الاتجاه، وأن المملكة تقود وتدفع فيه، وفي رايه أن هذا الاتجاه يمثل خشبة الخلاص لجميع دول وكيانات المنطقة بما فيهم إيران وإسرائيل وسوريا والعراق ..الخ.

وسبق لهذا الصحفي أن طره رؤيته للعوربة بتفصيل حين شارك في مؤتمر عن “التسامح والسلام والتنمية” عقد في 17 أكتوبر 2022 في القاهرة بدعوة من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ورئيس المجلس الأعلى للتسامح والسلام وبحضور البطرك الماروني وبطرك الكنيسة القبطية وممثلين عن الازهر وعدد من الوزراء والمختصين العرب، وفي ذلك المؤتمر فصل في طرحه مؤكدا على أن “الحلول الاقتصادية مستحيلة دون الحلول السياسية، والحلول السياسية مستحيلة بمعزل عن التسامح والسلام”. وقدم في كلمته مفهومه العوربة وهو المفهوم نفسه الذي طرحه في البرنامج التلفزيوني المشار اليه، وفيها يقول: ” العوربة رؤية جيوسياسية  تقوم على بلورة مفهوم جديد  للعروبة الحديثة كرابطة حضارية بين دول المنطقة  وشعوبها يلبي المتطلبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للقرن الواحد والعشرين ويكون بديلا عن المفاهيم المتعددة والقومية المتناقضة التي تم اعتمادها لتعريف العروبة خلال القرن الماضي  وعلى بلورة نظام عربي  جماعي جديد يواكب العولمة ويبني معها شراكة متكافئة ، والعوربة هنا ” رؤية لترجمة التعددية الثقافية والفكرية والسياسية لحوار الثقافات والحضارات والأديان والمعتقدات وتفاعلها عبر العالم ولتطوير الدول والمجتمعات  وتحديثها”

وأنا استمع لهذه المقابلة استرجعت على الفور رؤية سبق أن طرحها “د. نبيل خليفة” في كتابه ” استهداف أهل السنة” الصادر في العام 2014، وعرضها في لقاءات تلفزيونية، ورغم أن تفاصيل عديدة قد تختلف بين الطرحين إلا أنهما يجتمعان في افتراض أن المملكة العربية السعودية باتت تملك رؤية وهي مؤهلة لتكون سفينة النجاة للعالم العربي، وهي البديل لتلك العروبة المهزومة، وكذلك هي النقيض لما تمثله إيران ومشروعها، والمخرج لكل ما نعانيه في حياتنا. وفي كتاب خليفة أمور كثيرة متشعبة، لأنه يضم مقالات سابقة بدأت منذ العام 1979 وضمت اليها وثيقة الأزهر الصادرة في العام 2011 حول مستقبل مصر. لكن كل محتويات الكتاب تصب في اتجاه واحد، يقوم على التسليم بهزيمة ما كان والترويج للبديل.

ويلتقي الرجلان ضو وخليفة على إدارة الظهر لكل الفكر والحركة والرؤى القومية السابقة، واسناد المستقبل، مستقبل المنطقة، للملكة العربية السعودية، وإذا كان الدكتور خليفة يجعل “القيمة الدينية” للمملكة هي الأساس لقيامها بهذه الدور، فيتحدث عن ” استهداف أهل السنة”، جاعلا الصراع السني الشيعي وتجلياته هو التعبير الرئيسي عن هذه المرحلة، فإن ضو يجعل من رؤية المملكة ودول مجلس التعاون والدول العربية الأخرى المعنية التي أخذت بمفهوم الرؤى أساسا لما دعاه ب “العوربة”، واعتبر هذه الدول ورؤاها نموذجا للتقدم والاستقرار، مقابل دول عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن والجزائر وتونس، وليبيا، وفلسطين والسودان..

هذا الطرح “خليفة، ضو” ـ وهناك آخرون يغزلون على المنوال نفسه ـ يستدعي منا انتباها واعيا، ورؤية تجمع كل هذه الطروحات في مسار واحد، بل وفي بوتقة واحدة.

أولا: في مثل هذه المفاهيم  نواجه إرادة وتصميم على تجاوز كل طروحات مرحلة “العروبة السابقة”، باعتبار تلك العروبة “مهزومة”، وأنها لم تعبر، ولم تستند إلى أساس حقيقي، إنما اتخذت من ” الدعاية” قاعدة انطلاق لها، ولتهوين الأمر، فإن هذا الطرح يصطنع بيئة مخادعة تغرينا بتقبل مفهوم “هزيمة” العروبة السابقة، وتقبل “العوربة” باعتبارها عروبة المستقبل، ولهذا الاستهداف راح ضو يتحدث عن تخلي الدول الأوربية عن مفاهيمها القديمة، وهو تخل قال إنه ساعد على ولادة الاتحاد الأوربي، وعلى تفكك المنظومة السوفياتية، ويقدم حروب ” تفكك” يوغسلافيا باعتبارها دليل على الكارثة الممكنة لمن يريد أن يتمسك بالرؤى السابقة.

وفي طرحه هذا يقدم “العوربة” باعتبارها “رؤية جيوسياسية  تقوم على بلورة مفهوم جديد  للعروبة الحديثة كرابطة حضارية بين دول المنطقة  وشعوبها يلبي المتطلبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للقرن الواحد والعشرين ويكون بديلا عن المفاهيم المتعددة والقومية المتناقضة التي تم اعتمادها لتعريف العروبة خلال القرن الماضي  وعلى بلورة نظام عربي  جماعي جديد يواكب العولمة ويبني معها شراكة متكافئة”  والعوربة هنا ” رؤية لترجمة التعددية الثقافية والفكرية والسياسية لحوار الثقافات والحضارات والأديان والمعتقدات وتفاعلها عبر العالم ولتطوير الدول والمجتمعات  وتحديثها”.

ثانيا: ومع حديثه عن هزيمة مشروع “العروبة السابقة” يتحدث عن هزيمة المشاريع الأخرى، التركي، الإيراني، الإسرائيلي، ويقدم “العوربة” بديلا لكل “المهزومين”، ويطلب من التسليم بهزيمة كل هذه المشاريع واعتبار العوربة هي البديل الذي سيكتب له النصر.

في طرحه لا يبين لنا مظاهر هزيمة المشاريع الأخرى، ثم كيف هزمت تلك المشاريع، ما هو المشروع التركي الذي هزم، ما هو المشروع الإيراني الذي هزم، ما هو المشروع الإسرائيلي الذي هزم.

لا شك أن لكل دولة مشروعها، لكن هنا نتحدث عن مشاريع توسعية على حساب مشروع “العروبة المهزومة” وهنا نتساءل على وجه التحديد، ما هي مظاهر هزيمة المشروع الإيراني وهو مشروع “امبراطوري طائفي”، وما هي مظاهر هزيمة المشروع الصهيوني وهو مشروع ” استعماري استيطاني وظيفي”.

في عرف ” العروبة السابقة المهزومة”، فإن المشروعين “الإيراني والصهيوني” سيهزمان، ليس باعتبار الوضع الراهن، وإنما باعتبار أنهما يصطدمان بحقائق موضوعية تتعلق بهوية المنطقة وخصائصها الجيوسياسية، ومن هذه الزاوية فإن ما نراه من هزائم راهنة هي مرحلة لا بد أن تمر، لكن في عرف “العوربة” ما هي مظاهر هزيمة المشروعين المشار إليهما.

ثالثا: مهم أن نتعرف على “العوربة”، وهويتها، نحن حين ننظر إلى “العروبة السابقة” فإن هويتها واضحة قائمة على “العروبة والإسلام”، وبالتأكيد يضاف إليهما ما يمكن أن تضيفه ظروف الاندماج التاريخي بين عنصري الهوية.

والرجل في طرحه يريد منا التخلي عن عنصري الهوية، دون أن يقدم لنا البديل.

الجغرافيا السياسية التي يقدمها ليست بديلا، إنها “وعاء تفاعل عناصر الهوية”، وإذا كانت “العولمة” كمفهوم هي في موضع “الصراع والجدل والاختلاف” اليوم، فكيف يمكن أن تكون عنصرا من عناصر تكوين هويتنا.

منذ تحلل / تفكك الاتحاد السوفياتي فإن هناك مسعى أمريكيا حثيثا لجعل العولمة ممثلة لقيم ومفاهيم وتوجه الولايات المتحدة باعتبارها ممثلة للغرب، وباعتبار أن الغرب هو “مركز القيم والمفاهيم” للعالم كله، لكن هذا المسعى ظهر فساده، وظهر عجز الولايات المتحدة عن القيام بأعبائه، ومسؤولياته. وما ظهر في الغزو الغربي لأفغانستان، واحتلال وتفكيك العراق، والتطورات على الساحة الفلسطينية، والعدوان على الربيع العربي، والتواطؤ الدولي بشأن ملف الأزمة السورية، وأخيرا ملف الغزو الروسي لأوكرانيا، كلها وقائع تثبت أن الغرب لا يستطيع أن يكون “مركز العالم”، وأن العمل على التمسك بهذا المفهوم وجعله “قيمة حاكم” يعني أن العالم متجه إلى مزيد من الأزمات والمصائب.

في مطلع تسعينيات القرن الماضي لاحت فرصة لبناء “عولمة” متعددة الأطراف، متنوعة المفاهيم، قادرة على استيعاب ما هو أكثر من المصلحة والرؤية الأمريكية، وصدرت مبادرات، ودراسات وتطلعات ومناشدات لتطوير المنظمات الأممية لتصبح ممثلة لهذه “العولمة الجديدة”، ولإعادة النظر في تركيب مجلس الأمن الدولي، ولتوسيع مفهوم ” الدول المالكة لحق النقض” لتمثل القارات والتكتلات الحضارية المتعددة، لكن ذلك اصطدم بالعتو الأمريكي، والحياء الأوربي، وبالضعف الروسي، وبالسكون الصيني. لكن لأن “العولمة الموضوعية المادية” ممثلة بالتقدم في مجالات التواصل والذكاء وتحديات الصحة والفقر والتلوث، لا يمكن كبح جماحها، وهي بطبيعة الأمور ستفرض متطلباتها، بان العجز الغربي أكثر، خصوصا وأن الحياء، والضعف، والسكون، حالات مؤقتة لا يمكن استمرارها.

رابعا: الدعوة للتخلي عن هوية الأمة واستبدالها بهوية أخرى تتجاوز محددات الهوية المعهودة لنا أو تطويرها بما يتلاءم مع الوضع الراهن في هذه الدولة أو تلك، أو في هذا الحيز أو ذاك، تذكرني بدعوة خرجت منذ وقت ليس ببعيد بتغريدة على تويتر دعا فيها الدكتور عبد الخالق عبد الله لتطوير أو تغيير هوية البلاد “دولة الامارات العربية المتحدة “، بما يتلاءم مع التطورات الجارية في مجتمع الإمارات، مع العلم أن دستور دولة الامارات واضح في تحديد هوية الدولة والمجتمع، ويبدو أن هذه التغريدة لم تلق استجابة فتم تجاوزها سريعا.

وبالتأكيد لم تكن تلك الدعوة شطحة قلم، أو مجرد خاطرة، لذلك لا يجوز النظر إليها باستخفاف.

إن “هوية الأمة “تمثل ردءاً يقي المجتمع في أوقات الخطر ويحصنه من غوائل الزمن، ويشد بعضها إلى بعض لتتماسك في مواجهة التحديات، من أجل ذلك فهي لا تقوم على مظاهر عارضة، أو وقتية، وإنما على أسس عميقة في وجودها، وتاريخها، ومحيطها، ومن أجل ذلك فإن هوية الأمة هي الهدف الأول لسهام كل عدو. ومن أجل ذلك أيضا فإن الدفاع عن هوية الأمة وحمايتها وتعزيزها، هو أول مظاهر الالتزام بها.

خامسا: من غريب هذا الطرح “العوربة” أنه من أجل دعم الرؤية التي يطرحها يتعامى عن دروس الحاضر القريب والراهن.  إن دروس الحاضر القريب والراهن تؤكد فشل “العولمة” كما يريدها الغرب، لكن بالمقابل تؤكد هذه الدروس أن أي محاولة لطمس الهوية الخاصة بالشعوب والأمم محاولة بائسة لا فرص لها في الحياة.

حينما تحلل/ تفكك الاتحاد السوفياتي، فإنه لم يتحلل على قاعدة “الجغرافيا السياسية”، وإنما على قاعدة “الهوية القومية”، هوية الأمة، لقد عادت الدول التي دمجت لتكون الاتحاد السوفياتي الى سابق عهدها، وكأن ثمانية عقود من الحكم الموحد، لم تستطع أن تصنع شيئا ذا قيمة في ميزان هوية الأمة، الأمر نفسه جرى في يوغسلافيا السابقة، عادت “الهوية” لتنتصر على ما سواها، وعادت ” الجغرافيا السياسية” لتفعل فعلها في إطار “هوية الأمة”،

والذي يحلل دوافع الغزو الروسي لأوكرانيا، والحرب “الروسية ـ الأوكرانية” سيكتشف دور الهوية في هذا الصراع، وسيكتشف أيضا أثر تمسك الغرب بمفهومه “للعولمة” في إطالة أمد هذه الحرب، وفي عدم جدية البحث عن حلول لها.

سادسا: مهم جدا أن تلتقي النظم العربية على رؤية موحدة لمعالجة القضايا التي تعترض مسيرة هذه الدول بالتالي تعترض مسيرة الأمة، وتستطيع المملكة العربية السعودية، ومجموع دول الخليج أن تقوم بدور بارز ومهم في بناء نظام قوي في المنطقة، وتستطيع أن تتحمل أعباء إقامة مثل هذا النظام، لكن هذا لا يتحقق من خلال تمييع مفهوم الهوية الوطنية والقومية، وإنما من خلال تعزيز هذا المفهوم، أي من خلال الاتجاه عكس الدعوة المطروحة.

إن في الطرح تشويه لمفهوم هوية الأمة من أجل تمرير مفهوم “العوربة”، إذ ليس من مفهوم هوية الأمة أن لا تكون هناك هويات أدنى، أو أن تكون مجتمعات الأمة وكأنها بلون واحد أو شكل واحد، أو نكهة وأحدة، هذا تصور اخترعه أعداء الأمة أو جهلاؤها، داخل لغة الأمة الواحدة يمكن أن تكون هناك لغات وهذا طبيعي، وداخل دين الأمة، يمكن أن تكون هناك أديان أخرى، وهذا في عرف الإسلام طبيعي ومصان، وهوية الأمة لا تفرض أبدا أن يكون اجتماعها على نحو معين، ولا بطريقة نموذجية لا يمكن الخروج عليها، ولا أن يحكمها نظام سياسي واحد يتبعه الجميع، هذه كلها افتراضات لا أساس لها من الصحة.

لكن أيضا ليست القوة ما يجمع الأمة في نظام واحد، وليس المال وهو أحد اشكال القوة، ما يستطيع أن يجمع الأمة، فالقوة والثروة، عارضان يمكن أن يتغيرا، ويمكن أن ينافس عليهما آخرون.

قاعدة اجتماع الأمة: هويتها، وقاعدة قيام دولتها: العدل والحرية والمواطنة، وقاعدة القدرة على تحمل مسؤوليات وثقل وتكاليف هذه الدولة: توفر الشروط الموضوعية بناء دولة الأمة، أي اتساقها مع قوانين البناء الوحدوي. واتساقا مع هذه القاعدة كان مهماً ولا زال أن يضم مجلس التعاون المجتمع والدولة اليمنية، واتساقا مع هذه القاعدة كان مهماً ولا يزال أن تقوم مصر بدورها المركزي في بناء دولة الأمة.

ولعل من المهم أن نشير هنا إلى أن المملكة التي تتحمل الدور المركزي في منظومة دول مجلس التعاون لم تقدم نفسها كحامل لمشروع قومي للعروبة، كذلك لم تتقدم مصر منذ غياب مشروع “جمال عبد الناصر” لتحمل مسؤوليتها القومية وفق تصور محدد واضح المعالم، يغطي كامل هذه المسؤولية.

سابعا: معالجة أزماتنا، من التهديد الصهيوني والإيراني، إلى فظائع نظم الاستبداد والطائفية والفساد والقتل في بلداننا، إلى الأزمات الخانقة التي تعيشها مجتمعاتنا لا تكون من خلال دعوة “هؤلاء” إلى التقدم للانخراط في طريق الخلاص ممثلا “بالعوربة” وإنما من خلال معالجة هذه الملفات والأزمات معالجة حقيقة، تزول من خلالها عوامل ولادة هذه الأزمات، ومخلفاتها أيضا.

كيف ندعو الكيان الصهيوني للاندماج في هذه المنطقة وهو يقوم على فكرة” الاستعمار الاستيطاني” وفلسطين والقدس تحت الاحتلال، كيف ندعو إيران إلى الانخراط بالمنطقة وبنظامها المتصور، وهي تعيث فسادا في بلداننا، وتخرب بنشاطها ودعواتها الطائفية العنصرية البنية الاجتماعية لهذه البلدان، هل يظن أحد أنه من الممكن لإيران أن تتخلى عن  برنامجها النووي، وتوقف تدخلاتها الطائفية والعنصرية التي تعيث فسادا وتخريبا في دواخل مجتمعاتنا، كيف يمكن تجاوز ما فعله ويفعله نظام بشار الأسد بالشعب السوري، واعتبار أنه مؤهل للانخراط في مثل هذه “العوربة”!.

هل يمكن أن يقوم مشروع نهوض ل”للعرب، والإيرانيين، والإسرائيليين” على صعيد واحد لبناء مستقبل للمنطقة، وللمساهمة في عولمة جديدة!

سؤال فيه الكثير من التذاكي والخبث أيضا، لأن هوية الإسرائيليين واضحة ومعرفة وكذلك مشروعهم، وهوية الإيرانيين واضحة ومعرفة وكذلك مشروعهم، وفي هذا الطرح فقط العرب مطلوب منهم تغيير الهوية، نحت هوية جديدة، وطبيعة جديدة، بل وأفق ورؤية جديد للذات، والعدو، والصديق، والهدف.

ثامنا: والمسألة الأخيرة التي نقف عندها تختص بالمصطلح نفسه، أي “العوربة”، وهو مصطلح منحوت من لفظتي “العولمة والعروبة”، وهذا نحت غير موفق لأنه كما عرضنا، فإن العولمة غير محددة، بل هي في هذه المرحلة محل خلاف، وهناك جهود لتجاوز المفهوم الغربي لها، ولتوليد مفهوم جديد يتضمن مصالح وقيم قوى ومجتمعات عديدة في العالم، أما العروبة فصاحب هذا الطرح يدعونا إلى تجاوز “العروبة القديم”، وهي عروبة واضحة ومحددة، لكنه يفشل في تقديم مفهوم جديد للعروبة، أي أن جانبي المصطلح الجديد باتا غامضين وغير محددين، وبالتالي فإن النحت من غامضين لا يولد مفهوما أو مصطلحا واضحا، يمكن إدراك معناه.

هذه الدعوة ل “العوربة” وأمثالها كثير مثل الدعوة الابراهيمية، والدعوة لتنقية الدين، ونقض المعرفة التاريخية بشأن القدس والإسراء والأنبياء، والهجوم على رموز الأمة وأعلامها وتشويه حركة الفتوح الاسلامية، والتشويه لتاريخ هذه الأمة، كلها تندرج في سياق واحد، وكلها يستهدف استغلال حالة الضعف والهوان والتمزق التي تمر بها في المرحلة في محاولة للفت في عضدها ولإجهاض ومنع أي فرصة تلوح أمامها للنهوض مجددا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى