ليست وحدة الجبهات التي تجدد تكريسها من قبل محور المقاومة، مقتصرة على الجانب العسكري، وهي لا تبدو حكراً على قوى المقاومة فقط. إذ تقابلها وحدة جبهات أخرى، على الضفة الثانية للمحور المضاد إقليمياً ودولياً. تتظهر “الوحدتان” بالإنطلاق من سياق دولي أوسع. أوله، التوتر السعودي الأميركي. ثانيه، الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية. ثالثه الجنون الإسرائيلي الذي يؤدي إلى تخبط حكومة الكيان بجملة أزمات، الإنقسامات الداخلية، توالي عمليات المقاومة الفلسطينية، ردات الفعل على الإعتداءت على المسجد الأقصى. رابعه، على وقع الإتفاق السعودي الإيراني يبرز تصعيد إسرائيلي أميركي في المنطقة، سواء في فلسطين من قبل الإسرائيليين، أو في سوريا من قبل الأميركيين إما عبر ضربات استهدفت مواقع إيرانية، أو من خلال ارسال الغواصة النووية إلى الشرق الأوسط كردّ على هجمات الإيرانيين. سادسه، أنه بالتزامن مع “الإنفتاح” العربي الجزئي على دمشق، برز التشدد الأوروبي الأميركي في فرض عقوبات على النظام السوري.
لبنان ووحدة الجبهات
يبقى لبنان قلب وحدة الجبهات لكلا الطرفين، فحزب الله نجح في تثبيت معادلته وخصوصاً بعد عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة. بينما في المقابل، تأتي وحدة الجبهات الغربية مثلاً متماسكة بمعيار العقوبات التي تفرض تباعاً، لا سيما ما فرض منها على تجار المخدرات بين لبنان وسوريا كما جرى مع حسن دقو ونوح زعيتر، أو عقوبات على خلفية التورط بملفات فساد وخصوصاً لجهات لديها علاقات مع النظام السوري أو مع شخصيات سياسية قريبة من دمشق، بالإضافة إلى العقوبات المتوالية التي تفرضها الإدارة الأميركية على محسوبين ومقربين من حزب الله.
خلاف المصالح والأدوار
وعليه، فإن الصورة يمكن أن تصبح على درجة من الوضوح بفعل هذا التقسيم. بينما في المقابل، فإن المسار السعودي الإيراني لا يزال يسلك طريقه ويحقق خطوات إيجابية في اليمن بالتحديد، ولا بد لذلك أن ينسحب على ملفات المنطقة لاحقاً لاسيما، العراق، سوريا ولبنان. هنا لا يمكن إغفال إمكانية اللجوء إلى تخريب هذا الإتفاق أكثر في المرحلة المقبلة. لأن جهات كثيرة يمكن أن تتضرر، فالأميركيون كانوا يريدون أن يبقوا هم عرابي أي اتفاق أو تصعيد ومواجهة. بدورها فرنسا، والتي كسرت القطيعة بينها وبين إيران في الصين أيضاً من خلال لقاء وزيري خارجية البلدين، لطالما كانت تطمح لأن تلعب دور الوسيط بين الجانبين، مع الإشارة إلى خلاف فرنسي مع ايران على خلفية وقوف طهران إلى جانب موسكو في حربها على أوكرانيا أو على خلفية الموقف الفرنسي من الإحتجاجات في الداخل الإيراني. كذلك فإن فرنسا على خلاف مع السعودية حول الملف اللبناني بالتحديد بفعل التطورات الأخيرة التي أصبحت معروفة. الولايات المتحدة الأميركية أيضاً على خلاف مع إيران بسبب انسداد المفاوضات النووية، والدخول الإيراني إلى جانب روسيا، كما أن الخلاف قائم بين الأميركيين والسعوديين على ملفات عديدة ليست فقط مرتبطة بتخفيض الرياض للإنتاج النفطي.
تصعيد في مواجهة الإتفاق
ما إن أعلن عن الإتفاق السعودي الإيراني، حتى برز تصعيد أميركي إسرائيلي ضد أهداف إيرانية في سوريا. وصل الأمر إلى حدود الإشتباك المباشر بين الإيرانيين والأميركيين في شمال شرق سوريا. في الموازاة، برزت محاولات عديدة لترتيب علاقات النظام السوري مع السعودية، وهذ نتيجة مساع وضغوط كبيرة قامت بها طهران وموسكو وصلت إلى حدود المطالبة بتوجيه دعوة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى حضور القمة العربية في الرياض. جاء الرد الأميركي الأوروبي سريعاً من خلال فرض المزيد من العقوبات على دمشق، كإشارة رافضة لذلك وفي محاولة لقطع الطريق.
وفي مقابل اندفاع جهات عربية للإنفتاح على دمشق، تبرز وجهات نظر أخرى تشير إلى أن هذا الإنفتاح يرتبط بدفتر شروط قاسية، لن يكون من السهل على النظام أو على إيران تقديمها، هنا يحاول البعض الإستناد إلى مسار المفاوضات اليمنية التي أصبحت قريبة من الوصول إلى اتفاق سياسي، ولكن تختلف التقديرات بشأنه، فالبعض يعتبر أن ما يتحقق يصب في المصلحة الإستراتيجية للسعودية، فيما البعض الآخر يرى أن ما سيتحقق سيؤدي إلى تأمين ربح سياسي ومالي صرف للحوثيين. ويطالب هؤلاء بضرورة قراءة تفاصيل الإتفاق اليمني والإعتبار من نتائجه وكيفية انعكاسها على الواقعين السوري واللبناني.
ربط الملفات ومسار العقوبات
يؤدي ما ذُكر إلى ربط ملفي لبنان وسوريا ببعضهما البعض عبر أكثر من ملف، فخليجياً الشروط واضحة على الجانبين. أما إيرانياً فلا يمكن فصل الملفين عن بعضهما البعض طالما أن عناصر وحدة الجبهات مكتملة، ونظراً لنفوذ وقوة حزب الله على الساحتين. أما أميركياً وأوروبياً، فإن التقارير تشير إلى الإرتباط الوثيق بين الأزمتين اللبنانية والسورية بكل انعكاساتهما السياسية والأمنية بما فيها تهريب المخدرات، والمالية خصوصاً ان التقارير الدولية لطالما تحدثت عن أن الإقتصاد اللبناني مقسم على بلدين لبنان وسوريا.
لذلك، لا بد لبنانياً من التمعن الجدي في قراءة مسار العقوبات المفتوح والذي، على ما يبدو، سيستمر، على وقع فضائح هائلة يصاب بها كبار المسؤولين اللبنانيين مالياً أو سياسياً، نظراً للإرتباط الوثيق بين الجانبين. قراءة مؤشرات العقوبات المالية الأخيرة تشير إلى أبعاد مختلفة وذات مدى بعيد، سيقود إلى كشف الكثير من الفضائح، فيما يحتوي على العديد من الرسائل والإشارات السياسية التي سيكون لها وقع على أي مسار سياسي جديد، أو تسوية مقبلة.
المصدر: المدن