في عام 2017 انتشرت على شبكة الإنترنت لقطات مصورة تظهر رجلاً يُضرب بمطرقة وتُقطع يداه ورأسه بمجرفة قبل تعليقه من ساقيه وإضرام النار في جثته. وكان ذلك المعدم مواطناً سورياً يدعى محمد طه إسماعيل، كما تمكن الصحفيون من تحديد أسماء الرجال الجناة وهم أفراد من مجموعة فاغنر يدعون جاهونجير ميرازوروف لقبه “بامير”، فلاديسلاف أبوستول لقبه “وولف” (ذئب)، ميخائيل ماشاروف لقبه “مور”، فلاديمير كيتايف لقبه “صيني”، فلاديسلاف بانتشوك لقبه “روجر”، أوليغ كونغين لقبه “كونغ”، إيغوركريجانوفسكي لقبه “ريكوشيت”، وقائدهم يدعى نيكولاي بودكو وهو لم يحاسب على تلك الجريمة بل استمر في قيادة مفرزة الهجوم وأداء مهام في سوريا وإفريقيا رغم أن شقيق القتيل السوري توجه إلى لجنة التحقيق الروسية مطالباً بإيحالة الجناة إلى العدالة. بات ذلك الحادث المأساوي دليلاً على الموقف الحقيقي لروسيا تجاه سوريا.
رد مؤسس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوزين، على الانتقادات الموجهة بشأن وجود مرتزقته في سوريا بصورة منتظمة قائلاً:، “تشكل سوريا جزءاً صغيراً للغاية مما نفعل اليوم في شتى أنحاء العالم. وإن عظمة روسيا العظمى تكمن في واجبها لوضع الأمور في نصابها ليس داخلها فحسب بل خارجها أيضاً”.
ويبدو أنه قصد بوضع الأمور في نصابها العنف والتعسف الذي يمارسه مرتزقته أينما وجدوا وسوريا مثال على جرائمهم التي يرتكبونها منذ سنوات عديدة. يستفيد بوتين من اعتماد بشار الأسد على المساعدات الروسية للحفاظ على سلطته السياسية، ولذا يتمتع مقاتلو مجموعة فاغنر بحرية كاملة في سوريا يتنمرون على الناس ويقتلون المدنيين دون حسيب أو رقيب. تعيث روسيا الدمار والفوضى أياً كان البلد الذي تدخلت فيه مستغلة أراضيه لأغراضها الخاصة. دمرت روسيا في عام 2016 بالقصف المكثف مدينة حلب بالكامل تقريباً وهي أقدم مدينة في العالم ذات هندسة معمارية فريدة من نوعها. لقد بسط بوتين نفوذ روسيا في سوريا ونشر المرتزقة الروس المسلحين، وهو أوهم بمساعدة الشعب السوري، وذلك مع الحفاظ الشكلي على سلطة بشار الأسد.
في الوقت الحالي، يحدق بسوريا خطر جديد يكمن في زيادة عدد مرتزقة فاغنر على أراضيها إذ تم حشد ما يقرب من 50 ألف سجين روسي في مجموعة فاغنر من بينهم المدانون بجرائم خطيرة وهي: القتل الاغتصاب الاعتداء الجنسي على الأطفال وأكل لحوم البشر. ولقد تم العفو الرئاسي عن أكثر من 5 آلاف منهم. وفي غضون ستة أشهر مقبلة قد يتجاوز عدد السجناء المعفو عنهم 20 ألف شخص. وبعد الإفراج عنهم سيكون من غير المرجح أن يسمح بوتين لهم بالبقاء في روسيا منعاً لزيادة الجرائم بل سيرسلهم إلى أوروبا عن طريق سوريا وتركيا كدولتي عبور.
لم يكن اختيار هذين البلدين عرضياً؛ ففي تركيا، مثلاً، يقيم بصورة قانونية مرتزق معفو عنه من مرتزقة فاغنر يدعى تيورين، محكوم عليه بالسجن لمدة 23 عاماً ومتهم بأنه استأجر قاتلاً مأجوراً لاغتيال 4 أشخاص، بما في ذلك امرأة حامل، في عام 2005. إن تركيا التي أضعفتها الزلازال إلى جانب سوريا الموالية لروسيا سياسياً دولتان مثاليتان بالنسبة لروسيا يمكن من خلالهما نقل المجرمين الروس إلى أوروبا لزعزعة استقرارها. وليس من الصعب التكهن بزيادة حادة في جرائم السرقة والعنف فور وصول الدفعة الأولى من أولئك المجرمين الروس المعفو عنهم إلى سوريا وتركيا، الأمر الذي سيصب الزيت على النار في هذين البلدين اللذين يعانيان من المشاكل العديدة.
ارتكب مرتزقة مجموعة فاغنر جرائم كثيرة بحق السكان المدنيين في البلدان التي مكثوا فيها بغرض كسب الأموال. ولكن تجنيد فاغنر مجرمين لا يرون نمط حياة آخر غير ارتكاب الجرائم يعرض السكان المدنيين للمخاطر. لقد أثبتت خبرة بلدان عديدة أنه لا مفر من دفع ثمن باهظ للغاية مقابل التعاون مع روسيا ومساعداتها الوهمية. وفي حالة سوريا سيكون الثمن هو أرواح ورفاهية السوريين الذين يستغل بوتين أراضيهم لطموحاته الشخصية. وإذا وضع المجرمون الروس أقدامهم على أراضي الشعب السوري فسيجلبون ما يخطط له بوتين لأوروبا من الفوضى والعنف.
المصدر: سيرج بوكوتش ، الخبير المستقل.