تشهد مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سورية، استمراراً لمظاهر الفوضى الأمنية، من دون أن تنفع الإجراءات التي اتخذها الجيش التركي في الوصول إلى حالة الاستقرار، رغم تصريحات المسؤولين الأتراك وأبرزها ما قاله وزير الدفاع التركي خلوصي آكار قبل أيام إن بلاده تبذل ما بوسعها لتثبيت الاستقرار في إدلب، وتعمل على تأمين وقف إطلاق نار دائم في المحافظة.
لكن آخر تلك المظاهر، يشير إلى صعوبة تواجه تركيا في تأمين استقرار دائم أو نسبي، وضمان آلية واضحة لفتح الطرقات الدولية وتفعيلها مجدداً، حيث استهدفت مجموعات مسلحة مجهولة الهوية، رتلاً عسكرياً تركياً، كان بمهمة استكشافية لاستطلاع الطريق الدولي قبيل انطلاق الدورية المشتركة القوات الروسية – التركية.
وقالت مصادر محلية لـ «القدس العربي» إن انفجاراً عنيفاً دوى في محيط الطريق الدولي حلب – اللاذقية «إم 4»، نجم عن استهداف رتل عسكري تركي وآليات ترافقها تابعة لفصائل المعارضة وذلك بعبوات ناسفة بالقرب من منطقة الغسانية في ريف جسر الشغور. وحسب المرصد السوري، فقد أسفر الانفجار عن إصابة مجند وضابط من القوات التركية، أحدهما جراحه خطرة، جرى نقلهما عبر حوامات تركية إلى المشافي التركية في منطقة الريحانية.
كما أكدت مصادر عسكرية من الجبهة الوطنية للتحرير، لـ»القدس العربي» إن من بين المصابين جنديين تركيين احدهما أصيب ببتر إضافة إلى ثلاثة من عناصر الجبهة الوطنية، وذلك على طريق «ام 4» في محيط مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، وسط تحليق للمقاتلات الروسية.
وحسب المصدر فإن «طائرات مروحية تركية اجتازت الحدود السورية من الريف الغربي لإدلب من أجل نقل الجرحى إلى المشافي التركية، ثم تقرر إلغاء أعمال الدورية المشتركة الأربعاء. وتداولت حسابات عبر تطبيق «واتس آب» مقطعاً مصوّراً بطائرة استطلاع صغيرة يوضح لحظات التفجير.
ومثل هذه العمليات باتت تتكرر شمال غربي سوريا، وتركز على النوعية على خلاف العمليات السابقة التي كانت تركز على الكمية، وهو ما قد يدفع تركيا إلى إعادة تقييم مستوى التدخل الأمني والعسكري في المنطقة، لا سما ان تركيا وروسيا تواصلان تعزيز قواتهما في ادلب، حيث نشرت روسيا قناصين لمجموعة فاغنر، فيما عززت تركيا نقاط المراقبة ومواقع انتشارها ووجودها العسكري وأدخلت أسلحة جديدة نوعية، وهو ما يشير إلى عودة التوترات بين الطرفين على خلفية الملف الليبي.
وحسب وكالة الاناضول التركية فإن الجيش التركي يواصل جهوده لترسيخ الأمن والاستقرار شمالي سوريا، مستعيناً في ذلك برادارات وأسلحة محلية الصنع.
ووفقاً للصدر فإن الجيش التركي، عزز نقاطه العسكرية في مناطق «نبع السلام»، بأجهزة رادار محلية الصنع، لمنع تسلل عناصر تنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب التركية، كما يستعين الجيش التركي في توفير الأمن بالمنطقة، بأسلحة قنص محلية الصنع، فضلاً عن عربات مدرعة.
مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري محمد نذير سالم اعتبر انه من الصعب جداً تحديد المسؤول عن استهداف الدورية التركية، الأربعاء، بدون معلومات وتحقيق، ولكنه وبنظرة أولية وبناء على قاعدة من المستفيد من الجريمة التي يتبعها المحققون، وضع عدة الاحتمالات، أولها، وربما أرجحها أن التفجير من تدبير الروس، وبشكل غير مباشر من خلال أعمالهم الأمنية واختراقاتهم الاستخباراتية للعديد من الجماعات المتطرفة. ويريد الروس حسب المتحدث لـ»القدس العربي»، أن يرسلوا تحذيرات عقابية للأتراك على انخراطهم في الملف الليبي بعد التقدم الذي حققته حكومة الوفاق، وأن ذلك يمكن أن يؤثر على التوافق في إدلب، وهذا يشابه ما حدث سابقاً بعد إسقاط الطائرة الروسية، حيث ازدادت فجأة العمليات الإرهابية في الداخل التركي من قبل تنظيمات متطرفة متنوعة، ولم تهدأ تلك العمليات إلا بعد أن تحسنت العلاقات التركية الروسية.
وعن احتمالات أخرى يقول سالم إن المنطقة التي تم استهداف الجيش التركي فيها تحوي بعض الجماعات الصغيرة التي تنظر بعين الريبة للتدخل التركي، خاصة بعد تسيير الدوريات التركية الروسية المشتركة، وربما بالتالي قد تقوم ببعض الأعمال الاستفزازية بين فترة وأخرى ضد القوات التركية، لكن ذلك يبقى مجرد تكهنات وتحليلات لا تغني عن التحقيقات المعمقة.
وأجرت تركيا جملة من الترتيبات العسكرية تحضيراً لمرحلة قد تكون قريبة مع وجود مؤشرات على عودة المعارك والمواجهات إلى محافظة إدلب.
ويقول في هذا الصدد الباحث السياسي فراس فحام إن الجيش التركي أنهى قبل أكثر من أسبوع تدريب قرابة 5000 مقاتل من عناصر الجيش الوطني المدعوم من أنقرة، استعداداً لدور أساسي في أي مواجهات قد تندلع مع قوات النظام المدعومة روسياً، وتضمنت التدريبات استخدام أسلحة متطورة مضادة للمدرعات والطائرات.
وبيّن المتحدث لـ «القدس العربي»، أن هؤلاء المقاتلين سيرتبطون بشكل مباشر مع قواعد القيادة التركية في المنطقة، وذلك من أجل تسهيل عملية التنسيق والتحرك الميداني عند الحاجة، لافتاً إلى أن الجيش التركي عزز خلال الأسبوعين الماضيين مواقعه في قاعدة أنشأها سابقاً في بلدة «معترم» شمال مدينة أريحا، كما أسس نقطة عسكرية جديدة في تل النبي أيوب أعلى قمة في «جبل الزاوية»، ودعم نقاطه العسكرية قرب بلدة «البارة» في جبل الزاوية، وأيضاً في بلدتي «بداما» و «الغسانية» في ريف جسر الشغور.
المصدر: «القدس العربي»