في آذار/مارس 2011، وبعد مرحلة طويلة من الاستبداد والفساد والإجرام بحق الشعب السوري والمجازر التي ارتكبها النظام الطائفي، وبعد مهزلة التوريث واللعب بالدستور وبمصير البلاد بترئيس شخص مؤهله الوحيد أنه إبن الرئيس المجرم السابق، وبعد مرحلة من ربيع دمشق التي استمرت لعشر سنوات من انطلاق المنتديات التي طالبت بالحوار وبالدولة الديمقراطية وتداول السلطة وما تخللها من اعتقالات ومحاكمات صورية، انطلقت مظاهرات حاشدة في كافة المدن السورية انطلاقًا من مدينة درعا الباسلة تطالب بالحرية والعدالة والكرامة المفقودة، في بلد تحكمت فيها عائلة واحدة مع أذناب واستطالات هنا وهناك، عائلة اعتبرت البلد مزرعة لها والشعب عبيد في هذه المزرعة وتصرفت في كل الأمور من هذا المنطلق.
ماجرى في ربيع دمشق وماجرى في بعض الأقطار العربية ابتداءً من تونس فمصر فليبيا وبعض الدول الخليجية كالبحرين وعمان والتي اجهضت سريعًا بفعل السعودية، كان حافزًا للانطلاق في تظاهرات سورية والتي كان النظام يتباهى بأنه محصن ضد مايجري في بعض أقطار الوطن العربي وفوجئ بانطلاق المظاهرات/ الثورة.
منذ اليوم الأول ومن أول مظاهرة انطلقت في درعا يوم الجمعة 18 آذار/مارس 2011، تصدت القوة القمعية للنظام بالرصاص الحي للمتظاهرين فقتلت من قتلت وجرحت واعتقلت العديد من المتظاهرين، إلا أن ذلك لم يمنع من انطلاق الثورة في جميع المحافظات، وتصدت قوات النظام بالقتل لكل المظاهرات التي انطلقت في أرجاء سورية وامتلأت المعتقلات، وكل ما زاد القتل ازدادت المظاهرات توسعًا واندفاعًا وقام النظام عندها ببعض الإجراءات الصورية لتوهم العالم بأنه يستجيب لمطالب الشعب، فألغى محكمة أمن الدولة بتخطيط جهنمي ليخرج من السجون كل المتطرفين الإسلاميين الذين حاربوا في أفغانستان والعراق وغيرها ليضع مكانهم المتظاهرين السلميين، وليفتح أفقًا جديدًا أمام هؤلاء المتطرفين ليطيفوا الثورة وليشكلوا عصاباتهم المسلحة التي وبحجة الدفاع عن المدنيين السلميين قتلوا المدنيين وأجهضوا الثورة السلمية ليظهر السلاح بوجه السلاح في مشهد غير متكافئ بين قوة النظام التي يبنيها منذ خمسين عامًا بكافة صنوف الأسلحة وقوة هذه الشراذم التي كانت غايتها الاستحواذ على ما يستطيعون من الآرض والمال والسلطة في أي بقعة يحصلون عليها.
اتبع النظام سياسة خبيثة، فبينما كان يقتل ويأسر ويدمر بعنف كل المناطق التي تخرج منها المظاهرات السلمية، كان يتراجع أمام المجموعات المسلحة ويخلي لها المدن والقرى لتقوم هي بمهامه من محاصرة الناس وقتلهم وتجويعهم، وبينما ألغى محكمة أمن الدولة شكل محكمة أسماها محكمة الإرهاب التي قامت بنفس الدور الذي كانت تمارسه محكمة أمن الدولة ولكنها في هذه المرة كانت أغلب القضايا عندها للمتظاهرين السلميين وداعميهم من المثقفين الوطنيين التي صادرت أموالهم وأموال عائلاتهم دون حسيب أو رقيب فغالبية المحالين عليها إما خارج البلاد أو في المعتقلات، ولم تكفه ثروات البلاد التي نهبها على مدى حكمه الطويل، فأصبح يتصرف بالأموال المصادرة تصرف المالك، كل ذلك يجري أمام أعين وتحت بصر عالم غربي يدعي أنه العالم الحر والمدافع عن الحرية، وأمام بصر حكومات عربية ليس فيها حكومة واحدة حرة بقراراتها أو جاءت برغبة شعبها ورضاه ولاتشبه إلا حكومة النظام، لذلك هرعت في أول فرصة سنحت لها لإعادة تعويم النظام ودعمه وإعادة العلاقات معه. لم نر من العالم الحر إلا القرارات الباهتة والخطوط الحمراء التي تحولت إلى خضراء بفعل صفقات واتفاقات تجري كلها بمعزل عن شعبنا وضد إرادته ومصالحة، حتى الأمم المتحدة المنوط بها تحقيق العدالة والسلم تراها والغة في الفساد ومشاركة النظام ودعمه بكافة الأشكال، لذلك سميت ثورتنا الثورة اليتيمة، ومن اليتم تخلق المعجزات، فمهما حاولت قوى الظلم والطغيان ومهما طال بقاؤها فالنظام زائل مع كل أشكال حكومات الأمر الواقع المنتشرة في المناطق خارج سيطرته، وإرادة شعبنا ستنتصر مهما طال الزمن.
المصدر: إشراق