نجحت الجهود الروسية أخيراً بفتح الطريق الدولي “إم 4” (الحسكة – اللاذقية)، جزئياً، من بلدة تل تمر في ريف الحسكة إلى منبج في ريف حلب، وذلك اعتباراً من أول من أمس الإثنين، بعد تنسيقٍ مع تركيا، ليتجدد التواصل بين مناطق عدة من شرق سورية وشمالها بعد أشهر من إغلاق الطريق، إثر العملية العسكرية التركية الأخيرة “نبع السلام” ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وكانت هذه العملية قد أفضت إلى وصول فصائل “الجيش الوطني” (فصائل المعارضة السورية) المدعومة من تركيا إلى حدود هذا الطريق في بعض المناطق، ما أدى إلى إغلاقه في الاتجاهين. وفيما تهدف موسكو من خلال هذه الخطوة، إلى ربط المناطق الخاضعة للنظام السوري ببعضها، لا يُستبعد أن يستفيد النظام من فتح هذا الطريق الدولي، للتخفيف من آثار العقوبات التي سيفرضها عليه “قانون قيصر” الأميركي.
ويمتد طريق “إم 4” من الحدود العراقية انطلاقاً من بلدة اليعربية، مروراً بمدن القامشلي والحسكة وتل تمر، ومنها إلى عين عيسى شمالي الرقة، ومن ثم منبج شرقي حلب، ثم إلى مدينة حلب نفسها، ومنها إلى مدينة سراقب شرق إدلب، بعد أن يلتقي مع طريق “إم 5” الدولي (دمشق – حلب) في المناطق الجنوبية لمدينة حلب، ليصل بعد ذلك إلى اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط. وأقيم هذا الطريق في العام 1950، وأصبح في العام 1980 صلة الربط بين كل من تركيا والعراق وسورية مع سواحل البحر المتوسط.
وقد سعت تركيا وفصائل المعارضة خلال المعارك الأخيرة للوصول إلى هذا الطريق في مناطق شرقي البلاد، كونه يؤمن لها الإشراف على أهم طرق المواصلات التي تصل المناطق الكردية في الشمال السوري، وبالتالي تقطيع أوصالها. وتسكن غالبية الأكراد في المدن المحاذية للحدود التركية، وهي المالكية، رميلان، معبدة، الجوادية، جل آغا، القحطانية، القامشلي، عامودا، الدرباسية، رأس العين، تل أبيض وعين العرب، وكلها تقع شمالي طريق “إم 4″، والذي يتفرع منه مقابل كل مدينة أو بلدة كردية طريق فرعي إليها. لذا فالسيطرة على الطريق من جانب تركيا وفصائل المعارضة، يتيح لها التحكم بالطرق إلى المدن الكردية، ووضع هذه المدن تحت الحصار. كما أن هذه السيطرة تحرم النظام السوري من شريان حيوي يصل مناطق الجزيرة بحلب، وتتيح لتركيا ورقة ثمينة للتفاوض على ملفات أخرى، ومنها إدلب.
وتنتشر قوات النظام السوري انطلاقاً من بلدة تل تمر وصولاً إلى منطقة العالية بريف الحسكة الشمالي الغربي، على امتداد الطريق الدولي “إم 4” من ضفته الجنوبية، مع مسلحين من “قسد”، بينما تنتشر فصائل المعارضة على أطراف الطريق الشمالية.
وبموجب التفاهمات الأخيرة بين الجانبين الروسي والتركي، والتي أفضت إلى إعادة فتح الطريق، دخلت عشرات المدرعات الروسية، برفقة حوامات، صباح الإثنين الماضي عبر طريق “إم 4″، ورافقت حركة المرور من تل تمر نحو عين عيسى، في إيذانٍ بفتح الطريق جزئياً من بلدة تل تمر (ريف الحسكة) إلى مدينة منبج في ريف محافظة حلب أمام حركة المواطنين والتجارة.
وبحسب الرئيس المشترك لناحية تل تمر بريف الحسكة، محمد خلو، فإن القوات الروسية نسّقت مع الجيش التركي، وجرى الاتفاق بينهما على فتح الطريق أمام المدنيين. وأضاف خلو، في حديث مع شبكة “رووداو” الكردية، أن “الطريق سيكون مفتوحاً أمام حركة التجارة والتنقل لكافة المواطنين، وستكون القوات الروسية بمثابة الضامن لحرية التنقل والسلامة”. ونقلت مواقع كردية، عن مصادر مطلعة قولها إنه سيتم تسيير أربع قوافل مدنية يومياً على الطريق الدولي، ومن المقرر إنشاء خمس نقاط مراقبة بين عين عيسى وتل تمر بإشراف “قسد” والنظام السوري. كما يتضمن الاتفاق عدم إنشاء أي حاجز على الطريق في هذه المسافة.
غير أن هذا التفاهم الروسي – التركي على فتح الطريق، قد لا يمر من دون مضايقات أميركية، إذ تستخدم القوات الأميركية طريق “إم 4” باستمرار، وسبق أن حدثت احتكاكات عليه بينها وبين الدوريات الروسية، آخرها أول من أمس الإثنين، حين اعترضت دورية عسكرية أميركية، دورية روسية على الطريق الدولي حلب – الحسكة، وأجبرتها على تغيير مسارها، وذلك بعيد ساعات من إعلان الإعلام الروسي وإعلام النظام فتح الطريق أمام الحركة. وكانت دورية أميركية مكونة من مصفحتين، اعترضت أيضاً يوم الأحد الماضي، دورية للشرطة العسكرية الروسية على الطريق قرب مدينة تل تمر بمحافظة الحسكة. وبحسب وسائل إعلامية روسية، فإن الدورية الروسية كانت تتجه من تل تمر إلى القامشلي، إلا أنه بعد محادثة وجيزة أكملت وحدات الشرطة الروسية مسارها، لتعود القوة الأميركية إلى قاعدة قسرك (شمال تل تمر).
وخلال الأشهر الماضية، قطعت القوات الأميركية مرات عدة الطريق الدولي على دوريات روسية كانت تحاول الوصول إلى حقل رميلان، كما منعتها من المرور في جزء من الطريق الواصل بين مدينتي تل تمر، شمال غربي الحسكة، والقامشلي. كما حاولت الأسبوع الماضي مدرعات أميركية عرقلة سير نظيرتها الروسية قبل وصولها لناحية تل تمر، وتمركزت 5 مدرعات أميركية على الطريق الدولي بين الحسكة والقامشلي، في انتظار مرور العربات الروسية لمنعها من المسير على الطريق، ما دفع القوات الروسية للمرور من مناطق سيطرة فصائل المعارضة للوصول لناحية عين عيسى.
وبشأن الموقف الأميركي مما يجري على الطريق “إم 4″، رأى الصحافي السوري فراس علاوي، المتابع لشؤون المناطق الشرقية في سورية، أن الأمر “يتعلق بقواعد الاشتباك العسكري، فطالما تم احترامها من قبل الروس، لا أعتقد أن هناك رد فعل أميركي، خصوصاً أن الأميركيين انسحبوا من أغلب المناطق القريبة من الطرقات الدولية في وقت سابق”. واعتبر علاوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الإصرار الروسي على فتح الطرقات يأتي انطلاقاً من الرؤية الروسية أو المشروع الروسي في سورية، والذي يهدف لإعادة سيطرة نظام الأسد على جميع أجزاء سورية، كما يأتي في سياق الاتفاق الروسي التركي الذي تم مطلع مارس/آذار الماضي، والذي منحت بموجبه روسيا الحق في إدارة الطرقات الدولية”. وأضاف أن “هذه الرغبة تأتي أيضاً في محاولة لربط المناطق المفككة التي تحت السيطرة الروسية مع بعضها البعض للاستفادة من الموارد، ومحاولة مواجهة تفاعلات قانون قيصر الأميركي”. وحول الفائدة التي قد تعود على النظام السوري جراء ذلك، رأى علاوي أن فتح الطريق “لا يقدم فائدة مباشرة للنظام، لكن طبعاً فإن تنشيط حركة السير والنقل سيحرك الاقتصاد ولو بشكل طفيف، ويدعم الموقف الروسي”.
غير أن مصادر في المعارضة السورية رأت أن إعادة فتح طريق “إم 4” قد يسهم إلى حدّ كبير في التخفيف من آثار العقوبات التي سيفرضها “قانون قيصر” على النظام السوري، والذي من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران المقبل، إذ تعتبر مناطق الشرق السوري موطن الثروة الزراعية والباطنية، ومن خلال ربطها برّياً بمناطق الشمال والساحل، سوف تساعد النظام على البقاء ونقل الثروات والاستفادة منها. وكانت “قسد” قد طلبت استثناء المناطق التي تسيطر عليها من العقوبات المتوقعة على النظام السوري بموجب قانون “قيصر”، وهو ما لاقى تجاوباً أميركياً. وإعادة تشغيل طريق “إم 4” سوف قد يفيد نظام الأسد من خلال دخول المواد والسلع التي سيحتاجها النظام من المناطق الشرقية.
كما أن نجاح التفاهمات الروسية – التركية شرقي الفرات، سوف يساعد على التوصل إلى تفاهمات مماثلة في الجزء الآخر من الطريق المار بإدلب، حيث تتعثر هناك عملية إعادة فتحه، بسبب اعتراض الفصائل المقاتلة وقسم كبير من الأهالي على مرور الدوريات المشتركة الروسية – التركية على الطريق الذي يمر في تلك البقعة في مناطق تحت سيطرة الفصائل. ويفصل هذا الطريق منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب الخاضعة لسيطرة الفصائل، عن بقية مناطق سيطرتها، شمالي الطريق، ما أثار مخاوف من أن تسيير تلك الدوريات، وفتح الطريق لحركة المرور عليه، سيكون مقدمة لفصل مناطق جبل الزاوية، وتسليمها للنظام السوري.
وأدى عدد من الناشطين في محافظة إدلب شمال غربي سورية صلاة عيد الفطر على طريق “إم 4” استمراراً لاعتصامات متكررة على هذا الطريق، منذ منتصف مارس/آذار الماضي، رفضاً لتسيير الدوريات الروسية – التركية عليه، وفق ما نص اتفاق موسكو، بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في 5 مارس الماضي.
المصدر: العربي الجديد