مناضل وطني سوري عروبي ناصري، يمتلك وعيًا سياسيًا قل مثيله، حصل على محبة الناس، وتموضع في قلوب أهالي مدينته أريحا، دخل جوانية القلب، بما عرف عنه من شجاعة ووطنية مندمجة بالعروبة، التي تتداخل مع البعد الوطني، لتنتج رجلًا من أمثال الأستاذ والمربي الكبير أبو حسان/ محمد حسن قزموز.
عرفناه أستاذًا للغة العربية، متمكنًا من درسه، واعيًا وعارفًا لما يطرح من أمثله ونماذج تنير درب طلابه، وهو الرجل السوري المعارض الذي لم يقبل أن يبيع الوطن كما باعه غيره في سوق النخاسة، حسب تعبير رفيق دربه الراحل عبد المجيد منجونة رحمه الله.
ولد أبو حسان عام 1939في بلدته أريحا، التي تغفو على سفح جبل الأربعين، فيحضنها بعطف وحنان، والأستاذ محمد حسن قزموز يحمل شهادة دبلوم في آداب اللغة العربية، وكان عضوًا قياديًا في حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي الذي كان يقوده الراحل الدكتور جمال الأتاسي، وكان أبو حسان أمينًا لشعبة الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في مدينة أريحا، وعضوًا أساسيًا في فرع محافظة إدلب لحزب الاتحاد، بعد أن شغر المكان بمغادرة المحامي مصطفى شعبان/ رحمه الله إلى موقع آخر في (الجبهة الوطنية التقدمية)، حيث لم يقبل أبو حسان البقاء فيها. وهو من قاد شعبة أريحا باقتدار ونجاح، إلى أن سافر للعمل في اليمن، ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية، وبعد قضاء إجازته الصيفية في سورية عام ١٩٧٧ وفي طريق عودته إلى السعودية وقع الحادث الأليم والمفاجيءالذي أدى إلى وفاته.
في وداعه ضمن بلدته أريحا، كانت حشود كبيرة، وجنازة مهيبة، خرج فيها الآلاف من أهالي بلدته الذين أحبوه، واحترموا مواقفه الوطنية الشجاعة، فكانت الجنازة بمثابة مظاهرة وفاء واستفتاء جماهيري، أكد فيها أهالي أريحا انحيازهم إلى المواقف الوطنية الصلبة التي ترفض البقاء مع نظام حافظ الأسد، ولتنضم إلى من خرج من(الجبهة الوطنية التقدمية)، خروجًا عليها ومنها، وضد سياسات حافظ الأسد، التي توضحت منذ ذلك التاريخ، لدى كل الوطنيين في سورية.
في اليوم الثالث لوفاته عمل أصدقاءه وأبناء خطه الوطني العروبي الاتحادي، وعلى مدار ثلاثة أيام، ليلًا ونهارًا تهيئة لهذا اليوم، وقد شارك كافة أبناء أريحا في ذلك اليوم المشهود.
تجمهرت الآلاف من الناس على قبره، وفاء له ولمواقفه الصلبة، ووقف رفيق دربه الشاعر المعروف وابن أريحا البار الأستاذ هاشم مجني/ رحمه الله، ليلقي فيه وعنه قصيدة رثاء رائعة قال فيها:
الهاتف المشؤوم صبحًا راعني فوقفت منه موقف الحيران
أأقول إن محمدًا قد مات بالأمس شد على يدي حياني
وغدوت نحو الدار يخنقني الأسى فرأيت مالم تبصر العينان
هذا أباحسان في أكفانه بالله ماذ لُفَّ بالأكفان
فإذا الفؤاد يدج في أحزانه وإذا العيون تجود بالهملان
أوَ هكذا تهوي النجوم وتختفي أنوارها بدقائق وثواني
لهفي عليك على الشباب ذوى كما تذوي الأزاهر في ذرى الأغصان
لهفي على الآمال تهفو نحوها همم الشباب مطامح وأماني
ولئن بلغت الأربعين ففيك من شيم الفتاء شمائل الفتيان
إلى آخر قصيدته ومرثيته التي أضحت أنشودة على ألسنة كل أصحاب وأصدقاء الراحل وأبناء جيله وطلابه وإخوته في العمل الوطني، رغم القمع، ورغم محاولات النظام منع هذه الجمهرة الكبيرة من الوصول إلى المقبرة.
رفيق دربه الأستاذ ياسر النمر/ أبو خالد قال عنه :” نِعم المربي والموجه المناضل من أدائه نتعلم وبتوجيهاته ننطلق، فهو لا يرسلك للمجهول، بل ينير دربك بالمعرفة. تغمده الله بواسع رحمته وجميل مغفرته وطيب ذكراه على الدوام”.
كما قال عنه أحد أهالي بلدته الذين عرفوه: “الأستاذ محمد حسن قزموز مدرس اللغة العربية بمدينة أريحا، كان متمكنًا من درسه قويًا بسامًا .ناصري وحدوي، له الفضل بتأسيس نواة حزب الاتحاد الإشتراكي العربي الديموقراطي بمدينة أريحا بل في محافظة إدلب، له بصمات نضالية عالية رحمه الله وأدخله فسيح جناته” .
المحامي أمير ابراهيم تريسي فقال عنه: ” كريم الأخلاق والخصال، أبا حسان الذي لا ينسى فضله ولا ينكره إلا جاحد. تعرفت عليه وأنا طفل صغير، قبل أن يصبح أستاذي في السنة الأولى ثانوي( الصف العاشر) وأذكر يومًا أنه ناداني قائلًا. إن مجلة الحائط في المدرسة قد أصبحت من مسؤوليتك. قلت: ماذا أكتب وأي المواضيع أنشر. فأجابني بابتسامة عريضة (كعادته): اكتب وانشر كل شيء لا يدخلك السجن، ولا يتسبب بطردك من المدرسة .
امتثلت لنصيحته في البداية. وبعد فترة وبتأثير من أحد المدرسين خالفت نصيحته وانتهى الأمر إلى طردي طردًا نهائيًا من جميع مدارس سورية .وبقيت على هذا الحال لأكثر من شهرين حيث عدت إلى المدرسة بضمانة وزير التربية. رحم الله أبا حسان وأحسن اليه وعوضه الجنة بلا حساب ولا سابق عذاب. لقد كان لنا معلمًا ومدرسًا وأبًا وأخًا وصديقًا”.
رحم الله القائد السياسي الوطني العروبي الأستاذ محمد حسن قزموز/ أبو حسان الذي علَّمنا كيف يكون الفرد منتميًا لوطنه ولأمته، دون أن تنحني هامته أمام أي مسؤول أو متنفذ أو ظالم. سيبقى الأخ الكبير أبا حسان أمثولة لنا ولأجيالنا والأجيال القادمة، في العمل الوطني والقومي، وسيبقى وعيه السياسي نموذجًا فذًا أمام الأجيال القادمة، حتى دحر كل قوى البغي والظلم الطغياني والاستبداد الأسدي وسواه من أنواع الاستبداد والقمع الطاغوتي.