أثار توقيع نظام بشار الأسد عقود تنقيب عن النفط مع إيران، مخاوف سوريين من استمرار تبديد ثروات الشعب لإيفاء ديون حلفاء الأسد، بعد مطالبة كل من روسيا وإيران باستعادة الأموال التي قدمتاها للأسد.
وكانت طهران قد دعت إلى استرداد الديون، بعد المساعي الدولية لإخراجها من سورية، إذ كشف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، أن بلاده دعمت نظام الأسد في سورية بمبلغ يراوح بين 20 و30 مليار دولار، مطالباً باستعادتها.
وقال فلاحت بيشه إن بلاده تعاني من مشكلة اقتصادية وأمنية، مكرراً ما صرح به في آذار/مارس العام الماضي “إن نظام الأسد مدين لطهران، ويجب عليه تسديد الديون”. واقعٌ دفع نظام الأسد الذي يعاني من الإفلاس، إلى منح طهران عقد التنقيب في منطقة البوكمال التي توصف بالأغنى نفطياً، وفق عدد من المحللين.
وكان مجلس الشعب قد ناقش مشروع قانون تصديق عقد استكشاف البترول وتنميته وإنتاجه في البلوك رقم (12) في منطقة البوكمال بريف دور الزور.
وقال وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة نظام الأسد، علي غانم، خلال مناقشة البرلمان للعقد، إن الاتفاق يأتي ضمن الخطة الاستراتيجية للوزارة في زيادة عمليات الحفر والاستكشاف والتنمية والتطوير وتحسين مردود الحقول النفطية والغازية، مضيفاً أن الصفقة الجديدة هي بمثابة عقد نفطي لمصلحة سداد الدين الائتماني طويل الأجل، ما سيرفع إنتاج النفط السوري إلى 90 ألف برميل يومياً مع نهاية العام.
وكشف الخبير النفطي عبد القادر عبد الحميد لـ”العربي الجديد” عن أن كمية النفط التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد اليوم، تراجعت إلى أقل من 25 ألف برميل يومياً، كذلك أثر الوجود الأميركي في مناطق الإنتاج، بكميات النفط التي كان يستجرّها النظام من التنظيمات الكردية عبر وسطاء.
وأشار الخبير السوري إلى أن نظام الأسد، منح تقريباً جميع الآبار وحتى المناطق الواعدة، براً وبحراً، للروس والإيرانيين، ولم يبق مسيطراً إلا على بعض الحقول قليلة الإنتاج، شرق مدينة حمص.
وترتبط حكومة الأسد بعقد مع إيران لتوريد المشتقات النفطية والمواد الغذائية، وُقِّع للمرة الأولى عام 2013 مقابل مليار دولار، وجُدِّد ثلاث سنوات في 2015 و2017 و2019، قبل أن تتوقف طهران عن مدّ الأسد بالنفط، إلا بـ”الدفع النقدي”.
وبيّن عبد الحميد أن محافظة دير الزور هي الأغنى بالنفط، إذ يتبع لها أكبر حقل نفطي (العمر) وثاني أكبر حقل (التنك)، إضافة إلى حقول أخرى. فيما تعتبر منطقة البوكمال، التي تسيطر عليها المليشيات الإيرانية منذ عام 2017، منطقة واعدة وليس فيها سوى بعض الآبار الصغيرة والمتوقفة عن الإنتاج منذ عام 2012.
وحول عقود استخراج واستثمار الفوسفات الموقعة عام 2017 بين حكومة الأسد وإيران، أكد عبد الحميد أنها أُلغيت ومُنح حقلا “خنيفيس والشرقية” في منطقة تدمر لموسكو في آذار/ مارس 2018، كاشفاً عن أن منطقة البوكمال، وفضلاً عن غناها بالنفط، هي على الحدود العراقية السورية، أي يمكن أن تضمن طهران بعد الاتفاق، الطريق وتدخل نفطها إلى سورية عبر الحدود العراقية للتهرب من العقوبات.
وفيما يقال عن تنافس بين طهران وموسكو على الثروات السورية، أضاف الخبير النفطي السوري أن روسيا استحوذت على معظم المواقع النفطية في البر والبحر، إذ وقّع نظام الأسد هذا العام على ثلاثة عقود مع شركتي “ميركوري” و”فيلادا” الروسيتين، للتنقيب عن النفط في ريف دمشق ودير الزور والحسكة، وذلك بعد اتفاقات سابقة مع شركات روسية عدة، منها شركة “سيوزنفتا غاز إيست ميد” الروسية، من أجل التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، وحصلت روسيا العام الماضي على عقد استثمار معامل الأسمدة في حمص لمدة 40 عاماً، ومرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً.
وقالت الباحثة السورية سميرة مبيّض إن النظام يسعى إلى دفع فواتير الحرب المتراكمة عليه لحلفائه في موسكو وطهران، ويتخلى عن منشآت السوريين ومقدّراتهم، ولا بد من مراجعة هذه العقود مستقبلاً، لأنها لا تتوافق مع مبدأ السيادة ومصالح السوريين، ما يمكن اعتبار تلك العقود باطلة.
ورأت مبيّض، خلال تصريحها لـ”العربي الجديد”، أن توقيت العقود يدل على محاولة الأسد تحصيل بعض الأموال قبل بدء تطبيق العقوبات الأميركية الشهر المقبل، والأرجح أن تلاحق واشنطن عقوداً كهذه ومدى خرقها للعقوبات أو أين تصبّ العائدات والموارد لتلك العقود والاتفاقات.
المصدر: العربي الجديد