قال شريف سمير، طالب دكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة يوتا الأمريكية، إن الصين حاليا تملأ فراغ القوة الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وربما تجهز لصفقات جديدة بعد وساطتها الناجحة بين السعودية وإيران.
وفي 10 مارس/ آذار الجاري، وقّعت الرياض وطهران اتفاقا ينص على احترام كل منهما لسيادة الآخر واستئناف علاقاتهما الدبلوماسية خلال شهرين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات.
وقطعت السعودية (ذات أغلبية سُنية) علاقاتها مع إيران (ذات أغلبية شيعية) في يناير/ كانون الثاني 2016؛ إثر اقتحام محتجين لمقر سفارة المملكة في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع مدانين آخرين، بينهم سُنة، بتهم منها الإرهاب.
واعتبر سمير، في مقال نشره موقع العلاقات الدولية البريطاني (E-International Relations) وترجمه “الخليج الجديد”، أن هذه الصفقة “ستوفر فترة راحة للملايين في غربي آسيا الذين دمرهم العنف الطائفي”.
وأضاف أنه “بسبب تحول تركيزها نحو آسيا والمحيط الهادئ (لمواجهة الصين) والنكسات الاستراتيجية اللاحقة في الشرق الأوسط، فقدت الولايات المتحدة نفوذها تدريجيا في المنطقة وخلقت مساحة فارغة قوة تملأها الصين الآن”.
ولفت إلى أنه في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأسترالي في 2011، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما عن سياسة خارجية جديدة لتجديد وجود بلاده في منطقة آسيا والمحيط الهادئ مع فك ارتباطها بشؤون غربي آسيا.
تكلفة باهظة
كما أن “انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان (2021) بعد أكثر من عقد من الزمان، وصور (حركة) طالبان وهي تعود إلى شوارع كابول، تروي القصة المناهضة للنفوذ الأمريكي في المنطقة”، وفقا لسمير.
وتابع: “وقدرة بشار الأسد على التمسك بالسلطة في سوريا، بدعم من إيران وروسيا، لم تكن أيضا صورة مريحة لحلفاء الولايات المتحدة. والأزمة الإنسانية في اليمن وعدم القدرة الأمريكية، أو ربما اللامبالاة، تشير أيضا إلى الضعف والتجاهل لسياسات المنطقة.. كل هذا أدى إلى فراغ قوة تملأه الصين الآن”.
سمير قال إن “محاولة واشنطن لمواجهة الصين عبر فك الارتباط الأمريكي بسياسة غربي آسيا والتحرك نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ، قد أسفرت عن تكلفة باهظة لما يسمى بالقوة المهيمنة العالمية (الولايات المتحدة)”.
وأضاف أن “الاعتماد على اتفاقيات إبراهيم 2020 لتشكيل ترتيب أمني إقليمي جديد (ضد إيران) فشل بسبب إحجام حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين عن العمل مع حكومة (بنيامين) نتنياهو غير المرنة في إسرائيل”.
وفي 2020 وقّعت 4 دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، التي لا تزال تحتل أراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967.
وتابع: “وفي محاولة لمعاقبة باكستان على أفعالها السيئة في أفغانستان ولتعزيز شراكتها مع الهند، عمدت الولايات المتحدة أيضا إلى عزل حليفها الاستراتيجي السابق (إسلام آباد)”.
صورة قاتمة
علاوة على أن “تركيا تحدت الولايات المتحدة عبر التعامل المستقل مع الصين وروسيا وإيران.. وكل هذا يرسم صورة قاتمة لواشنطن، بينما كانت الأمور أفضل بالنسبة لبكين”، بحسب سمير.
وأوضح أنه “من خلال إبرام صفقة بين قوتين إقليميتين، زادت الصين بشكل كبير من نفوذها السياسي والدبلوماسي في المنطقة (…) وضمنت موطئ قدم في كل من المعسكر السُني والشيعي في العالم الإسلامي”.
وأضاف أن “مبادرة الحزام والطريق كانت أيضا عاملا في تغيير قواعد اللعبة بالنسبة للنفوذ الصيني في المنطقة، حيث لم تعزز فقط مصالحها الاقتصادية (بكين) ولكن أيضا مصالحها السياسية.. كما أشارت المبادرات الدبلوماسية في أفغانستان وسوريا وإيران إلى وجود صيني نشط في جميع دول المنطقة”.
ومبادرة “الحزام والطريق” الصينية هي مشروع بناء طرق ومرافئ وسكك حديدية ومناطق صناعية في 65 دولة تُمثل 60% من سكان العالم، وتوفر حوالي ثلث إجمالي الناتج العالمي.
و”من خلال الاستمرار في إبرام الاتفاقيات في الشرق الأوسط، لا تستطيع الصين بناء الجسور الدبلوماسية فحسب، بل أيضا الجسور التجارية. وواحدة من أكبر نقاط الضعف في الصين هي احتياجاتها للطاقة، إذ يأتي أكثر من 60٪ منها من الواردات”، وفقا لسمير.
وأردف أن “معضلة الصين تكمن في أنه في حالة حدوث أي صراع، يمكن للولايات المتحدة أن تقطع الطاقة عن الصين بسبب نفوذ واشنطن على طرق التجارة الدولية، وخاصة في الشرق الأوسط”.
واعتبر أنه “من خلال ضمان الاستقرار في المنطقة، يمكن للصين التركيز على أهداف أخرى، فمثلا إذا تم تأمين مضيق هرمز، فإن التركيز التالي للصين سيكون على مضيق ملقا والنقطة الساخنة الجيوسياسية في بحر الصين الجنوبي”.
وخلص سمير إلى أن “عجز الولايات المتحدة، وأحيانا اللامبالاة، في التعامل مع شؤون المنطقة أدى إلى فراغ قوة، ولهذا بدأت الصين في لعب دور أكثر نشاطا في المنطقة. وقد تكون الصفقة السعودية الإيرانية مجرد حلقة من عدة حلقات أخرى قيد الإعداد”.
وفي حال صمود الاتفاق السعودي الإيراني، يرجح مراقبون أن يساهم في معالجة ملفات متشابكة بين البلدين ولاسيما اليمن، حيث تستمر حرب منذ أكثر من 8 سنوات، ولبنان الذي يعاني من فراغ في منصب رئيس الجمهورية منذ أن انتهت ولاية الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
المصدر | شريف سمير/ E-International Relations– ترجمة وتحرير الخليج الجديد