التضخّم وتفاقم الفقر في سورية

جوزيف ضاهر

  • ارتفع الحدّ الأدنى لتكلفة المعيشة في العام 2022 من 1,266,860 ليرة سورية إلى 2,507,611، أي بنسبة 97.9% خلال عام واحد، بينما بقي الحدّ الأدنى للأجور على حاله عند 92,970 ليرة سورية.
  • بعد زلزال شباط/ فبراير المميت الذي دمّر جنوب تركيا وشمال سوريا، شهدت المناطق التي تسيطر عليها الحكومة زيادة بنسبة 30% في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، ممّا زاد العبء على السكّان السوريين الذين يعانون من الكارثة الطبيعية، وتدهور الأوضاع المعيشية، وأزمة اقتصادية حادّة.
  • لعبت الأزمة اللبنانية دوراً في زيادة انخفاض قيمة الليرة السورية، لا سيما بعد أن فرضت البنوك اللبنانية قيوداً صارمة على الحصول على الدولار وسحبه. كذلك أدّت العقوبات المُعمّمة، بما فيها قانون قيصر، إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية.

على الرغم من انخفاض حدّة المواجهات العسكرية في سوريا في السنوات الأخيرة، ولا سيما في خلال العام 2022، إلا أن البلاد لا تزال مجزأة سياسياً وفق مناطق نفوذ مختلفة، وتتفاقم حدّة المسألة الاجتماعية والوضع الاقتصادي فيها بشكل مستمرّ. في كانون الثاني/ يناير 2023، بلغ عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية نحو 15.3 مليون شخص، فيما يعيش أكثر من 90% من السكّان تحت خطّ الفقر.

أسباب هذه الأوضاع المأساوية كثيرة، تبدأ من الحرب وتداعياتها، والسياسات الاقتصادية للنظام السوري، وتصل إلى العقوبات الغربية وآثارها، والأزمة المالية اللبنانية منذ العام 2019، فضلاً عن تفشّي وباء كوفيد-19، والغزو الروسي لأوكرانيا. كلها عوامل ساهمت في تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

تسعى هذه المقالة إلى وصف وتحليل جذور ارتفاع مستوى التضخّم في سوريا.

فقدان القوة الشرائية

قبل العام 2011 كان التضخّم مدفوعاً بالسياسات النيوليبرالية التي انتهجها النظام السوري مصحوبة بإجراءات تقشفية، ثمّ انفجر معدّل التضخّم بشكل تدريجي على مدار العقد الماضي بعدما اندلعت الانتفاضة في العام 2011 وتحوّلت إلى حرب.

في خلال السنوات الأخيرة، قُدِّر معدّل التضخّم بين 113.5% و114% في العام 2020، وبين 101% و111% في العام 2021، وبين 55% و55.7% في النصف الأول من العام 2022.1 وفي مطلع العام 2023، أعلن المدير السابق لمكتب الإحصاء المركزي شفيق عربش أن معدّل التضخّم لعام 2022 تجاوز 150%. وارتفع معدل التضخّم بشكل كبير منذ بداية العام 2022 في شمال غرب سوريا في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام والجيش التركي نتيجة انخفاض قيمة الليرة التركية.2

وفق مستويات المعيشة الحالية، يجب أن يتراوح راتب الموظّف في القطاع العام بين 3 ملايين و5 ملايين ليرة شهرياً للعودة إلى القوة الشرائية لعام 2010أثّر معدل التضخّم المرتفع على القوة الشرائية للسكّان من خلال زيادة تكلفة المعيشة بشكل كبير. ففي العام 2022، ارتفع متوسّط تكلفة المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد في دمشق من 2,026,976 ليرة سورية (أي ما يعادل 802.8 دولار وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 2,525 ليرة سورية للدولار في كانون الثاني/يناير 2022) إلى 4,012,178 ليرة سورية (أي ما يعادل 887.26 دولار وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 4.522 ليرة سورية للدولار في كانون الثاني/يناير 2023)، بينما ارتفع الحدّ الأدنى لتكلفة المعيشة خلال الفترة المماثلة من 1,266,860 ليرة سورية (501.7 دولار) إلى 2,507,611 ليرة سورية (554.53 دولار)، وهو ما يمثّل ارتفاعاً بنسبة 97.9% خلال عام واحد، بينما بقي الحدّ الأدنى للأجور كما هو عند 92,970 ليرة سورية (أي ما يعادل 20.6 دولاراً وفق سعر الصرف الرسمي في 2023).

تضاعفت كلفة الاحتياجات الأساسية للأسرة، بناءً على تدابير برنامج الأغذية العالمي، منذ بدء السلسلة في أيلول/سبتمبر 2021، لتصل إلى 1,049,235 ليرة سورية (أي ما يعادل 348 دولاراً وفق سعر الصرف الرسمي في كانون الأول/ديسمبر 2022). واستمرّت أسعار الطاقة بالارتفاع وشكّلت أحد مصادر الضغط الرئيسية.

وفق مستويات المعيشة الحالية، يجب أن يتراوح راتب الموظّف في القطاع العام بين 3 ملايين و5 ملايين ليرة شهرياً للعودة إلى القوة الشرائية لعام 2010. وبالمقارنة، فإن الفرد الذي يعمل في «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» (AANES) يكسب أجراً يتراوح بين 200 ألف و350 ألف ليرة سورية (أي ما يعادل 44.2 و77.4 دولاراً على التوالي وفق سعر الصرف الرسمي في مطلع 2023). في حين، أنه في الشمال لا يتجاوز راتب المعلّم في مدرسة محلّية 55- 75 دولاراً.

العواقب الاجتماعية

أثّر التضخّم على جميع المنتجات، بما في ذلك السلع الأساسية. تضاعفت قيمة سلّة الغذاء المرجعية والقياسية لبرنامج الأغذية العالمي تقريباً في العام 2022، لتصل إلى 425،585 ليرة سورية (أي ما يعادل 141.16 دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 3,015 ليرة للدولار)، وازدادت أربع مرّات مقارنة بما كانت عليه قبل عامين. بحلول نهاية العام 2022، كان الحدّ الأدنى للأجور، 92,970 ليرة سورية، قادراً على تحمّل قيمة خُمْس سلة الغذاء فقط. ارتفع متوسّط السعر الشهري لدقيق القمح، المكوِّن الرئيسي لصناعة الخبز، بنسبة 75% في السنة. في الوقت نفسه، شهد متوسّط أسعار الأدوية الطبّية في الصيدليات على سبيل المثال زيادة تجاوزت 130% في العام 2022. وارتفعت أسعار الأدوية في المتوسّط منذ اندلاع الانتفاضة في آذار/ مارس 2011 إلى نحو 1,500%. بينما ارتفعت أسعار بعض الأدوية مثل المضادات الحيوية بنحو 4,000% خلال الفترة نفسها.

ارتفعت أسعار الأدوية في المتوسّط منذ اندلاع الانتفاضة في آذار/ مارس 2011 إلى نحو 1,500%كذلك، شهدت أسعار الطاقة ارتفاعاً كبيراً على مدار العام. بلغ سعر الديزل للتدفئة في كانون الأول/ ديسمبر 2022 في السوق غير الرسمية نحو 7,824 ليرة سورية لليتر (أي ما يعادل 2.6 دولار)، وهو ما يمثّل ثلاثة أضعاف سعره في شباط/ فبراير 2022، في بداية الأزمة الأوكرانية. وبالمثل، ارتفع متوسّط السعر الوطني للديزل المُخصّص للنقل في السوق غير الرسمية بنسبة 184% في عام واحد، حيث وصل إلى 7,843 ليرة سورية لليتر (أي ما يعادل 2.6 دولار).و بلغ سعر المحروقات في شباط / فبراير 15 ألف ليرة سورية لليتر (أي ما يعادل 3.3 دولار) في شباط/ فبراير 2023 في مناطق معينة من سوريا. وفي الإثني عشر شهراً الماضية، ارتفعت أسعار الغاز أيضاً بنسبة 88% وبنحو سبعة أضعاف في خلال سنتين. من مميزات الطاقة أنها تدخل في كافة القطاعات، ومن ضمنه الإنتاج الزراعي وتوليد الكهرباء والتدفئة والنقل. وهذا بالطبع يزيد من تكلفة الإنتاج، خصوصاً في القطاعات الإنتاجية (التصنيع والزراعة). أدّى الارتفاع الكبير في أسعار الديزل، جزئياً، إلى زيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية، وسيظل استمرار ارتفاع تكاليف الطاقة عقبة أمام كبح تضخّم أسعار الغذاء.

أثّرت معدّلات التضخّم عالية المستوى على القوّة الشرائية للسكّان على جميع المستويات، ولم تشهد الرواتب تحسيناً ربطاً بمعدّلات التضخّم، سواء في القطاع العام أو من أرباب العمل في القطاع الخاص. يحتاج موظّف حكومي اليوم على سبيل المثال إلى 350 عاماً لشراء منزل.

مستويات التضخّم المرتفعة لها عواقب اجتماعية ملموسة للغاية. لا تطال تبعات الزيادة في أسعار المشتقّات النفطية هيكل الإنتاج الاقتصادي فحسب، بل المجتمع بأسره أيضاً. كان للزيادة في رسوم النقل أثرٌ سلبي على الأفراد الذين يعيشون خارج المراكز الحضرية الرئيسية حيث توجد معظم مؤسّسات الدولة والأنشطة الاقتصادية الرئيسية. وتوقفت أعداد متزايدة من طلّاب الجامعات والثانويات الذين يعيشون في المناطق النائية عن الذهاب إلى أماكن الدراسة بسبب ارتفاع رسوم النقل. كذلك أدّى ارتفاع رسوم النقل إلى مزيد من التغيّب عن العمل في المؤسّسات العامّة: تمثل الرسوم أحياناً نحو نصف راتب الموظّف. أخيراً، كان لارتفاع أسعار المشتقّات النفطية عواقب على قضايا الإسكان. تكاليف تشغيل المولّدات الخاصة باهظة للغاية، مما يؤدّي إلى انقطاعات أطول للتيّار الكهربائي. وقد أدّى ذلك إلى تغيّرات في عادات الاستهلاك حيث الثلّاجات غير قادرة على العمل من دون كهرباء، سواء تم توفيرها من القطاع العام أو المولّدات الخاصّة. لذلك، تشتري العائلات عموماً الطعام ليوم واحد فقط أو تشتري المنتجات التي يمكن أن تستمر لبضعة أيام من دون وضعها في الثلاجة.

 جذور التضخّم

ترتبط معدلات التضخّم المرتفعة بأسباب داخلية وخارجية. الجذر الأول هو الانخفاض الهائل لقيمة الليرة السورية، الذي يعكس من نواحٍ عديدة تدمير الاقتصاد السوري. لقد عانت صناعة النفط والسياحة، وهما مصدران رئيسيان للعملة الأجنبية قبل انتفاضة 2011، من دمار هائل، وكذلك توقفت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد العام 2011، التي وصل مجمل حجمها إلى أكثر من 8 مليارات دولار بين عامي 2005 و2011، ممّا عزّز انخفاض قيمة العملة السورية. أخيراً، أدّى الدمار الهائل في قطاعي التصنيع والزراعة إلى انهيار الطاقة الإنتاجية المحلّية وانخفاض حجم الصادرات.

يحتاج موظّف حكومي اليوم على سبيل المثال إلى 350 عاماً لشراء منزللذلك، فقدت الدولة مصادر دخل كبيرة واضطرت إلى زيادة وارداتها لمواكبة الطلب المحلّي. أدّت الحاجة المُتزايدة لاستيراد المنتجات الأجنبية وانخفاض قيمة الليرة السورية إلى زيادة تكلفة السلع والخدمات في سوريا. بقي الميزان التجاري سلبياً للغاية. وقد ترجم ذلك إلى ضغوط مستمرّة لشراء العملات الأجنبية، خصوصاً في السوق السوداء، ممّا زاد من الضغوط الهبوطية على الليرة السورية. بالإضافة إلى ذلك، زادت العقوبات من تكلفة الاستيراد، لأن مجموعة كبيرة من الدول والشركات الخاصّة لا تريد التجارة مع سوريا، وإذا فعلت ذلك، زادت تكاليفها لأن البلاد تعتبر في خطر.

أثّرت الأزمة المالية في لبنان منذ تشرين الأول/ اكتوبر 2019 بشكل كبير. فطوال الحرب، شهدت سوريا هروباً كبيراً لرؤوس الأموال، ربّما بمليارات الدولارات. يصعب تحديد المبالغ خصوصاً أن رأس المال السوري موجود خارج النظام المصرفي الرسمي منذ ما قبل الحرب. في هذا الصدد، لعبت الأزمة اللبنانية دوراً في زيادة انخفاض قيمة الليرة السورية، لا سيّما بعد أن فرضت البنوك اللبنانية قيوداً صارمة على الحصول على الدولار وسحبه. فمع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، اعتمد رجال الأعمال والتجّار السوريون على لبنان ونظامه المصرفي لمتابعة أنشطتهم الاقتصادية، وخصوصاً التجارة والتهريب. أدّى دخول قانون قيصر حيز التنفيذ في 17 حزيران/ يونيو إلى توسيع عدم رغبة الدول في التعامل مع سوريا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالتالي أدّت العقوبات المُعمّمة، بما في ذلك قانون قيصر، إلى زيادة الصعوبات الاقتصادية.

في الوقت نفسه، لم يضع النظام السوري أولوية للحدّ من معدّلات التضخّم، بل تأمين النقد الأجنبي لتمويل استيراد السلع الأساسية مثل واردات الوقود والسلع الأخرى. لم تتطابق الرواتب العامّة للدولة مع معدّلات التضخّم، فيما واصلت الحكومة السورية فرض تدابير تقشّفية بأشكال جديدة ومختلفة، ما أدّى إلى ارتفاع تكاليف معيشة السكان. كذلك كان هناك تأثير للغياب الحكومي التام وانسحاب الجهات المعنية من مهامها، ومن ضمنها المراقبين ومفتشي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إذ تخلّف هؤلاء عن أداء واجباتهم في ضبط الأسعار أو تأمين الاحتياجات الضرورية للطبقات الشعبية، بما فيها حليب الأطفال والأدوية.

زادت العقوبات من تكلفة الاستيراد، لأن مجموعة كبيرة من الدول والشركات الخاصّة لا تريد التجارة مع سوريا، وإذا فعلت ذلك، زادت تكاليفها لأن البلاد تعتبر في خطرعلاوة على ذلك، ففي كانون الثاني/ يناير 2023، وجّهت وزارة التجارة المحلّية وحماية المستهلك إداراتها في جميع أنحاء البلاد لاستخدام الفواتير الصادرة عن تجّار الجملة والمستوردين كقاعدة لتحديد أسعار المنتجات الاستهلاكية. على مدى عقود، كانت الحكومة تضع سقفاً لأسعار مجموعة كبيرة ومتنوّعة من المنتجات الاستهلاكية لتبقى في متناول السكّان. وحُدِّدت الأسعار بناءً على التكلفة المُقدّرة للإنتاج مع هوامش ربح مُحدّدة لكل جهة فاعلة في سلسلة التوريد، بما في ذلك المنتجون والمستوردون وتجّار الجملة وتجار التجزئة. أمّا الآن، وبناءً على هذا القرار، لن تحدّد الحكومة مستوى تكلفة الإنتاج بعد الآن. بدلاً من ذلك، ستعتمد على الفواتير المُقدّمة من المنتجين والمستوردين ومع تطبيق هوامش الربح لكلّ جهة فاعلة في سلسلة التوريد. في الواقع، هذا يعني أن سقف الأسعار على المنتجات الاستهلاكية لن تُحدِّده الحكومة وإنّما المتداولين. بالنظر إلى الطبيعة الاحتكارية أو احتكار القلّة للعديد من القطاعات، من المرجح أن يرتفع السعر الرسمي للعديد من المنتجات. وحقيقة أن عدداً قليلاً من تجّار التجزئة يلتزمون بقائمة أسعار الحكومة، فذلك يعني أن التأثير الفعّال لهذا الإجراء سيكون على الأرجح أقل أهمّية. بشكل عام، لم تكن الحكومة قادرة على السيطرة على الأسعار في السوق.

أيضاً عجز النظام السوري عن تحسين الوضع المالي للبلاد ووقف التدهور المستمرّ لقيمة الليرة السورية. اتخذت دمشق قرارات عدّة، قبل الزلازل، في محاولة لجذب المزيد من التدفّقات التمويلية عبر القنوات الرسمية في سوريا،3 وخصوصاً فيما يتعلّق بالتحويلات التي ترسلها مجتمعات الشتات السوري من أجل الحدّ من انخفاض سعر الصرف وزيادة الأسعار وتسهيل الصادرات والواردات. على سبيل المثال، من بداية شباط /فبراير 2023، رفع مصرف سوريا المركزي سعر الصرف لشركات تحويل الأموال والصرف الأجنبي النقدي (7,100 ليرة للدولار في 26 شباط/فبراير) إلى ما يقارب قيمة الليرة السورية مقابل الدولار في السوق (7,450 ليرة للدولار في اليوم نفسه).4 ثانياً، ألغى البنك المركزي حدّ السحب اليومي للأفراد والشركات الذين يتبادلون العملات الأجنبية أو يستقبلون الحوالات. تمثل التحويلات مصدراً رئيسياً للتدفقّات النقدية إلى سوريا، وتقدّر بعدة مليارات من الدولارات سنوياً، وأصبحت في العقد الماضي داعماً مهمّاً لسبل عيش شرائح كبيرة من السكّان. مع ذلك، وبعد تحسّن قصير جداً في قيمة الليرة السورية في اليومين الأولين بعد الزلازل، لم تمنع هذه الإجراءات استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية بعد ذلك، التي تجاوزت 7,000 ليرة للدولار للمرة الأولى. الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة الليرة السورية هيكلية بعمق وتعكس عدم استقرار الاقتصاد. هذا الوضع يُضعِف جاذبية العوائد والأرباح المُحتملة السريعة والمتوسّطة الأجل على الاستثمارات في سوريا، وبالتالي لا يولّد أي حافز للاستثمار سواء داخل أو خارج البلاد.

لا تغيير من حركات اجتماعية

بعد زلزال شباط/فبراير المميت، والذي دمّر جنوب تركيا وشمال سوريا، شهدت المناطق التي تسيطر عليها الحكومة زيادة بنسبة 30% في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى، ممّا زاد العبء على السكّان السوريين الذين يعانون من الكارثة الطبيعية، وتدهور الأوضاع المعيشية، وأزمة اقتصادية حادّة. في غضون ذلك، فشلت الحكومة السورية في الردّ بالشكل المناسب، ممّا أثار انتقادات واسعة النطاق. وقال رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريف دمشق، عبد العزيز مقالي، لصحيفة الوطن إن سلطات الدولة «فشلت في التدخّل لمنع الاحتكارات في السوق».

لن تحدّد الحكومة مستوى تكلفة الإنتاج بعد الآن. بدلاً من ذلك، ستعتمد على الفواتير المُقدّمة من المنتجين والمستوردين ومع تطبيق هوامش الربح لكلّ جهة فاعلة في سلسلة التوريدبينما تساهم الصدمات الخارجية والعقوبات في ارتفاع معدّلات التضخّم، فإن السياسات الحكومية هي المسؤولة الرئيسية عن الوضع الحالي والفقر المُستمر للسكّان في سوريا. إلى جانب حربها ضدّ السوريين وتدمير مدن وبنى تحتية، فإن السياسات النيوليبرالية المستمرّة، من خلال تحرير التجارة وممارسات الفساد لصالح شبكات معيّنة من التجّار المرتبطين بالقصر الجمهوري وإجراءات التقشّف، منعت اتخاذ إجراءات لمكافحة التضخّم ووقف تدهور قيمة الرواتب والقوة الشرائية للسكّان. يمكن القيام بإجراءات عدّة لمعالجة هذه القضايا مثل ضبط الأسعار وقنوات الاستيراد وتصحيح الرواتب ربطاً بمعدّلات التضخّم. على عكس بعض الاقتصاديين الليبراليين الذين يجادلون بأن زيادة الرواتب سوف تساهم بشكل أكبر في مستويات التضخّم، فإن الارتفاع العام في معدّل الأجور من شأنه أن يؤدّي إلى انخفاض معدّل الربح العام، ولكنّه لا يؤثّر على أسعار السلع. مع ذلك، من دون حركات اجتماعية مُنظّمة من أسفل للضغط على النظام السوري على المستوى الوطني، لن يحدث أي تحسّن في حياة السكّان. هذا الوضع يعيد إلى الواجهة، مرّة أخرى، مسألة بناء بديل تقدّمي وديمقراطي ببرنامج شامل اجتماعي-اقتصادي يهدف إلى خدمة الطبقات الشعبية.

المصدر: الارض العمل رأس المال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى