الخطر الرئيس على المدى المنظور والبعيد هو قيام الصين وروسيا بتعزيز علاقاتهما أكثر بعد هذه الاتفاقية
كشفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا النقاب عن تفاصيل خطتهم لإنشاء أسطول جديد من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، بهدف مواجهة نفوذ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبموجب اتفاقية “أوكوس” Aukus، ستحصل أستراليا على أول غواصات تعمل بالطاقة النووية – وعددها ثلاث على الأقل – من الولايات المتحدة، الأمر الذي أثار استياء بكين.
ما هي “أوكوس” وصفقة الغواصات النووية؟
هناك عدة إجابات لهذا السؤال. أولاً، هي في الأساس اتفاقية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (ولهذا كان الاسم اختصار الأحرف الأولى من أسماء الدول الثلاث Aukus) يتم بموجبها حصول أستراليا على بعض الغواصات الجديدة والجذابة التي تعمل بالطاقة النووية، بمساعدة حلفائها الذين يقدمون معلومات سرية وخبرات فنية.
لن تحمل الغواصات رؤوساً حربية نووية كنظيراتها البريطانية والأميركية، لكنها ستعمل بمفاعلات نووية مصغرة بدلاً من محركات الديزل. وذلك يعني أن لها نطاقاً أوسع بكثير ويمكن أن تقضي وقتاً أطول في البحر مما لو كانت مزودة بمحركات احتراق داخلية؛ كما أنها أكثر هدوءاً ويصعب اكتشافها. بالتالي، سيكون لدى البحرية الملكية الأسترالية سلاح جديد تحت تصرفها سيقلب المعادلة.
وإضافة إلى هذا الدعم، يلتزم الحلفاء أيضاً بتعاون أوثق في تبادل المعلومات الاستخباراتية والحرب الإلكترونية وغيرها من “ساحات المعركة” المحتملة المتقدمة. الثلاثة هم أعضاء بالفعل في شبكة استخبارات “العيون الخمس” Five Eyes (مع كندا ونيوزيلندا)، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة عضوان رئيسان في الناتو، وأستراليا لديها اتفاقية دفاعية قائمة مع أميركا.
بالتالي فإن هذه الخطوة تعتبر بمثابة إعلان على مستوى العالم عن استعداد الدول الثلاث للدفاع عن المصالح الغربية والنظام الدولي. وهدف القمة المقامة في سان دييغو بين جو بايدن وأنتوني ألبانيز وريشي سوناك هو إعادة التأكيد على ذلك وإضافة بعض الزخم إلى التحالف الجديد. هم في الواقع لم يخفوا حقيقة أنهم وحلفاء آخرين في المنطقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين قلقون بشأن التوسع الإقليمي الصيني وقوتها الصناعية. ومن الواضح أن تايوان، وهي دولة تتمتع بالحكم الذاتي التي لا تزال الصين تعتبرها جزءاً من أراضيها السيادية، هي عامل خلاف والأكثر تعرضاً إلى عمل عسكري فعلي.
وعلى حد تعبير سوناك، فإن الصين “تمثل تحدياً للنظام العالمي” – ولكنها لا تعتبر حتى الآن “مصدر تهديد”.
ماذا سيعني ذلك للسلام العالمي؟
النظرية الغربية هي أن ذلك سيحقق الاستقرار في المنطقة على أساس المبدأ ذي السمعة العريقة، الردع. كان التعبير الأكثر تطرفاً عن ذلك هو تعهد الرئيس بايدن العام الماضي بمساعدة تايوان عسكرياً في حال وقوع “هجوم غير مسبوق”، على رغم أن الصين استبعدت تاريخياً استخدام القوة بشرط ألا تعلن تايوان الاستقلال. (من حيث هذه الجوانب، الوضع ليس مشابهاً لروسيا وأوكرانيا). تم تصميم الاتفاقية أيضاً لتعزيز هذا الدعم العام للقوى الأصغر في المنطقة، من اليابان إلى فيتنام إلى ماليزيا.
لكن بالنسبة للصين، فإن ذلك يعدّ تدخلاً للقوى الأخرى في “شؤونها الداخلية” – وبخاصة تايوان وبحر الصين الجنوبي، الذي تطالب به – الأمر الذي يثير قلق جيرانها كثيراً. تقول الصين إنها تشعر أنها “محاصرة”، وهي دائماً عقلية خطيرة لقوة طموحة، وأن الغرب يمارس حيل جيوسياسية. وتقول بكين: “يوضح البيان المشترك الأخير الصادر عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا أن الدول الثلاث، من أجل مصالحها الجيوسياسية، تتجاهل تماماً مخاوف المجتمعات الدولية وتسير أكثر فأكثر في طريق خاطئ وخطير”.
إذن ما هي المخاطر؟
ليست الحرب حتى الآن، على رغم أن تصعيد التوترات وانحياز القوى الإقليمية هو أمر واضح لا لبس فيه. من ناحية، نجد الصين وكوريا الشمالية وروسيا، إضافة إلى الدول الصغرى الحديثة العهد مثل بابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان؛ من ناحية أخرى، هناك اتفاقية “أوكوس” إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين وماليزيا وتايلاند وإندونيسيا وربما فيتنام. القوة المتأرجحة الرئيسية هي الهند، التي أصبحت أقرب إلى روسيا في الآونة الأخيرة، حيث تشهد العلاقات مع الصين تحسناً طفيفاً (والتي توترت بسبب التنافس والنزاعات الإقليمية). كانت نيوزيلندا تحت قيادة جاسيندا أديرن أقل عدائية للصين بشكل ملحوظ من أستراليا؛ بينما غضبت فرنسا، وهي أيضاً لاعب إقليمي عبر أقاليم ما وراء البحار، من الطريقة التي ألغى بها اتفاق “أوكوس” عقداً مربحاً للغواصات مع أستراليا.
وعلى المدى المنظور والطويل، يكمن الخطر الرئيسي في اقتراب الصين وروسيا من بعضهما البعض أكثر لأن “عدو عدوي هو صديقي”، أي أميركا. إذا كثفت الصين من مساعدتها لروسيا بموجب تعهدها بالصداقة “بلا حدود”، فسوف تجعل الحرب في أوكرانيا أكثر صعوبة إذا ما أراد الرئيس الأوكراني زيلينسكي الفوز.
إن اتفاقاً فعلياً بين الصين وروسيا، مع مشاركة أعضاء صغار مثل بيلاروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا وإيران، سيكون اتفاقاً غريباً وغير متوازن، ولكنه سيكون أيضاً هائلاً جداً في جوانب معينة، مثل الحجم الهائل للقوى العاملة، والترسانة النووية المشتركة، والوصول إلى الموارد الصناعية. على رغم أنه يبدو مستبعداً جداً في هذه المرحلة.
ومع ذلك، فمن المقلق بالتأكيد أن نرى تشكل تحالفين ببطء لتهديد بعضهما البعض، كما كانت الحال قبل الحربين العالميتين الأخيرتين والحرب الباردة.
هل الاتفاقية مفيدة لاقتصاد المملكة المتحدة؟
نعم. يجب أن يعني ذلك توافر وظائف جديدة في شركة BAE لأحواض بناء السفن في ميناء “بارو إن فيرنس” كما ستقوم شركة “رولس رويس” في “ديربي” ببناء المفاعلات النووية، كما ستقوم شركة “شيفيلد فورغماسترز” Sheffield Forgemasters بتصنيع قطع الغواصات. كما ستكون هناك أعمال أخرى يمكن الفوز بها في سلاسل التوريد. بالطبع، قد يكون من الأفضل للبشرية لو أن الأموال تم استثمارها في مشاريع سلمية بحتة ولكن لمؤيدي اتفاقية “أوكوس”، فسوف تنفق الأموال بالشكل الأمثل للحفاظ على الانسجام العالمي.
المصدر: اندبندنت عربية