“تصريحات مبهمة”… الموفد الأممي يعزّز غموض المشهد الليبي

أحمد علي حسن

رسخ الموفد الأممي إلى ليبيا عبد الله باثيلي، اعتقاداً بتجنبه التدخل طرفاً في معادلة الصراع الليبي، ومحاولته الإمساك بالعصا من المنتصف، الأمر الذي رفع مستوى التشاؤم في الأوساط الليبية حيال إمكان تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية خلال العام الجاري رغم الضغط الدولي المكثف.

ووسط ترقب لإعلان باثيلي تفاصيل مبادرته التي أطلقها أمام مجلس الأمن نهاية الشهر الماضي، خرج الرجل في مؤتمر صحافي، السبت، في العاصمة طرابلس، معززاً الغموض والالتباس في شأن خطواته خلال الأشهر القليلة المقبلة للدفع بالعملية الانتخابية.

فبينما ألقى باثيلي بمسؤولية صوغ القوانين المنظمة للاستحقاقين الرئاسي والنيابي على مجلسي النواب والأعلى للدولة، بالإضافة إلى المجلس الرئاسي، داعياً رؤساء الهيئات الثلاث إلى الاجتماع لحل النقاط الخلافية، عاد ليؤكد أنه “يجب عدم ترك الانتخابات في يد مجلسي النواب والأعلى للدولة فقط، فقد كان بإمكان المجلسين الانتهاء من القاعدة الدستورية في العام الماضي”، مشدداً على “انتهاء صلاحيات الأجسام السياسية (النواب والدولة)، وهي قضية أخلاقية وسياسية، مدة انتخابهم انتهت وعليهم تقديم أنفسهم للشعب من جديد لانتخابهم”.

“الشعب يعاقِب”

وكان لافتاً إلقاء الموفد الأممي مسؤولية معاقبة معرقلي الانتخابات على الشعب الليبي، بقوله إن “العقوبات بحق المتسببين بالأزمة الراهنة ومعرقلي الوصول إلى الانتخابات ستكون في يد الشعب الليبي نفسه من خلال صناديق الانتخابات، لا من قوى أجنبية”. وأضاف: “بدلاً من أن تفكروا في ما يمكن للقوى الأجنبية أن تقوم به داخل بلدكم، فكروا في ما يمكن أن تفعلوه لبلدكم”، محذراً من أن استمرار الفوضى في ليبيا “قد يؤدي إلى أن يكون القادة أنفسهم ضحايا الصراع المستمر”.

وزاد باثيلي من الغموض، عندما أشار إلى أن رؤيته تركز على إمكان وضع خريطة طريق واضحة للوصول إلى الانتخابات قبل منتصف حزيران (يونيو) المقبل، لإجراء الاقتراع نهاية 2023، كما أنها تعتمد على تهيئة المسارين الأمني والعسكري، بما يضمن سلامة الأجواء المحيطة بالانتخابات. لكنه رفض تحديد تاريخ معين للانتخابات، وقال: “لا يمكن تحديد موعد للانتخابات قبل الانتهاء من إعداد القوانين والاتفاق عليها، ومن ثم إحالتها إلى مفوضية الانتخابات لبحث القضايا الأخرى المتعلقة بالعملية الانتخابية”. كما أكد رفضه “التدخل الخارجي”، موضحاً أن اللجنة الرفيعة المستوى التي اقترحها للتمهيد للانتخابات “ستشكل من الأطراف الليبية، وستعمل على صوغ مدونة سلوك للمرشحين وتضمينها في القاعدة الدستورية، وستكون مخولة تنفيذ المبادرة الأممية، لكنها لا تحمل حلاً من الخارج ولا تهدف إلى تجاوز الأطراف السياسية المحلية”. وأضاف: “اللجنة ليست من ولاية البعثة الأممية، ولا نستطيع فرض أسماء داخل هذه اللجنة، كل الجهات الفاعلة في ليبيا ستكون في صلب العملية عبر حوار ليبي – ليبي، والبعثة الأممية لن تختار أعضاء اللجنة، بل ستقوم الأطراف والدوائر المعنية بالموضوعات المختلفة والقضايا السياسية والأمنية بتسمية من سيتحدث بالنيابة عنها”.

وتطرق باثيلي في مؤتمره الصحافي إلى الملف الأمني وتشابكه مع السياسي، وقال: “نتحرك مع الجهات العسكرية الفاعلة على الأرض، ونرى ما هي مقترحاتها والخطوات التي يمكن العمل عليها معها لتقديم الدعم لإجراء الاقتراع”، من دون أن يوضح أيضاً تفاصيل التعاون المفترض أن يحدث بين قوات شرق ليبيا وغربها، مكتفياً بالقول: “بالفعل بدأنا هذه النقاشات مع القادة الأمنيين بداية بالنقاش مع اللجنة العسكرية المشتركة (5+ 5) والجماعات المسلحة”، قبل أن يلقي بالمسؤولية على لجنة (5+5)، مشيراً إلى أنها “ستتولى إجراء الحوارات الأمنية لتهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية، فيما ستقوم البعثة الأممية بتيسير المشاورات”، لافتاً إلى اعتزامه إجراء لقاءات أمنية أخرى وخوض نقاشات لتسهيل الوصول إلى حلول، “وعندما تأتي الحلول من جميع الأطراف نكون قد سهلنا الطريق إلى الانتخابات”.

تجيير تصريحات باثيلي

وفي ردود الفعل الأولى على تصريحات باثيلي، بدا أن كل الأطراف المتصارعة تسعى إلى توجيه تصريحات باثيلي نحو وجهات نظرها، فرئيس حكومة “الوحدة الوطنية” عبد الحميد الدبيبة، حرص على تأكيد دعمه جهود الموفد الأممي. وقال عبر حسابه على “فايسبوك”: “تعبير المجتمع الدولي اليوم عن خيبة أمله من جدية الجهات التشريعية في الانتخابات، عبر وصف المبعوث الأممي مماطلتها بأنها اتفقت على ألا تتفق، يتسق مع موقفنا منذ البداية بأن مشكلة الانتخابات هي قصور الجهات التشريعية في إيجاد قوانين قابلة للتنفيذ وعادلة ونزيهة في الوقت نفسه”.

أما رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري فقال في تغريدة على حسابه بـ”تويتر” إن “الإرادة السياسية موجودة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفق قوانين انتخابية تراعي القوانين المنظمة للعمل السياسي والجنسية وتنظيم القوات المسلحة، وتعهدات ملتقى جنيف، وتشارك فيها الأحزاب والشباب والمرأة وتجمع كل مكوّنات المجتمع الليبي قبل نهاية هذا العام”.

غموض

واعتبر عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة أن تصريحات باثيلي “واضحة ولم تخرج عما اتفق عليه مجلسا النواب والدولة”، لكنه لفت في تصريح إلى “النهار العربي” إلى أن “هناك فقط جانباً واحداً غامضاً لم يتطرق له باثيلي، وهو السلطة التنفيذية الموحدة التي يجب أن تكون موجودة للإشراف على الانتخابات”. وأضاف: “مهمة اللجنة الرفيعة المستوى التي طرحها الموفد الأممي، مهمتها ليست واضحة بعد”.

أما رئيس “تجمع تكنوقراط ليبيا” أشرف بلها، فلم ير “شيئاً مختلفاً في حديث الموفد الأممي”. ورأى أن البعثة الأممية “لا تزال تلتمس طريقها في ظل تناقضات المواقف الداخلية والدولية”. وأضاف لـ”النهار العربي”: “مبادرة باثيلي تفتقر إلى الإطار التأسيسي الواضح وإلى الترتيب الزمني المحدد، ونخشى أن ينتهي هذا العام من دون إجراء الانتخابات بسبب الصياغات المبهمة لمبادرة باثيلي”.

لكن المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش، يرى أن الضغوط الدولية على مجلسي النواب والدولة “من شأنها أن تؤثر إيجاباً في الوضع المحلي، وتقديم الأطراف التي تعمل على إطالة عمر الأزمة مجموعة من التنازلات حتى يتسنى تنظيم الانتخابات في أقرب وقت ممكن”، معتبراً في تصريح إلى “النهار العربي” أن مجلسي النواب والأعلى للدولة “يتحملان مسؤولية التدخلات الدولية في الملف الليبي، من خلال تعطيل العملية الانتخابية خدمة لمصالحهما الشخصية”. وقال: “هناك 3 ملايين من المواطنين في ليبيا ينتظرون منذ سنوات عديدة رجوع الشرعية إليهم، لكن هذه الأجسام السياسية تصر على عدم إرجاع الأمانة لأهلها”.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى