قراءة في رواية : الموتى يلقون النكات

أحمد العربي

صدرت رواية الموتى يلقون النكات للكاتب السوري حسين علي الزعبي المنتمي للثورة السورية عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول. هذا اول عمل اقرأه للكاتب.

الموتى يلقون النكات رواية كتبت بلغة المتكلم على لسان أبطالها الكثيرين، او على لسان الراوي. زمان الرواية هو زمان الثورة السورية التي اندلعت في ربيع عام ٢٠١١م. والمكان سوريا كلها ميدانا للحدث المباشر في سنوات الثورة داخل سوريا وفي بلاد المنافي ، مصر،لبنان، فرنسا ، ألمانيا، تركيا… الخ.

 أما الشخصيات المحورية في الرواية فهم صوفي الفرنسية وهند ومايا و فراس ومالك واصلان والدكتور نادر وابنه احمد السوريين وكثيرين آخرين، يعبرون الحدث الروائي ويكوّنون معناه ومساراته ومآلاته…

اعتمدت الرواية على تتبع الحدث السوري الاستثنائي وهو الثورة عبر هؤلاء الأشخاص وكل في موقعه. فردا او جماعة، متقاطعين في الحدث الروائي أو منفصلين. كلهم يقبض على حصته من متابعة حياته داخل سوريا او خارجها، بصفته نسيج الرواية واحد رواتها، لكل خيوطه التي يحيك من خلالها الرواية التي تكتمل مع أواخرها. تكتمل بمعنى انها تصل الى مآلات تعطي انطباعات عن ثورتنا المغدورة من خلال النهايات المأساوية لأغلب ابطالها…

لا حديث عن مسار عام في الرواية، لكن الابطال سيتحدثون تباعا وعبر التقاطع بينهم ودون أي فاصل بين احدهم والاخر حتى تقول الرواية ما حصل في سوريا…

ونحن هنا نعيد سرد ما أرادت الرواية ان تقوله بتركيز، عبر الآلية التي فصّلت الحديث عنها آنفا.

تعود الرواية الى الزمن السوري الممتد تحت حكم النظام الاستبدادي عبر عقود لتوضيح ما عاشه الناس في سوريا من ظلم واستبداد وقهر وفساد وفقر وهيمنة مطلقة للجيش والأمن الطائفي على حياة الناس، وصمت الناس وقبولهم الذل خوفا على حياتهم، فسوريا دخلت محاولة الثورة وإن كانت ناقصة في الثمانينات من القرن الماضي، وكان قمع النظام والبطش بالقوى المعارضة وبالناس وسقوط آلاف الضحايا درسا للناس ان يتقبلوا حياتهم بكل مآسيها على ان يفكروا بالثورة أو التحرك لمواجهة النظام والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل…

لكن الربيع العربي الذي بدأ في تونس وانتقل لمصر وليبيا واليمن واسقط المستبدين هناك قدم للسوريين نموذجا يجب ان يٌحتذى وبدأت من التاجر الذي واجه الشرطي في الحريقة بمدينة دمشق قائلا الشعب السوري ما بينذل وبعدها المظاهرة الصغيرة أمام الجامع الأموي، ثم أطفال درعا الذين كتبوا عباراتهم التي أخافت النظام مما أدى إلى اعتقالهم وقتلهم . من درعا بدأ حراك الثورة و التظاهر الذي سرعان ما امتد إلى كل سوريا.

النظام لم يتقبل هذا الحراك ولم يقبل ان يقدم اي تنازل للشعب السوري واعتمد العنف وتوسع حتى استخدم السلاح. وسقط الشهداء وتوسع الاندفاع الشعبي. انتقل النظام بعنفه إلى مرحلة الأرض المحروقة وقتل المتظاهرين وحاضنتهم الشعبية وتدمير المدن والبلدات الثائرة.

دفع ذلك المتظاهرين للرد بتشكيل نويّات الجيش الحر للدفاع عن المتظاهرين ومواجهة النظام وقواته بتواضع امكانياتهم…

أصبح الحدث السوري مركز جذب دولي لكل اصحاب المصالح، استنجد النظام بالروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية نموذجهم حزب الله اللبناني. كذلك مدت أمريكا والغرب ودول خليجية يد العون بالسلاح والمال لكثير من المجموعات المسلحة التي حاربت النظام، لكن بقي الدعم دون إمكانية إسقاط النظام ؟!.. استمرار الصراع دون حسمه لصالح النظام او الثوار. لكل دولة أجندتها ومصالحها. و الثوار المقاتلين يبحثون عن معين. حضر المرتزقة والانتهازيين وتجار الحروب الذين لبسوا لبوس الثوار وعملوا لتحقيق أجنداتهم ومصالحهم الخاصة. هذا غير تدفق المقاتلين العرب والأجانب مع  إفراج النظام عن الجهاديين الإسلاميين من السجون الذين سوف ينتجون داعش والقاعدة والنصرة في سوريا لاحقا…

 أصبح الصراع على الأرض في سوريا منتجا للقتل والتهجير والتدمير، وتوسع الصراع وتنوع الفاعلين ودوافعهم . تحررت اغلب سوريا من سيطرة النظام. لكنه أعيد اغلبها لتكون تحت سيطرة داعش والنصرة. و تدخلت روسيا بقواتها الجوية وجاءت إيران وحزب الله، وأصبحت سوريا ساحة صراع حرب دولية…

 أين أصبحت الثورة ؟. ، لقد أهدرها الاعداء والاصدقاء. وما مصير الثوار.؟. لقد استشهد الكثير منهم في سجون النظام و معتقلاته و في معارك غير متكافئة مع النظام وحلفائه أو في مواجهة داعش…

تجاوز عدد الضحايا المليون إنسان في سوريا بعد سنوات من بداية الثورة السورية. ومثلهم المصابين والمعاقين. هرب وهاجر داخل سوريا وخارجها اثنا عشر مليون إنسان سوري. مخيمات في دول الجوار لبنان والأردن ومهجرين في العراق ومصر وتركيا واوروبا والعالم. سوريا مدمر اغلبها، محتلة من الروس والأمريكان والايرانيين والميليشيات الطائفية، هذا غير التواجد التركي الداعم للثوار في الشمال السوري المحرر. وكذلك سيطرة حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري الـ ب ي د وقوات سوريا الديمقراطية برعاية النظام بداية ثم ليكون اداة أمريكا لمحاربة داعش ومن ثم إعلان حكمه الذاتي الكردي وبناء دولته في شرق الفرات وشمال شرق سوريا واضعا يده على سلة غذاء سوريا وعلى نفطها وغازها…

في كل الرواية يتابع ابطال الرواية الثوار سرد الحكاية السورية. فراس الثائر الذي وصل إلى فرنسا هارب من موت محقق في سوريا متحدثا الى صديقته الفرنسية التي أحبته وتفهمت قضيته. وصل هناك وأصيب بالسرطان أراد أن يكتب قصة الثورة على شكل رواية عاجلة السرطان وقتله قبل إكمال روايته…

مالك الثائر ايام التظاهر والمقاتل في صفوف الجيش الحر الذي أصيب بشظية في رأسه وبعد معالجته أصيب بتغيرات في مزاجه هرب الى أوروبا بصحبة صديقه الثائر الآخر انس… استطاعا الوصول إلى ألمانيا مالك لم يتكيف أدمن على المخدرات …

نايا وهند واصلان: نايا صديقة هند وصلتا إلى مصر هربا من سوريا. كذلك اصلان ابن الثورة الذي كان هربه إلى مصر إنقاذا له من اعتقال وقتل من قبل النظام. احب نايا واحبته نايا الفتاة المنتمية للثورة وكذلك والدها الثري المحمي من شبكة علاقات سلطوية. نايا المتزوجة الغير متوافقة مع زوجها ولديها طفلة أصرت على الطلاق وحصلت عليه. سافرت الى حبيبها اصلان في مصر تزوجا وعاشت معه أشهر عادت لسوريا لترى أهلها وابنتها. وهناك اعتقلت واغتصبت وعذبت وحولت الى سجن صيدنايا لتعيش جحيما آخر … لم يستطع والدها فعل شيء لإنقاذها. اصلان حبيبها وزوجها. انتحر غرقا راميا نفسه في النيل…

الدكتور نادر طبيب الثورة  المعتقل السابق لعقد ونصف من الزمن الذي بقي يعالج الناس في المناطق الثائرة ثم المحاصرة. وعندما قرر الخروج من حيث هو جاءته قذيفة وقتلته وبعض من معه. وأمه ماتت في لبنان وابنه الذي لم يره في حياته حيث عاش مع أمه في فرنسا. جاء من فرنسا ليشاهد والده الذي قتل عادت جذوة الانتماء لنفسه قرر العودة لسوريا مشاركا بثورة تحتضر…

وغيرهم وغيرهم…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

لا استطيع تجاوز الحديث عن أسلوب الرواية الذي فصلت عنه اول القراءة. ان الحكاية تفرض نفسها وعلى لسان رواتها أكثر. بحيث تجد نفسك تتابع الحكاية ذاتها على لسان أبطالها وكل عبر حكايته الشخصية في مكانه وزمانه وتفاصيل وضعه الشخصي لتكتمل مجموع الرواية بأنها ها هي قصة الثورة السورية بلسان وواقع حال الثوار في الميدان وفي مغترباتهم في حياتهم وفي موتهم…

أعادت الرواية باتقان ودون استعراض سياسي فج سرد قصة الشعب السوري مع المظلومية المجتمعية كاملة وأجابت عن سؤال مهم: لماذا قامت الثورة السورية ؟…

صحيح ان مصائر الشخصيات مأساوية بأغلبها في الرواية، ادمان، موت بالسرطان ، انتحار… لكنها لا تغطي على حقيقة أن كثير من الملايين السوريين الذين توزعوا في دول العالم قد بدؤوا حياة جديدة ونجحوا بها… كما ان قاع المأساة السورية مستمرة في المخيمات وفي بعض الدول واصبح الانسان السوري سلعة في سوق النخاسة الدولية مع الاسف…

لن يغيب عن بالي كيف سرد الرواية  قصة الثورة السورية مصبوغة بلحم ودم وعواطف ومشاعر ابطالها. فهم ينتمون لعائلات ولهم قصصهم الاجتماعية ومظلوميتهم الخاصة ولهم حبهم وولعهم وشغفهم وصداقتهم ووفائهم وانتماءاتهم الصادقة التي جعلتهم يقدمون حياتهم ثمنا لقيم عظمى في حياتهم… الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية أسمى القيم  وأنبل الأهداف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى