لم يعد سؤال “من أي العمام (عشيرة) أنت؟” عند أبناء العشائر طبيعيًا في سورية، في ظل الانقسامات التي أصابت نسيج المجتمع السوري بفعل الحرب المستمرة منذ نحو عشر سنوات، والتي لم تستثنِ العشائر بطبيعة الحال، وبناء على هذا الواقع تحول السؤال السابق إلى “من أي مجلس عشائر أنت؟”.
هذه هي الحال بعد أن صارت العشائر والقبائل السورية ممثلة بثلاثة مجالس على أقل تقدير، اثنان في الداخل، وواحد في الخارج يمتلك مكاتب في أجزاء من الداخل السوري، إلا أن أيًا من هذه المجالس لا يعترف بالآخر، مع أن جميعها من مشرب واحد.
عشيرة بثلاثة مجالس
دفعت التحولات التي شهدها المجتمع السوري إلى الحد من تأثير العشائر والثقافة العشائرية على الحياة الخاصة والعامة، ما أسهم في تفكك جسم العشيرة الواحدة إلى عدة أقسام، كل منها لديه موقف مختلف عن الآخر.
وأحدث هذا التفكك انقسامًا أكبر في شكل تجمع العشائر السورية بشكل عام، فمن غير المنطقي أن يكون كل أبناء العشيرة على رأي واحد، لجهة الوقوف مع الحراك الشعبي ضد النظام السوري، أو مع النظام في كبح جماح الثائرين عليه، أو مع “الإدارة الذاتية” في وجه التوجهين السابقين.
وشهد مطلع عام 2019 سباقًا محمومًا بين القوى الفاعلة في سوريا، كانت ورقة العشائر هي الهدف، إذ سعى المتسابقون وفي وقت واحد إلى إظهار السيطرة على هذه الورقة، عبر عقد اجتماعات ودعوة الآلاف من أبناء العشائر لحضورها.
وبذل النظام جهدًا كبيرًا لكسب دعم العشائر التي تقع في نطاق نفوذه، فأعلن أواخر كانون الثاني 2019، عن عقد اجتماع عشائري في منطقة أثريا بريف الرقة، حضره المئات من الشخصيات العشائرية المساندة للنظام، والذين يعيشون في مناطق سيطرته، إضافة لحضور بعض الشخصيات العشائرية العراقية المعروفة بولائها لإيران.
بالتزامن مع هذا الاجتماع، ونظرًا لإدراك أهمية الدور الذي تلعبه العشائر في المشهد السوري الحالي، دعت تركيا إلى اجتماع آخر للعشائر السورية في منطقة اعزاز الحدودية، تبعه اجتماع في منطقة سجو، حضره نحو 150 شخصية عشائرية إضافة لرئيس “الائتلاف المعارض”، وانتهى إلى الإعلان عن تشكيل “المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية”، و”مجلس الأعيان”.
أما “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، المدعومة أمريكيًا، فقد سعت أيضًا وفي الفترة ذاتها، لإظهار قدرتها على الإمساك بطرف من ورقة العشائر، فجمعت الآلاف من الذين يعيشون ضمن نطاق سيطرتها، وأقامت لهم اجتماعًا في منطقة عين عيسى بريف الرقة التي تمثل العاصمة الإدارية لها.
صور تعكس الواقع
يمكن تلخيص الواقع العشائري الحالي في سوريا بثلاث صور، الأولى ترتسم في تسابق عدد من أعضاء “مجلس العشائر” في مناطق “الإدارة الذاتية” في أكثر من مرة على إلباس مسؤول أمريكي عباءة عربية، وهذا التقليد في الأصل يدل على مبايعة من أبناء العشيرة لسيدهم وزعيمهم الجديد، إضافة إلى ذلك فإن لهذا التقليد استخدامات أخرى، تندرج في إطار إكرام الضيف، إلا أن هذا يحدث في حالة طبيعية بعيدة عن الاستقطاب وتصارع القوى كما هو حاصل الآن.
الثانية، تمثلت بإنشاء “مجلس للقبائل والعشائر السورية” في مدينة اعزاز بريف حلب الخاضعة لسلطة المعارضة السورية، وهذا المجلس لا يخفي دعمه منذ ولادته لسياسة الجارة تركيا في سوريا، لجهة العمليات العسكرية التي تقوم من خلالها باستهداف “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، إضافة إلى الانسجام مع موقف أنقرة الرافض لمشروع “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا.
أما الثالثة، فتجسدت في جمع النظام السوري عشرات العشائر والقبائل السورية في ريف حلب الشرقي، لا لتوحيد كلمتهم وتشكيل مجلس موحد لهم ينظر في حالة التشتت التي وصلت إليها العشائر السورية، بل لتشكيل وحدة مقاتلة ضد الوجود الأمريكي والفرنسي والتركي، إضافة إلى إعلان الرفض التام لمشروع “الإدارة الذاتية”.
من تلك المشاهد يمكن للمتابع معرفة الحالة الصعبة التي وصلت إليها التركيبة العشائرية في سوريا، وهي صورة مغايرة لتاريخ العشائر التي لعبت دورًا اجتماعيًا وسياسيًا أساسيًا في المشهد السوري، على مر التاريخ.
رؤى مختلفة
يرى عضو الهيئة العامة والمؤسس لـ”مجلس القبائل والعشائر السورية“، الشيخ مضر الأسعد، في حديث لعنب بلدي، أن المجالس العشائرية في مناطق النظام و”الإدارة الذاتية” هي مجرد تجمعات تقوم بندوات ولقاءات لا ترقى لتكون مجالس بهيكلية منظمة.
وأوضح أن مجالس النظام و”الإدارة الذاتية” تفتقد لوجود رئيس وأعضاء أو هيئة عامة أو مكاتب تنفيذية أو سياسية أو إعلامية أو علاقات عامة، على عكس “مجلس القبائل والعشائر السورية” الذي يتمتع، وفق الأسعد، بهيكلة كاملة.
وأكد الأسعد أن مجلسهم يضم كل الجغرافيا السورية، ولا يستثني القبائل الموجودة حتى في مناطق “الإدارة الذاتية” والنظام، وقال إن هذه القبائل أرسلت لهم كتب تأييد عند تشكيل “مجلس القبائل والعشائر السورية”، مشيرًا إلى أن القبضة الأمنية هي التي تمنعهم من الحديث عن ذلك علنًا.
من جانبه، أكد رئيس المجلس المحلي لبلدة الشحيل وعضو “المجلس التشريعي” التابع لـ”الإدارة الذاتية”، احمود النوفل، في حديث لعنب بلدي، أن مجلسهم (ملتقى العشائر السورية) لا يعترف بأي مجلس آخر للعشائر، “فقط الموجود على الأرض ووسط أهله وشعبه”، وفق تعبيره.
وقال النوفل، إنهم يرفضون التواصل مع النظام، وجميع اللقاءات معه تجري عبر “الإدارة الذاتية”، مؤكدًا أنهم ضد تقسيم سوريا ومع الحفاظ على وحدتها.
أما المجلس الموجود في مناطق النظام السوري، فقد صرح علانية بتخوين كل المجالس التي تنادي بتغيير النظام، رافضًا العمل معها، كما تبنى بيانًا مطولًا من 11 نقطة عكست جميعها خطاب النظام ورؤيته وسياسته في المحافظات السورية وخاصة الشرقية منها.
المصدر: عنب بلدي