هل انتصر الزلزال للأسد

علي محمد شريف

لم يكن ينقص السوريين في شتاء محنتهم الطويل سوى مشهد الموت الجديد، هذه المرّة ليس الأسد بنظامه الإجرامي، كما جرت العادة، المسؤول المباشر عن المقتلة السورية، إنما هو كارثة طبيعية طالت عدداً من الولايات في تركيا ومناطق عديدة في سورية وبخاصة في الشمال الغربيّ منها، وخلفت عشرات الآلاف من الضحايا ودماراً واسعاً في الأبنية والممتلكات وفي المرافق العامة والبنى التحتية.

لطالما كان فناء السوريين الرافضين لطغيانه أمنيةً تمنّاها نظام الإرهاب الأسدي، وقد سعى إلى تحقيق مبتغاه بما لديه من أجهزة أمنية وعسكرية وبما يستحوذ من ذخيرة وأدوات ومعدّات حربية، وبما يتقنه أيضاً من وسائل القتل والتدمير، وحين شعر بالهزيمة والعجز أمام إرادة الشعب استعان بالقوى الخارجية من دول كإيران وروسيا وبالمنظمات الإرهابية وميليشيات المرتزقة لتدمير الدولة وإبادة الإنسان، كي يبقى حاكماً ولو على مقبرة تضمّ رفات البشر وأطلال المدن وبعض الأغنام والكلاب.

وها هو المعتوه المجرم؛ أمام جلال الموت السوريّ وبين أنين الضحايا المختنق تحت ركام الأبنية المتهدمة؛ يتضاحك مع زبانيته المسعورة ومشغليه من المجوس، فقد شعر باقتراب تحقق أمنيته، وبأن الزلزال يقف إلى صفه وينضمّ لجوقته القاتلة، وبأنّ مصفوفة الموت للسوريين بكل أنواعه وأشكاله المتخيلة والممكنة، والتي نفّذ جميع بنودها، كان ينقصها بند القتل بالكوارث الطبيعية، وها هي قد اكتملت بالزلزال انتصاراً لنهج نظامه الإجرامي، كذلك فإن من كان يرفض عودتهم من النازحين والمهجّرين لن يعودوا إلى وطنهم إلاّ جثثاً في توابيت.

على وقع الهزات الارتداديّة المتواترة يحاول الناجون من الزلزال المدمّر القبض على وعيهم المشتت، واستعادة توازنهم المفقود، وأن يحصلوا على ما يمكنهم من البقاء والوقوف، وأن يتأكدوا من أنّ وقتاً إضافياً ما يزال في جعبة أعمارهم، فإلى ما قبل أيام قليلة لم يكن كان هاجس النازح والمهجّر يتجاوز عتبة البحث عما يقيه برد الشتاء القارس، ويردّ عنه غائلة التشرّد وآفة الجوع، أمّا وقد وقع فريسة لما هو أدهى وأمرّ فذاك ما يدعو للتفكير والتدبير أو ربما للهروب، ولكن إلى أين؟

نعم إلى أين؟ هكذا تغدو الحقيقة العارية سؤالاً مبهماً أمام هول الكارثة وكمّ الخذلان الإقليمي والأمميّ.

لم يكتف مجرم الحرب الأسد بتسييس الأزمة الإنسانية المستفحلة بفعل الزلزال والاستثمار على آثاره المدمّرة، لقد وجد فرصته الثمينة في هذه الكارثة لإحياء شبقه في إعادة الاعتبار لموقعه المهدّم وغير القابل للإعمار، إنّ إعادة تدوير قمامته القابعة فوق الجسد السوريّ المدمّى، وتظهيرها كنظام حديدي منتصر على الشعب الرافض لبقائه في عدوان هو فيه المعتدي، وابتزاز المجتمع الدوليّ لتمكينه من الاستئثار بالمساعدات الدولية تحت ذريعة إنقاذ من تبقى من السوريين في مناطق سلطته الأمنية وكذلك في المناطق المتمرّدة الخارجة عن سيطرته، سيجد استجابة، وقل رغبة، لدى هذا المجتمع في إعادة الدم إلى جسده المتيبس، وإعادة تحريك هذه الفزّاعة ضمن ذرائع ليست بمنأى عن اللبوس الأخلاقي، فواقع الحال يقول إنّ تعاطي الأمم المتحدة ومجالسها لم يختلف مع الكارثة التي أحدثها الزلزال المدمّر في سورية عن تعاطيها مع المقتلة السورية المستمرّة التي ارتكبها نظام الأسد وما زال، دون موقف أممي يردع أو يحاسب، ولعل الشواهد على تواطؤ الدول المؤثرة في مجلس الأمن في تجاهل جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبها نظام الإجرام والكبتاغون الأسديّ، وعدم ملاحقته أو تطبيق الفصل السابع بشأن ارتكاباته، ومنع سقوطه، إنما تؤكد على السقوط الأخلاقي للمجتمع الدولي، بل وعلى الاشتراك الجرميّ.

ليست الكوارث الطبيعية مسؤولة عن النتائج الكارثيّة التي حلت بالسوريين وممتلكاتهم، فالطبيعة قد تغضب من الجبن والتشرذم والتخاذل وممن ينسى ثأره مع قاتله، لكنها لا يمكن أن تنحاز أو تنتصر لمن يخالف سننها وقوانينها، إنّ المسؤولية أوّلاً تقع على نظام الإبادة والتدمير والتهجير، هذا ما تؤكده الأرقام المفزعة لأعداد من قضى في الزلزال الأخير تحت ركام الأبنية المهدمة من النازحين والمهجرين في سوريا وتركيا، ثمّ إنّ هذا الزلزال اللحظيّ الذي ليس بالمستطاع تجنبه، لا يمكن أن تقارن آثاره المدمّرة بفداحة وكارثية الزلزال الأسديّ المستمرّ منذ اثني عشر عاماً، والذي كان بالإمكان تجنبه وإنقاذ الشعب السوري من براثنه، لو طبقت القوانين الدولية، إنما بالتأكيد سيستلزم ذلك وجود الإرادة الأممية وحضور الضمير.

ليطمئن المجتمع الدوليّ ومجلس أمنه خالي الضمير، فلم يعد من وجود لسورية التي كنا نعرفها ويعرفها العالم من قبل، ولا عودة لعقارب الزمن إلى الخلف، لكن الأطراف المتصارعة على صياغة العقد السوري بما يناسب داعمي فزاعة النظام المافيويّ، لا يمكنها أبداً، أن تفرض رؤيتها القاصرة على السوريين، ولن تفلح في إعادة الروح لشيطان بات بحكم جثة متعفنة، لقد ورث السوريّون غضب الأرض وسيمتثلون لما تمليه على قلوبهم وعقولهم إرادة السماء.

 

المصدر: إشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى