ما بعد الزلزال… خبراء الاقتصاد لـ”نداء بوست”: فاتورة الزلزال مليارات الدولارات وشرخ في ذاكرة الإنسانية

كندة الأحمد

بعد مرور 9 أيام على الزلزال المدمر الذي ضرب الجارتين تركيا وسورية تحديداً في تمام الساعة 4:17 صباح يوم الاثنين 6 فبراير استفاق العالم على كارثة لم يَعْتَد عليها أحد رغم تكرارها مخلفةً وراءها الآلاف من الضحايا والمئات من الجرحى والمفقودين الذين لا يزالون تحت الأنقاض حتى الآن وانهياراً شبه كامل للأبنية في المدن الواقعة في إقليم “الأناضول” وصولاً لإقليم “أكدنيز” في تركيا، كما وصل الزلزال إلى مدينة حلب، إدلب، واللاذقية في سورية.

زلزال يعادل 500 قنبلة نووية

أسوأ كارثة إنسانية خلال 100 عام كان مركزها مدينة “كهرمان مرعش” في تركيا 7.8 درجة على مقياس ريختر بقوة مدمرة عادت أضرارها على 10 ولايات في تركيا منها: “كهرمان مرعش، أنطاكيا، غازي عنتاب، كلس، أديامان، العثمانية، شانلي أورفا، ديار بكر، أضنة” إضافةً إلى مناطق شمال غرب سورية خلفت وراءها حتى الآن أكثر من 31 ألف قتيل في تركيا بحسب الرئاسة التركية و2.274 في سورية وفق إحصائية الدفاع المدني السوري.

الزلزال أقوى بثلاثة أضعاف من زلزال 1999

لم تقتصر الخسائر على الأرواح فقط بل طالت العديد من المباني السكنية وألحقت ضرراً كبيراً في البنى التحتية مما جعلها مناطق منكوبة وفق ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معلناً بذلك حالة الطوارئ لمدة ثلاث أشهر في 10 ولايات في كافة البلاد مضيفاً أن 20 مليون مواطن تركي تضرروا من كارثة الزلزال، كما بلغ عدد المتضررين من الكارثة في سورية 5 ملايين.

الخسائر بمليارات الدولارات

قدرت الخسائر بمليارات الدولارات حسب ما ذكر اتحاد الشركات والأعمال في تركيا بأن حجم الأضرار يقدر بأكثر من 84 مليار دولار، أو ما يناهز 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد كما أشار الاتحاد إلى أن الخسائر في القوة العاملة قد تكلّف اقتصاد البلاد 2.9 مليار دولار، بحسب ما نقلت صحيفة “بلومبيرغ”.

وفي سورية شهدت مناطق الشمال الغربي من البلاد دماراً جديداً وانهياراً كاملاً للمباني بعد سنوات الحرب الطاحنة التي ضربت البنى التحتية للبلاد نتيجة القصف الممنهج الذي اتبعته قوات النظام السوري لقصف المدن التي خرجت عن سيطرتها لتخرج بذلك أبنية هشة غير مقاومة للزلازل.

يقول الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات “خالد تركاوي” لـ “نداء بوست”: الأمر معقد بالنسبة لتركيا نوعاً ما لأنها مركز وقوع الزلزال وهناك مدن دُمرت بالكامل كمدينة أنطاكيا وكهرمان مرعش، قدرت خسائرها بما يقارب 15 مليار دولار تكلفة مباشرة كتكلفة البناء وتكلفة أخرى والتكاليف غير المباشرة كالإنشاءات السكنية وتوقف اليد العاملة وبالتالي انقطاع الرواتب للعاملين في كافة البلاد”.

وأضاف “تركاوي” أن الحكومة التركية قامت بصرف 5 مليارات دولار بشكل طارئ على العملية الإغاثية والمساعدات الإنسانية وبالتالي هناك كلف إضافية وآثار قصيرة الأمد كارتفاع في سعر السلع على سبيل المثال مدينة هاتاي تغطي الجزء الأكبر من السلع الزراعية وهي أساساً مدينة تعتمد على الزراعة بشكل رئيسي”.

أما مدينة غازي عنتاب فتسهم في 10% من الصادرات التركية وهو رقم ضخم مقارنة بولاية واحدة من تركيا بالإضافة إلى مؤثرات أخرى كنقص اليد العاملة في المؤسسات وانعكاسها على كافة البلاد في ظل انخفاض حجم الصادرات وحجم الناتج المحلي.

كما يرى “تركاوي” أنه على المدى البعيد يمكن أن يكون هناك إعادة إعمار في سوق العقارات وهو سوق جاذبة في دولة مثل تركيا لكن هذا يحتاج عدة أشهر”.

وتعليقاً على الآثار المترتبة وانعكاسها على سياسة النظام العالمي أجاب “تركاوي”: هناك العديد من الكوارث الطبيعية التي كان لها سابقاً أثر قصير الأمد كحرائق الغابات والفيضانات
وأزمة كورونا على تركيا ربما هناك بعض القضايا التي لها صلة بالتحالفات السياسية ستنظر تركيا ربما للحلفاء الذين وقفوا بجانبها في الأزمة الكارثية التي تعاني منها وبالتالي هذه حسابات دولية ولها تقييماتها الخاصة”.

آثار الزلزال الضخمة في سورية

وأوضح “تركاوي” في حديثه قائلاً: “إن حجم المساعدات المتأخرة التي وصلت إلى الشمال السوري من ناحية التأثير ومن ناحية الحجم ضعيفة جداً مقارنة بحجم الكارثة التي حصلت في المنطقة وبعيداً عن الأضرار التي تحتاج لإمكانيات كبيرة هناك أزمة إنسانية حقيقية هناك بيوت هُدمت وأيتام وأرامل والمساعدات التي وصلت لا تكفي هناك احتياجات أساسية كـالسلل غذائية ووسائل التدفئة والخيم بالقدر الكافي كان يجب أن توزع لهؤلاء المنكوبين”.

ونوه “تركاوي” قائلاً: “إن هناك صعوبة تكمن في إعادة بناء الأبنية التي هدمت في الشمال الغربي السوري أولاً الصعوبة الأمنية وعدم استقرار هذه المناطق أمنياً هناك قصف مستمر من قِِبل قوات النظام السوري وهناك مخاوف لإعادة البناء مرة أخرى، ثانياً مادياً كسعر الشقق السكنية بالنسبة للأجور والأوضاع المادية في مناطق الشمال السوري”.

وختم “تركاوي” بقوله “: الآثار الاقتصادية قد لا تكون كبيرة اقتصادياً على دولة مثل تركيا لكنها كبيرة جداً بالنسبة للقاطنين في الشمال السوري أي أن الأضرار نسبياً كبيرة، وهناك عوامل عديدة منها مقاومة الظروف ضعيفة جداً وهناك ضغوط مادية ونفسية وجسدية لم تكن مساعدة لمقاومة هذه الكارثة على المستوى الفردي وهناك أيضاً عوامل على المستوى المجتمعي كالحالات الاجتماعية الصعبة كانتشار المخيمات العشوائية والخيم وهذا ما زاد الوضع أكثر تعقيداً “.

يقول المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي لـ “نداء بوست”: حجم الكارثة الاقتصادية بالنسبة للزلازل يعتمد على عاملين أساسيين قوة الزلزال هل هو أكثر من 5.5 أم أقل وعدد السكان المتضررين لو كان 5.5 فتقريباً تقدر الخسائر 12 ملياراً لكن نحن نتحدث عن قوة الزلزال الحالي التي تتجاوز الـ 7.8 على مقياس ريختر فتقدر خسائره بـ 24 مليار دولار في تركيا وهي أشبه ما يكون بما تعرضت له اليابان 2011 وكلفتها في ذلك الوقت 231 مليار دولار لكن حجم البشر المتضررين كان يفوق 100 مليون شخص وفي كاليفورنيا في عام 1994 حصل زلزال بقوة 6.7 كان حجم الأضرار حوالي 64 مليار دولار .

وأضاف “القاضي” أن الوضع في سورية أكثر سوءاً، أولاً لا يوجد سيادة على الأرض السورية وبالتالي لا توجد إحصائيات حقيقية لأن المناطق المنكوبة هي نفسها المناطق التي تعرضت لقصف وصواريخ وبراميل وتهدمت على مدى أكثر من عشر سنوات”.

كما يرى “القاضي” أن التقديرات الأولية قد تصل إلى 100 مليار دولار وهذا يتضمن التعويضات وخسائر الأرواح وخسائر النشاطات الاقتصادية وإعادة إعمار المباني بحيث تقاوم الزلازل وتستخدم أفضل مواد البناء من الأسمنت والحديد “.

ونوه “القاضي” بأنه يجب الاستفادة من الخبرة اليابانية باستخدام الدعامات الفولاذية المرنة واقترح التعاقد مع شركات يابانية متخصصة ليس للبناء ولكن للإشراف والتأكد من مواد البناء ومقاومة المباني بشكل حقيقي بعيداً عن الفساد المنتشر في البلديات والمطورين العقاريين والشركات التنفيذية”.

كيف حدث الزلزال المدمر؟

الزلازل هي كارثة طبيعية منذ ملايين السنين تحدث بفعل تحرك الصفائح التكتونية تحت الأرض بعد أن ترتطم ببعضها البعض مسببةً الزلازل، وتقع تركيا فوق هذه الصفائح التكتونية الأوراسية العربية وصفائح الأناضول والصفائح الإفريقية وتتحرك هذه الصفائح بعكس عقارب الساعة وتظهر بيانات الأقمار الصناعية حركة الصفائح وانزياحها بنحو ثلاثة أمتار باتجاه الغرب

كانت قوة الارتطام تعادل طاقة 500 قنبلة نووية من قنابل هيروشيما تحت الأرض هذه كانت بالنسبة لطاقة الزلزال الأول الذي حدث في تمام الساعة 4:17 في مدينة كهرمان مرعش مُشكلةً بعد ذلك فجوة كبيرة في المدينة نتيجة الحركة تحت الأرض أدى ذلك لتضرر 20 مليون شخص في تركيا و5 ملايين في سورية كما بلغ عدد الضحايا أكثر من 37 ألفاً وتضرر أكثر من 50 ألف مبنى بين متصدع ومبنى آيل للسقوط.

 

 المصدر: نداء بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى