كورونا بين الخفايا … وآفاق المعالجة (3)

علي العمر

أكدنا سابقاً أن جائحة الكورونا تحمل من أخطار بحد ذاتها، وبما تنذر به من أوبئة لاحقة، وأوبئة سبقتها بالفعل، ما لا يستبقي أي متسع من التهاون في تشخيص أسبابها وعواملها الحقيقية! ولئن صحت هذه الأخطار قيراطاً جراء اختزال الجائحة في حدودها البيولوجية فقط، فهي تصح أضعافاً جراء استخدامها كفزاعة لتعطيل صحوة الشعوب، واستنزاف طاقاتها في لعبة المضاربات السياسية والدعائية والشوفينية الظلامية!!
والواقع أن الكورونا تمثل فرعاً من سلسلة أوبئة وجائحات ظهرت في العقود الأخيرة، بما فيها الإيبولا وسارز والأيدز والجمرة الخبيثة وانفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر… فضلا عن أشكال السرطان المختلفة …الخ. وأهم ما يلفت في هذه الأوبئة جميعاً، هو استمرار مظاهر الغموض التي يحيطها حتى هذه اللحظة، بما في هذا ظهور بعضها المفاجئ ثم اختفاءه المفاجئ أيضاً، الأمر الذي يماثل الكثير من الأحداث السياسية التي عاصرتها وتزامنت معها تقريباً، بما فيها الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والحركات الإرهابية والتفجيرات المشهودة (على طريقة برجي التجارة العالميين) … وصولاً للاغتيالات المريبة التي ظلت طي الغموض بدءاً من اغتيال جون كندي وإسحاق رابين ورفيق الحريري وسواهم!! غاية القول إن هذه الاوبئة جميعاً، تشكل حصيلة منظومة متكاملة من السياسات الجارية على الصعيد الاقتصادي والبيئي والسياسي والتقني والعسكري والإعلامي والاستخباري.. الخ، التي تفسر وتكمل بعضها بعضاً. كما تقف وراءها وتسندها منظومة أخرى من المعايير العقلية والثقافية والاخلاقية التي تعبر مجتمعة عن نظرة مدمرة للكون والطبيعة والتاريخ ووجهة التقدم إجمالاً! وقد قام مئات الباحثين بتفنيد هذه السياسات جميعاً، وفضح عيوبها وعواقبها ولا سيما داخل المجتمعات الغربية، مما لا يتسع المقال لذكرها، لهذا سنكتفي بالإشارة لعناوينها وعواقبها كما يلي:
1- على المستوى الاقتصادي والتقني انتشرت حمى الإنتاج للإنتاج، والاستهلاك للاستهلاك، والتي صاحبها ترويج ثقافة جماهيرية إعلانية معممة بحسب وصف المفكرين الغربيين، لاصطناع رغبات استهلاكية زائفة لا نهاية لها لخداع الجمهور. فضلا عن تسعير أولويات تصنيع مدمرة تشمل الهندسة الوراثية، والتدخل الوراثي في جينات الأجناس المختلفة، الحيوانية والنباتية، بما فيها الهدرجة والهرمنة وغيرها، وصولاً لاستنساخ المواد الحيوية بل استنساخ البشر أيضاً!!
2- وعلى المستوى البيئي، تطلبت الأولويات الآنفة تعريض التوازن البيئي بأسره للاختلال والمخاطر المدمرة بما فيها تسميم التربة والهواء ومياه البحار والبحيرات والأنهار (وعموماً مجمل المجال الحيوي للمخلوقات الحية) بالنفايات الكيماوية.. والنووية.. والجرثومية، مع إشاعة التصحر وتمليح التربة وحرق الغابات والتسبب بثقب الأوزون والاحتباس الحراري وانقراض مئات الأجناس الحية وتعريض الجليد القطبي للذوبان، وصولاً لتسميم الفضاء الخارجي وجعله “مزبلة فضائية تحيط بالكرة الأرضية” بحسب تعبير المختصين.. إلخ.
3- وعلى المستوى السياسي والعسكري، وملحقاته الاستخبارية والإعلامية، سيطرت حروب التدخل الخارجي، وإضرام الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، والتواطؤ مع أنظمة الفساد والدكتاتورية، جماعات الإرهاب اليمينية.. والشعبوية.. والعنصرية.. والدينية.. الخ  وأهم ما ينبغي توضيحه في صدد هذه السياسة (الأخيرة) هو انطلاق أصحابها من نظرة ومعايير عقلية وثقافية في التعامل مع الدول والشعوب والثقافات الاخرى، تماثل تعاملها مع البيئة الطبيعية ذاتها، بوصفهما يؤلفان مجرد “موضوع”  للتقدم و مجرد “موضوع” للذات التي تقود التقدم… على ما تحمله هذه النظرة وتلك من آثام وعيوب خطيرة سنذكرها للتو.. عليه فإن السياسة التي تتبعها القوى النافذة على مستوى المعايير العقلية والثقافية والأخلاقية، تشكل مركز الوباء الذي يغذي السياسات الآنفة جميعاً، ويقف بالأحرى وراء مجمل الجائحات والآثام (البيئية وغيرها) التي تهدد البشرية وكوكبها معاً، وربما لنفس السبب فإن توضيح هذه المعايير وفضح عيوبها يشكل أساس الصحوة المرجوة لشعوبنا وللبشرية معاً، مما يقتضي تخصيص هذه المعايير بقليل من التفصيل في حلقة قادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى