أنذرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري مستأجري “التكية السليمانية” في العاصمة دمشق لإخلاء محالهم وإغلاقها بشكل نهائي قبل بداية العام 2023 بغرض ترميم التكية التي من المفترض أن ترعى شؤون ترميمها ومستأجريها وزارة الأوقاف لا وزارة السياحة باعتبارها وقفاً إسلامياً، إلا أن التحقيق في خلفيات الحدث ينتهي عند أسماء الأسد التي هيمنت على المكان باسم منظمتها الشهيرة.
لا ينكر أحد أن التكية السليمانية – بمدرستها ومسجدها – تحتاج إلى الترميم بعد سنوات من الإهمال، ترميم كان يجيب أن يبدأ في سنة 2005، عندما ظهرت التصدعات واختلال في منسوب أرضية وهيكل التكية بشكل صادم، سببه الرئيسي تسرب مياه نهر بردى في الأرض تحت بناء التكية، وسببه الخلفي كما يرى البعض هو الكتلة الإسمنتية الضخمة للفورسيزن.
تواصل موقع تلفزيون سوريا مع بعض شيوخ الكار والحرفيين العاملين في السوق لأكثر من 15 عاماً بعضهم بدأ في العمل بالتكية في السبعينات عندما حولت إلى سوق للحرف الشعبية، وبعضهم الأخر ورث عقود الإيجار من آبائه، وسألهم عن الإخلاء. وقال أبو خالد وهو أحد مستثمري المحال: “لقد أخذوا منا كل شيء، أكثر من 60 محلاً في السوق أغلق إلى أين نذهب والإيجارات لا تحتمل خارج السوق؟”
بينما أفاد محمد وهو حرفي في السوق: “وزارة السياحة سحبت يدها عن التكية السليمانية، وألغت عقود الإيجار لكل المحال قاطبة بحجة الترميم!”
وعند سؤالهم عن إمكانيات عودتهم إلى أعمالهم في السوق بعد الترميم وإمكانية تجديد العقود؛ أجمعوا أنه لن يكون هناك بعد الترميم أي عودة لشاغلي السوق الحاليين، فالأمر أصبح بيد الأمانة السورية للتنمية التي تديرها أسماء الأسد وتسيطر من خلالها على العديد من النواحي الاقتصادية في سوريا.
تأجير المحال لزوجات وبنات ضباط النظام
أحد الحرفيين الذين تواصلت معهم كان قد أُخرِجَ من محله في نهاية سنة 2020 عندما أنذرت “وزارة السياحة” بعض المستأجرين لديها من المحال الـ 100 في التكية بإخلاء محالهم ورفضوا أن يجددوا لهم عقودهم، فيصدم بعد أشهر أن بعض المحال المأخوذة منهم تم تأجيرها إلى مجموعة من المقربين من السلطة بينهن زوجات وبنات ضباط في جيش النظام.
اللافت حينها أن السيدات لم يكنّ على معرفة أو إلمام بالحرف السورية والأعمال اليدوية التقليدية، وحولن المحال إلى بازارات لبيع الصناديق الخشبية والنحاسيات المصنعة في ورشات يعمل بها حرفيون من الغوطة. والمثير للسخرية أن بعض هؤلاء النسوة قمن بتوظيف الحرفيين المطرودين قسراً من السوق كبائعين في محالهنَّ، وهكذا تحول مستثمر المحل الأصلي والحرفي إلى مجرد موظف مبيعات؛ كون أهل السوق والمترددين عليه يألفون وجوههم. استغلال واضح لحاجة الحرفيين المالية والعاطفية في البقاء بالمكان الذي آلفوه لفترات طويلة من حياتهم.
وتم الإعلان في آب / أغسطس من 2019 عن أن المديرية العامة للآثار والمتاحف ستعيد تأهيل التكية السليمانية الآيلة للسقوط؛ وبالفعل تم إغلاق 40 متجراً من جهة بابها المطل على المتحف الحربي وصولاً إلى الباب الأوسط وتمت إحاطة المنطقة المحيطة بها بحواجز معدنية وبوابات تمنع دخول أي شخص أو النظر إليها، وشاع بين الحرفيين وموظفي وزارة السياحة أن الترميم تقوم فيه الأمانة السورية وبأنهُ سيكون مشروعاً استثمارياً خاصاً بها يُرجح أن يستمر لـ 99 عاماً.
تسلل الأمانة السورية للتكية السليمانية
بالتزامن مع بدء أعمال الترميم شاع اسم متاجر “أبهة”، التي دخلت سوق المهن في 2015 وبدأت بــ 6 محلات من السوق لتنتهي في 2022 بسلسلة من المتاجر المتتالية التي تمتد على طول الطريق في سوق الحرف والمحصورة بين باب التكية الشمالي الواصل بمنطقة الحلبوني والباب الواصل بين سوق الحرف والتكية ومدرستها.
“أبهة” أو السورية للحرف تًمثل أحد برامج ومؤسسات “الأمانة السورية للتنمية”، ويتم عبرها إعادة توصيف للحرف السورية اليدوية وتصديرها على أنها جهدٌ وعملُ فريق تقودهُ زوجة رأس النظام لتُحافظ على التراث السوري من الاندثار بسبب الحرب، أو لنقل أنه محاولة منها لتربط وجود منتجات التراث السوري الممتد لمئات إن لم يكن لآلاف السنين بوجودها هي شخصياً اليوم، وتصدير هذه الصورة بشكل مباشر للعالم لتلميع صورة النظام.
قبل أن يتم إفراغ سوق المهن اليدوية في التكية ببضعة أشهر كانت العلامة الفاخرة لـ “أبهة” تجذب الأنظار، فيكفي لأي شخص عابر للسوق أن يشاهد في متاجر أبهة اليدوية نولاً كبيراً ورجلاً في الستين من عمره – وهو من قلة العاملين على النول المتبقين في سوريا – يعرض نسج النول للعامة، كأي مجسم عرض مبتذل، ترى الحرفي يعمل بعرض مباشر ملموس، فتتحفز وتدخل إلى المتجر الذي يلاصق مكان العرض لتشتري قطعة قماش منسوج بالنول مطرز عليها اسم “أبهة” وبتغليف فاخر جداً وتدفع سعرها أرقاماً خيالية، أو منديلاً صغيراً بحجم الكف قد يصل سعره إلى 15 ألف ليرة سورية وأكثر.
الانهيار الاقتصادي الخانق لسكان دمشق والمحافظات الأخرى، يجعل شراء منتجات السورية للحرف رفاهية لا يمتلكها جل السوريين؛ فمن سيشتري بـ 10$ قطع صابون أو خرقة محاكة يدوياً أو بالنول مع القلة المالية!
أما الإجابة فهي نعم، منطقة الخليج العربي “الإمارات بعد معرض أكسبو للترويج لبضائع السورية للحرف فتح سوقاً لها” والبحرين وخاصة شركة تعود ملكيتها لإياد الأخرس (شقيق أسمار الأسد) وزوجته، شركة تعمل على إكساء وتزيين بيوت الشيوخ بمنتجات السورية للحرف.
ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد سوق لمنتجات “أبهة” في سوريا، فهي ماركة مسجلة تستهدف المرتاحين مادياً في سوريا أيضاً، من أثرياء الحرب والمستفيدين من التهجير وعدم الاستقرار في سوريا، بالإضافة إلى الأثرياء الذين خرجوا من سوريا في بداية الثورة.
ومعهم بعض زوجات طالبي اللجوء في أوروبا اللواتي خرجن من سوريا بطلب “لم شمل” ويقمن بشكل سنوي بزيارة الأهل حاملات مبالغ صغيرة من العملة الصعبة، وقد أعلنت عن ذلك بعض الدول الأوروبية مثل السويد، يأتون سوريا بهدف زيارة الأهل المترافقة بالسياحة والتقاط الصور في الأماكن الأثرية المعروفة ويقومون بشراء التذكارات الدمشقية لمجتمعاتهم الجديدة، ولأبهة – العلامة التجارية المبهرة- بمنتجاتها اليدوية السورية حصة كبيرة من هذه الأموال، خاصة أن منتجاتها لا تُعتبر غالية بالنسبة لهم وتمتلك جودة وتقديماً مميزاً.
هؤلاء يحملون الهدايا ذات الطابع الدمشقي ويطيرون بها إلى أوروبا أو أميركا أو دول الخليج العربي وغيرها، أو الأصح أنهم يحملون رسالة منظمة أسماء الأسد الأمانة السورية للتنمية، والصورة التي ترغب أسماء في الترويج لها كالمحافظة على هذا التراث من الحرب. هناك على الطرف الأخر من العالم يوجد شخص ما يعجب بهدية فاخرة ومتقنة من أبهة، التي ترعاها أسماء الأسد مباشرة.
لماذا لا تقوم وزارة السياحة بتأمين مكان آخر للحرفيين؟
لا تقتصر أوقاف دمشق على التكية السليمانية، بل يوجد الكثير من الأماكن العريقة وغير المستفادة منها اليوم التي يمكن أن تؤمن للحرفيين مكاناً يعملون منهُ وفيه، وعلى سبيل الذكر لا الحصر يوجد لدينا خان أسعد باشا – المستولى عليه من قبل أسماء الأسد أيضاً – الذي يمكن أن يكون مكاناً مثالياً بروح تتماهى مع روح الحرف الدمشقية.
ولكن لنفكر بالأمر لم قد تمنح وزارة السياحة – أو من يحركها – الحرفيين مكاناً ليكونوا مستقلين بنتاجهم في حين يمكن أن تتركهم دون باب رزق وتمنحهم الوقت ليشعروا بالإهمال والقلة، فيقبلوا بأي عرض يقدم لهم للعمل في المشاغل والمتاجر ذاتها التي عملوا بها سابقاً ولكن هذه المرة ليس كأصحاب المكان بل كموظفين فيه، يعملون في متجر أسماء الأسد للشرقيات لتلميع صورة رأس النظام كونه منقذاً للحرف وللتراث السوري الذي لم تدمره القنابل بعد.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا