المعارضة تحشد الآلاف احتجاجاً على سياسات الرئيس وأنصاره يردون بأخرى مضادة ويشككون بأعداد الغاضبين. خرج الآلاف من أنصار المعارضة في تونس، السبت، في احتجاجات بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تنديداً بسياسات الرئيس قيس سعيد وللمطالبة بتنحيه في تحرك هو الأقوى منذ نجاحه بإطاحة خصومه في 25 يوليو (تموز) 2021.
وكانت السلطات سعت في وقت سابق إلى منع بعض الأشخاص من الاحتجاج في ما يشكل تحدياً قوياً للرئيس التونسي الذي واجه المعارضة، أمس الجمعة، بالتأكيد على أن ذكرى الثورة هو 17 ديسمبر (كانون الأول) وليس 14 يناير (كانون الثاني) في إشارة إلى الثورة التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011.
وجاءت تحركات المعارضة لمناسبة هذه الذكرى بعد مرور 12 عاماً عليها وشهدت خلالها البلاد انتقالاً ديمقراطياً متعثراً قادها إلى انهيار اقتصادي وانقسام سياسي قوي. وأكد سعيد في تصريحات له على هامش جولة قام بها، أمس الجمعة، في العاصمة “لا أخاف إلا الله، وهؤلاء خونة” في إشارة واضحة إلى المعارضة التي قامت على امتداد الأيام الماضية بتعبئة قالت إن الهدف منها إسقاط الرئيس التونسي.
وتتهم المعارضة الرئيس بالسعي المستمر إلى التضييق على الحريات من أجل استكمال ما تصفه بانفراده بالسلطة وهي تهم يرفضها سعيد الذي تظاهر عشرات من أنصاره بدورهم في شارع الحبيب بورقيبة بالتزامن مع تحركات المعارضة.
تعبئة وتشتت
والاحتجاجات التي شهدتها تونس ، أظهرت مجدداً التشتت الذي يطغى على قوى المعارضة، إذ نظمت جبهة الخلاص الوطني وقفة بالقرب من مقر وزارة الداخلية وهي جبهة مؤلفة من أحزاب عدة بينها “حركة النهضة” الإسلامية، فيما قادت الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية وهي خمسة بينها حزب العمال وآفاق تونس وحزب التيار الديمقراطي هي الأخرى وقفة احتجاجية، بينما سعى الحزب الدستوري الحر إلى تنظيم مسيرة نحو قصر قرطاج الرئاسي تم منعها بعد مشادات كلامية بين أنصار الحزب والأمن.
وقال القيادي في الحزب الدستوري الحر مجدي بوذينة إن عناصر الأمن اعتقلت أربعة من أنصارهم أثناء محاولات منعهم من الوصول إلى العاصمة.
واعتبر الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي أن “ما حدث اليوم هو تعبئة لإسقاط قيس سعيد، مهم جداً أن تهبط تلك الأعداد الكبيرة في ذكرى الثورة وسقوط الديكتاتورية، مع العلم أن السلطات الأمنية منعت كثراً من الوصول إلى العاصمة وتم توقيف حافلات وقطارات وسيارات أجرة ومنعها من الوصول إلى العاصمة”.
وتابع الهمامي الذي كان حاضراً بين الحشود في العاصمة التونسية في تصريح إلى “اندبندنت عربية” أن “على رغم ذلك، الحضور اليوم في الاحتجاجات كان مهماً للغاية، ذكرى 14 يناير حاول قيس سعيد إلغاءها لكنه لن يقدر على ذلك. هذه التعبئة السياسية المدنية التي تتم تعكس تنامي الوعي بخطورة الانقلاب الذي قام به، وأنه ليس لتصحيح مسار الثورة أو تحسين الأوضاع في البلاد بل لاستغلال وضع متعفن اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً للانقلاب على الثورة وعلى مكاسبها وإرساء نظام شعبوي مستبد”.
ويرفض رئيس الجمهورية في تونس اتهامات المعارضة له بالانقلاب عندما فعل في 25 يوليو 2021 المادة 80 من الدستور وحل الحكومة بناء على ذلك وجمد البرلمان الذي حله في وقت لاحق، وأعلن حال استثناء قام خلالها أيضاً بتغيير دستور البلاد وإجراء دورة أولى من الانتخابات البرلمانية.
وقال الهمامي إن “هدفنا اليوم إسقاط قيس سعيد، وهو لا يؤمن بالديمقراطية لذلك الحل في الشارع، لكن في 2011 عندما أسقطنا (الرئيس الراحل) زين العابدين بن علي لم يكن هناك بديل أمام التونسيين، اليوم نحن نجهز بديلاً عن قيس سعيد لأنني أعتقد بأن النقيصة التي كانت موجودة في 2011 تتمثل في البديل”.
المعارضة معارضات
وبدت الانقسامات في صفوف المعارضة ماثلة وواضحة، السبت، مما يثير تساؤلات جدية حول تداعياتها المحتملة على سعيها إلى عرقلة خطط الرئيس الذي يتجاهل إلى حد كبير تلك المعارضة ويعتبر أن الشعب لفظها.
لكن المعارضة تتسلح في المقابل بتدهور الأوضاع، بخاصة فقدان معظم المواد الأساسية من الأسواق، مما فاقم معاناة التونسيين، فيما أرجع الرئيس سعيد أسباب هذه الظاهرة إلى الاحتكار وافتعال الأولى للأزمات.
وقال الهمامي حول انقسام المعارضة “لا أعتقد بأن ذلك سيؤثر، المعارضة معارضات في أي بلاد، في فرنسا لا يمكن أن يمد اليسار يده إلى اليمين أو اليمين المتطرف، نحن أيضاً لا يمكن أن نمد يدنا إلى جبهة الخلاص التي تمثل حركة النهضة بكل وضوح وحركة النهضة تتحمل مسؤولية تعفن الوضع طيلة العشرية الماضية وفتحت الباب لانقلاب قيس سعيد ولم تعتذر حتى إلى الشعب التونسي وتعتبر أن فترة حكمها كانت جيدة وهذا غير صحيح”.
وأضاف “الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية تريد العودة إلى أصول الثورة التونسية وأن يقوم نظام سياسي واجتماعي يكرس شعار الثورة ’شغل، حرية، كرامة وطنية‘، ونحن كأحزاب ديمقراطية اجتماعية لا يمكن أن نلتقي ونتحالف مع الحزب الدستوري الحر الذي لا يعترف بالثورة ويعتبرها انقلاباً ولا يمكن أيضاً أن نلتقي مع جبهة الخلاص”.
وعلى الأرجح ستحاول المعارضة بمختلف أطيافها الضغط على سعيد في الأيام المقبلة، بخاصة مع بدء العد التنازلي للدور الثاني للانتخابات البرلمانية الذي لم يتراجع عنه الرئيس التونسي على رغم الدعوات المتكررة إلى ذلك.
وقال الناشط السياسي المعارض غازي الشواشي إن “هناك مبادرة يتم تجهيزها الآن من أجل إسقاط قيس سعيد”.
عجز عن التعبئة
وسارعت الأحزاب السياسية الموالية للرئيس قيس سعيد إلى انتقاد الاحتجاجات التي قادتها المعارضة التونسية اليوم معتبرة أنها عجزت عن التحشيد.
وقال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي إن “مسيرة جبهة الخلاص شارك فيها المئات فقط، أما الدستوري الحر، فكان عليه أن يجمع مئات آلاف التونسيين للذهاب إلى قصر قرطاج، هم يريدون الاحتجاج أمام القصر وهذا لا يتطلب ترخيصاً بل قدرة على التعبئة”.
وأبرز المغزاوي في تصريح خاص أن “حق الاحتجاج والتعبير مكفول للجميع، لكن على رغم حال التجييش والتعبئة الكبيرة أصبح واضحاً أن هذه المعارضة عاجزة عن تحشيد الناس، الرهان اليوم كان على إسقاط قيس سعيد لكنه كان يوماً عادياً والناس دائماً تنزل إلى الشارع فيه وهذا الأمر ليس ليس جديداً ولا أعتقد بأن هذه التظاهرة ستغير ميزان القوى لمصلحة جبهة الخلاص”.
وشدد على أن “الوضع في تونس وضع صعب لأن المسار الذي يقوده قيس سعيد فيه كثير من التعثر ورئيس الجمهورية هو من يتحمل مسؤولية ذلك بالنظر إلى اعتبارات عدة”.
وقال المغزاوي إن “الجانب الأول والأهم هو الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يول أهمية وهذا ما نؤكده دائماً، لذلك تفاقمت الأوضاع الاقتصادية وهناك جانب آخر هو الإدارة السيئة لمرحلة ما بعد 25 يوليو لذلك الرئيس مطالب اليوم إذا أراد إنقاذ مساره أن يعطي إلى البعد الاقتصادي والاجتماعي أهميته وأن ينفتح على القوى الداعمة لمساره على رغم الانتقادات التي توجهها إلى بعض خطواته”.
في المقابل حذر المغزاوي من أن الوضع في البلاد مهدد بالانزلاق نحو مربعات أخرى وفق وصفه في ظل الصعوبات التي يجدها التونسيون وحال اليأس التي يعيشونها.
رد على تحدي الرئيس
وستكون المعارضة أمام اختبار لقدرتها على التعبئة في الأيام المقبلة، بخاصة أن السلطات تتفاعل مع تحركاتها بتجاهل كبير، شأنهم في ذلك شأن الموالين والمقربين من الرئيس قيس سعيد.
وكان رضا شهاب المكي، أحد أبرز رفاق الرئيس سعيد، استبق احتجاجات السبت بالقول أمس الجمعة إن “عدد الداعين إلى استقالة قيس سعيد لا يتجاوز 50 فرداً، وحتى في صورة رحيله فإن هذه الأطراف لن تعود إلى السلطة”، في إشارة إلى “حركة النهضة” التي تواجه عزلة وانقسامات غير مسبوقة.
وقال المحلل السياسي محمد بوعود إن “الاحتجاجات التي عرفتها تونس اليوم رد على التحدي الذي طرحه الرئيس قيس سعيد البارحة، على رغم أن هذا الطيف السياسي المعارض مختلف حول تشخيص الوضع وطرق المعالجة إلا أنه اليوم متفق تلقائياً على الشعارات الموحدة ضد الرئيس ومطالبته بالرحيل”.
ويرى بوعود أن “المعارضة ما زالت في المقابل غير قادرة على تحشيد الشارع في مليونية يمكنها أن تزعج النظام أو تربك أجهزة الدولة، مما يجعلها تناور أكثر وهو ما يدفع رئيس الدولة إلى الاستهزاء بها”.
ووسط الانسداد السياسي والاقتصادي الحاصل فإن الوضع في تونس يبقى مفتوحاً على كل السيناريوهات، بخاصة أن البلاد على بعد أمتار من جولة ثانية من الانتخابات ستشكل تحدياً خاصاً لسعيد الذي قال رداً على دعوات من المعارضة إلى استقالته بعد تسجيل نسب مشاركة هي الأدنى منذ ثورة 14 يناير إن “المواجهة لا تحسم في شوط واحد، ما زال هناك دور ثان”.
المصدر: اندبندنت عربية