بالتزامن مع موجة التطبيع الإقليمي مع بشار الأسد، دعا مسؤول إسرائيلي سابق الحكومة الإسرائيلية لعقد اتفاق سلام والتطبيع مع بشار الأسد في الوقت الراهن، على الرغم من الظروف الكارثية التي تمر بها سوريا.
وكتب جدعون بيجر، أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي في مفاوضات السلام السورية الإسرائيلية، مقالاً نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أمس الثلاثاء، يشرح فيه إمكانية التطبيع مع نظام الأسد والمكاسب التي سيجنيها الطرفان.
ودعا بيجر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإرسال وزير خارجيته إيلي كوهين لعقد اجتماعات سرية مع مسؤولي النظام ومن الشرق الأوسط وأوروبا، وعدم إضاعة الفرصة.
ويقول المسؤول الإسرائيلي إنه من الصعب تجاهل تقاطع المصالح بين إسرائيل والأسد، مقترحاً “السلام مع سوريا الآن”.
جدعون بيجر عالم جغرافي ومؤرخ، وأستاذ فخري في جامعة تل أبيب، شارك في جولة المفاوضات السرية التي جرت بين فاروق الشرع وزير الخارجية السوري السابق وإيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي في ولاية فيرجيينا الغربية والمعروفة بـ “محادثات شبردزتاون 1999”.
يأتي الحديث في إسرائيل عن التطبيع مع الأسد في ظل عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم مجدداً، وهو الذي أسس للمفاوضات مع حافظ الأسد في ولايته الأولى (1996-1999) وأبدى استعداده للجلوس مع بشار الأسد في 2010، ولكن بسبب اندلاع الاحتجاجات في سوريا تغيرت المعادلات.
كما تتزامن الدعوة مع موجة التطبيع الإقليمي لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد، كان آخرها التقارب التركي المتسارع مع نظام بشار الأسد.
ويدافع المسؤول الإسرائيلي عن مقترحه بالقول، لم أفقد عقلي! وأقول لمن يستخف بالفكرة ويسأل لماذا تقترح هذه الأيام عقد سلام مع سوريا؟ بأن الفكرة ليست سخيفة.
ويتابع بيجر قوله، في رأيي، ولست وحيداً، إن الفكرة قابلة للتحقيق وضرورية، ويمكن تجاوز كل العقبات مقابل المكاسب الإسرائيلية من التطبيع.
ويشير إلى الأوضاع “الكارثية” التي تمر بها سوريا، التي لا تزال تعاني من الحرب ومقسمة لمناطق نفوذ موزعة بين النظام، المدعوم من روسيا وإيران، والمعارضة المدعومة من تركيا، وإسرائيل التي تهاجم أراضيها بحرية، إضافة إلى أزمة اللاجئين ودمار المدن والاقتصاد المنهار والعزلة الدولية.
مكاسب الطرفين
بحسب جدعون بيجر، في حال توقيع اتفاق سلام مع الأسد سيحصد النظام وإسرائيل العديد من المكاسب، منها رحيل الإيرانيين والروس من سوريا، وإعادة إعمار سوريا وتأهيل اقتصادها عبر تدفق المنح من أوروبا والولايات المتحدة، وبالتالي سيقلل الأسد من إنفاقه على الجيش والتسليح، وإعادة تأهيل نظامه وتغيير توجهاته.
يوضح بيجر أن جذور الصراع مع سوريا تكمن في احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان، ويشكل الانسحاب من الجولان مفتاح الحل.
ويشير المسؤول الإسرائيلي إلى أن أربعة رؤساء وزراء إسرائيليين سابقين وافقوا من حيث المبدأ على الانسحاب من الجولان مقابل السلام مع دمشق، وهم إسحاق رابين وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك وإيهود أولمرت.
كما أن حافظ الأسد وإيهود باراك أوشكا على توقيع الاتفاق في صيف عام 2000 في جنيف برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون.
ويلفت بيجر إلى أن تردد باراك كان سبباً في فشل مؤتمر جنيف في لحظاته الأخيرة قبل أكثر من عقدين، ويستدل على ذلك بشهادات من رئيس الوفد الإسرائيلي لمحادثات السلام مع حافظ الأسد اللواء أوري ساغي والتي دونها في كتابه “اليد المجمدة”.
في حين تشير التقارير الأميركية والإسرائيلية إلى أن مرض حافظ الأسد، التي حددت بأنه مصاب بـ الخَرف”، كانت سبباً في فشل المفاوضات.
وبحسب المسؤول الإسرائيلي لتحقيق السلام مع الأسد سيتعين على إسرائيل بالفعل الانسحاب من مرتفعات الجولان وإجلاء نحو 30 ألف مستوطن منها.
يستدرك قوله، لا شك أن الانسحاب سيكون صدمة كبيرة في الأوساط الإسرائيلية، ولكن مررنا بمثل هذه التجربة في السابق عندما الانسحاب من شبه جزيرة سيناء وإجلاء المستوطنين من قطاع غزة.
وعلى صعيد المكاسب الإسرائيلية التي يحددها بيجر، أولاً وقبل كل شيء، إزالة التهديد في الجبهة الشمالية من “حزب الله” وجيش النظام.
وثانياً منع إيران من التموضع في سوريا، وفتح الباب أمام الأنظمة العربية للانضمام إلى التسوية “حتى لو لم يكن الفلسطينيون جزءاً منها على غرار اتفاقيات السلام مع مصر والإمارات والبحرين والمغرب”.
وثالثاً، خفض الأعباء العسكرية في إسرائيل التي ستكون قادرة على توجيه الموارد إلى الداخل.
ويلفت المسؤول الإسرائيلي في معرض دعوته للتطبيع مع بشار إلى أن نتنياهو سينجح في هذه الخطوة إذا استعان سراً بالخبراء الإسرائيليين في الشؤون السورية من أمثال البروفيسور إيال زيسر، الذي يعرف بشار الأسد أفضل من معظم السوريين؛ البروفيسور إيتمار رابينوفيتش الذي أجرى محادثات بالفعل مع السوريين واللواء ساغي الذي عقد علانية جولة المحادثات عام 1999.
وبحسب بيجر فإن السلام مع بشار الأسد قد يكسب نتنياهو جائزة نوبل للسلام والاعتراف به كرجل دولة بارز.
موجز للمفاوضات الإسرائيلية السورية
خلال عقدين من الزمن (1991 – 2011) خاض نظام الأسد (الأب والابن) سلسلة من المفاوضات السرية والعلنية مع إسرائيل، جميعها كانت تدور حول إعادة إسرائيل لهضبة الجولان إلى سوريا، مقابل التطبيع بين البلدين.
بدأت أولى المفاوضات العلنية في مدريد 1991 برعاية أميركية في عهد جورج بوش الأب، عُرف بمؤتمر “الأرض مقابل السلام”.
في 1996 قاد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون محادثات سلام بين دمشق وتل أبيب في منطقة واي ريفر، وكان الحديث عن “وديعة رابين” وقتئذ، المتضمنة تعهد إسرائيل بالانسحاب من الجولان.
“وديعة رابين” هي عرض شفهي سري من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، قبل اغتياله عام 1994، تتضمن استعداداً افتراضياً مشروطاً بالانسحاب من مرتفعات الجولان السوري المحتل مقابل التطبيع مع إسرائيل.
في أواخر عام 1999، تكررت جولة أخرى في ولاية فرجينيا الغربية الأميركية، وتعرف هذه الجولة بــ “محادثات شبردزتاون”.
وبعد ذلك بشهر واحد جرت جولة ثالثة علنية، في كانون الثاني/يناير 2000 توصلت إلى اتفاق لانسحاب إسرائيل من الجولان المحتل، ولكنه تعرقل بسبب الخلاف على مئات الأمتار.
وفي آذار/مارس 2000، حدث لقاء قمة بين حافظ الأسد (قبل وفاته بثلاثة أشهر) وكلينتون، في مدينة جنيف السويسرية، إلا أنها فشلت أيضاً بسبب الخلاف على ترسيم حدود بحيرة طبريا وعدم تنازل الجانب السوري عن الضفاف الشرقية للبحيرة.
العام الماضي، كشفت إسرائيل وثائق من أرشيفها الرسمي، تضمنت مذكرة سرية لاجتماع جمع كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي، آنذاك، بنيامين نتنياهو في 9 من حزيران/يونيو 1996.
كشفت المذكرة تفاصيل حول آلية التفاوض أو المناورة التي اتبعها كلينتون ووزير خارجيته وارن كريستوفر بين حافظ الأسد وإسرائيل، بما يعرف بـ “جيب كلينتون”، في إشارة إلى الوديعة التي حملها كلينتون في جيبه من رابين إلى الأسد.
وجاء في الوثائق، المفرج عنها حديثاً، أن المفاوضات انهارت في اللحظات الأخيرة، مشيرة إلى أن الجانبين الإسرائيلي والأميركي لم يكونا على يقين من أن الأسد يرغب فعلاً في عقد اتفاق من أجل الجولان أم أنه كان يفضل الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.
المفاوضات لم تنقطع في عهد بشار الأسد
مع وصول بشار الأسد إلى السلطة استمرت المفاوضات العلنية، والسرية أيضاً. في 2004، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون استعداده لإجراء محادثات سلام مع الأسد بشرط تخلي الأخير عن دعم المنظمات الفلسطينية وحزب الله اللبناني.
وفي حزيران/يونيو 2007، أبدت إسرائيل استعدادها للتفاوض مع سوريا على مبدأ “الأرض مقابل السلام” بشرط تخلي الأخيرة عن إيران وعن دعم منظمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
وفي 23 من نيسان/ أبريل 2008، أعلنت إسرائيل استعدادها عن الانسحاب من الجولان المحتل مقابل السلام مع سوريا.
21 أيار/مايو 2008، أعلنت إسرائيل وسوريا رسمياً، وبشكل مفاجئ، أنهما تجريان مفاوضات سلام غير مباشرة برعاية تركيا، وأعلنت أنقرة، حينئذ، أنه تم التحضير لاجتماعات ستستضيفها إسطنبول خلال عشرة أيام، لكنها لم تكتمل.
حتى عشية اندلاع الثورة السورية، أجرت تل أبيب ودمشق مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء أميركيين، أبرزهم فريدريك هوف، وخطته المعروفة باسم “خطة هوف لترسيم الحدود بين سوريا وإسرائيل”.
المفاوضات انقطعت بعد 2011
انقطع مسار المفاوضات والمباحثات بين نظام الأسد وإسرائيل، بعد انطلاق الثورة السورية في ربيع 2011 وما تبعها من تطورات عقدت المشهد في المنطقة وغيرت المعادلات القائمة، أزالت إسرائيل إثر ذلك خيار التسوية السياسية مع سوريا من على الطاولة.
“لأن أي تسوية مع نظام الأسد تنطوي على انسحاب لن يتم قبولها في النظام السياسي والشعبي في إسرائيل”، بحسب رئيس وفد التفاوض الإسرائيلي، إيتمار رابينوفيتش.
وقد قوض الاعتراف الأميركي، في 2019، بضم الجولان فعلياً على أي احتمال افتراضي للتسوية الإسرائيلية السورية.
في 25 من آذار/مارس 2019، خالف الرئيس السابق دونالد ترامب النهج الأميركي التقليدي من خلال التوقيع على إعلان رئاسي يعترف بـ “السيادة الإسرائيلية” على مرتفعات الجولان.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا