في ظل سير تركيا بمسار تطبيع العلاقات مع النظام السوري، سعى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو لتقديم تطمينات للمعارضة السورية، قبيل وخلال لقائه وفداً منها أمس الثلاثاء، ضم رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس، ورئيس الائتلاف الوطني المعارض سالم المسلط، ورئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى في أنقرة.
وجدد جاووش أوغلو، تأكيد موقف بلاده الداعم للمعارضة والشعب السوري وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وجاء ذلك في تغريدة عبر “تويتر”، بعد اللقاء. وقال: “خلال اللقاء، تمت مناقشة آخر التطورات حول سورية. وأكدنا دعمنا للمعارضة السورية والشعب السوري وذلك وفقا لقرار مجلس الأمن 2254”.
من جهته، قال بدر جاموس، لـ”العربي الجديد”، إن الوفد عقد لقاءات عدة في أنقرة مع كافة الجهات، واختتم بلقاء وزير الخارجية التركي، مؤكداً أن “اللقاء كان بطلب من المعارضة السورية”.
وأوضح أن “وزير الخارجية التركي أكد أن تركيا تسعى بكل إمكانياتها إلى إنهاء المأساة السورية وإيقاف الارهاب ومنع تقسيم سورية من خلال حل سياسي يستند للقرارات الدولية”، مشدداً على أن وفد المعارضة “أكد استمرار السوريين في نضالهم حتى تحقيق أهداف ثورتهم”.
وأضاف جاموس: “سمعنا من الأتراك موجزاً عن اللقاءات التي حصلت في موسكو أخيراً”، لافتاً إلى أنهم “مؤمنون بالحل السياسي الذي يحقق استقرارا مستداما، وهذا يحتاج إلى تطبيق القرارات الدولية”.
لا تطبيع مع النظام يتجاوز المعارضة
وقبل اللقاء، شدّد جاووش أوغلو، على أن تركيا لن تُقدم على أي خطوات تطبيع مع نظام بشار الأسد يتجاوز المعارضة السورية ويكون رغماً عنها، مضيفاً: “سنتبادل الأفكار مع المعارضة، ونحن في الوقت نفسه الضامن للمعارضة”، مشيراً إلى أن موعد لقائه مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد لم يحدد بعد.
وأكد جاووش أوغلو، في تصريحات على متن طائرة العودة من البرازيل أمس الثلاثاء، أن “الولايات المتحدة لم تقل لتركيا لماذا تلتقي مع النظام، ولكن فهمنا منها أنها معارِضة للتطبيع بين تركيا والنظام، وهذا كان واضحاً في تصريحات وزارة الخارجية الأميركية”.
وأشار إلى أن “المعارضة السورية تلتقي منذ فترة طويلة مع النظام في أستانة وجنيف، ولكن لم يتم الوصول إلى أي نتيجة، والحديث هنا عن خطوات متبادلة على صعيد المسار السياسي بقيادة الأمم المتحدة، وهناك بعض العناصر الراديكالية التي قالت نحن لن نصالح ولهذا تم تأسيس هيئة التفاوض السورية”.
ونفى جاووش أوغلو أن “تكون هناك عودة إجبارية للاجئين بعد التطبيع مع النظام، بل إن العودة ستكون آمنة وطوعية”. وشدّد على “ضرورة توفير الإمكانات لمن يود العودة إلى سورية، ولهذا يجب دمج الأمم المتحدة في هذه المرحلة وهو أمر مهم، وكذلك الدول الأوروبية التي تعاني من الهجرة يمكن أن تدخل في هذه المرحلة”.
وعن أسباب التطبيع مع النظام، قال جاووش أوغلو: “لم تؤدِ السياسات المتّبعة على مدار سنوات لأي نتيجة، وعلى أميركا أن ترى ذلك، ويجب وقف الحرب في النهاية، ولن يكون هذا ضد المعارضة، أي لن يكون هناك تطبيع رغماً عن المعارضة”.
وأكمل: “الهدف هو الاستقرار الكامل والتأسيس للسلام، والتطهير من الإرهابيين وحماية وحدة الحدود والتراب، والوصول إلى نتيجة في أعمال اللجنة الدستورية التي يشارك بمفاوضاتها النظام والمعارضة، ولهذا نعتقد أن التواصل المباشر (بين تركيا والنظام) سيكون مفيداً”.
الوزير التركي رد على سؤال حول ما إذا كانت واشنطن قد قدّمت أي عرض يتعلق بـ”وحدات الحماية الكردية”، قائلاً: “لم يصل أي عرض جديد من أميركا، ولا نحتاج أي عرض جديد، ويكفي أن يتم تطبيق التوافقات الموقّعة في عام 2019، والاتفاقية المتعلقة بمنبج (اتفاق أميركي ـ تركي في عام 2018 نصّ على انسحاب وحدات الحماية من المدينة)”.
وأردف: “لم يتم تطبيق أي شيء من هذه الاتفاقيات، ولا حتى روسيا طبّقتها، وفي اجتماعات موسكو والاجتماعات على المستوى الاستخباري، كانت هناك مواد في الأجندة تتعلق بعمليات مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني”.
اجتماعات تحضيرية
أما عن لقاء وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام، قال جاووش أوغلو: “عرضت روسيا موعداً من أجل اللقاء، ولكنه لم يكن مناسب لنا، ونعمل على مواعيد ومقترحات أخرى بهذا الصدد”، مضيفاً: “من المهم أن تكون هناك نتائج في هذه اللقاءات، أي العمل على الخطوات التي سيتم الإقدام عليها”.
وأضاف: “حتى حصول اللقاء المقبل، هناك اجتماعات تحضيرية على مستوى الخبراء والاستخبارات والدفاع من أجل تحويل هذه المواضيع لخطوات ملموسة ولهذا، الأمر غير مرتبط باجتماع واحد أو أكثر، والحصول على نتيجة منها”.
ورداً على سؤال عن إمكان عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام بشار الأسد، رد بالقول: “ليس من الصواب الحديث عن هكذا تكهنات، في النهاية القرار مرتبط بالرئيس أردوغان”.
وأضاف: “أردوغان قال سابقاً إنه حوار على مراحل، بداية على المستوى الاستخباري ووزراء الدفاع، وبعدها على مستوى وزراء الخارجية، وبعدها على مستوى الرؤساء، نلتقي بداية نحن (وزراء الخارجية) وبعدها يتم تقييم الأمر”.
في هذا الوقت، تُطرح تساؤلات عن انعكاسات التقارب بين أنقرة ونظام الأسد على الأرض في سورية. وكان الجانب التركي قد تناول العديد من القضايا مع النظام باجتماع غير مسبوق منذ عام 2011 عُقد الأربعاء الماضي في موسكو وجمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، ورئيسي جهازي مخابرات روسيا سيرغي ناريشكين والنظام السوري علي المملوك.
وفرضت تحديات كثيرة على أنقرة ودمشق تجاوز أكثر من عشر سنوات من العداء. وتبقى العديد من القضايا عالقة بين الطرفين، لعل أبرزها الوجود العسكري التركي في شمال سورية ومصير فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة، وملفات اقتصادية وإنسانية، لعل أبرزها ملف اللاجئين السوريين في سورية المقدر عددهم بنحو 4 ملايين شخص.
ويريد النظام أن يحقق العديد من المكاسب التجارية في بداية تقاربه مع الجانب التركي لإنعاش اقتصاده الذي يقف على حافة الانهيار الكامل، لذا يضع النظام عينه بصورة خاصة على المعابر بين مناطقه ومناطق فصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) في شمال غربي سورية.
ومن المحتمل أن تفتح أنقرة معبر أبو الزندين الحيوي، الذي يربط مناطق فصائل المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي ومدينة حلب كبرى مدن الشمال والخاضعة للنظام. ويبعد المعبر نحو 20 كيلومتراً عن مدينة الباب، ويتصل بمعبر الراعي الحدودي مع تركيا.
ومن المعابر المهمة التي من المتوقع أن تُفتح في حال اتفاق الجانبين (التركي والنظام)، معبر سراقب في ريف إدلب الشرقي، حيث منطقة نفوذ “هيئة تحرير الشام” التي أعلنت رفضها لأي تقارب مع النظام السوري. ولكن من المتوقع أن تضغط تركيا على الهيئة لفتح المعبر وإلا تواجه عملية عسكرية من قبل قوات النظام بمساعدة جوية من الجانب الروسي.
ويجري حديث عن أن تقارب الأتراك والنظام سيؤدي إلى إعادة الحركة إلى طريق حلب – غازي عنتاب الدولي، وهو من الطرق الحيوية في شمال سورية وجنوب تركيا، وكان من أهم شرايين التجارة بين البلدين بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين في 2004 التي سمحت بتدفق البضائع في الاتجاهين.
ويسعى النظام السوري لاستعادة الحركة التجارية على الطريق الدولي “أم 4″، الذي يربط الساحل السوري، غربي البلاد، بمدينة حلب في الشمال، ومنها إلى الشمال الشرقي من سورية. ويبدأ الطريق من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري، ثم يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ويعبر قرية فريكة قاطعاً ريف إدلب الجنوبي، عبر مدينة أريحا.
ويخضع جل الطريق لسيطرة “هيئة تحرير الشام”، وهو ما حال دون فتحه على الرغم من اتفاق الجانبين الروسي والتركي على ذلك في “اتفاق موسكو” في عام 2020، الذي أنهى المعارك البرية في شمال غربي سورية.
ويضع النظام استعادة هذا الطريق وتأمينه على رأس أولوياته، خصوصاً أنه من الطرق الحيوية التي تنشط حركة التجارة الداخلية وهو ما سينعكس إيجاباً على اقتصاده. ويعاني النظام من أزمات اقتصادية خانقة، يأمل ان يسهم تقاربه مع الجانب التركي في تخطيها.
مخاوف تركية من “قسد”
في المقابل، تريد أنقرة تبديد كل المخاوف إزاء مشروع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لذا من المتوقع أن يطلب الأتراك تنسيقاً عالي المستوى مع قوات النظام ربما يصل إلى حد إجبار فصائل سورية معارضة للقتال إلى جانب هذه القوات، للتخلص من خطر “قسد”.
ويبدو أن تركيا والنظام متفقان على أن “قسد” تشكل التهديد الأكبر لهما، على الرغم من أن النظام هو من سهّل لـ”الوحدات الكردية” السيطرة على أجزاء واسعة من شمال وشمال شرقي سورية في عام 2012، في سياق محاولات لم تنجح لإجهاض الثورة السورية.
ويريد النظام استعادة منطقة شرق الفرات الغنية بالثروات النفطية والزراعية، والأتراك يريدون القضاء على أي خطر تشكله “قسد”، ولكن الكلمة الأولى والأخيرة في شمال شرقي سورية تبقى للجانب الأميركي، الذي يبدو أنه يعارض أي مسعى إقليمي أو دولي لإعادة تعويم نظام الأسد.
ورأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “سكان الشمال السوري يشعرون بالخوف والقلق الشديد من أي توابع لهذا التقارب وهذا ما انعكس في التظاهرات، وكثافة بيانات العديد من الهيئات والتجمعات”. غير أن سالم استبعد تسليم الشمال السوري لقوات النظام، مؤكداً أنه “بالنسبة للشمال الشرقي، فالأمر يتعلق بالموقف الأميركي”.
واعتبر سالم أن هذا الموقف “يبدو حتى الآن صلباً ويتجه نحو تمديد وتعزيز وجوده في دعم قسد، التي تملك هامشاً كبيراً في مقاومة الضغوط الروسية ما دامت تحت حماية التحالف الدولي”.
وأبدى اعتقاده بأن “قسد يمكن أن تسعى لاجتذاب بعض أطراف المعارضة”، مشيراً إلى أنه “ما لم يكن تطبيع أنقرة مع نظام الأسد بتنسيق مع الولايات المتحدة وهو ما لم يتحقق حتى الآن، سيكون له تأثير محدود جداً على النفوذ على الأرض خصوصاً في الشمال الشرقي، والمشهد عموماً”.
من جانبه، استبعد المحلل العسكري، العميد مصطفى فرحات أن تتخلى أنقرة عن أهم ورقتين لديها: “وهما الجيش الوطني المعارض وقوامه نحو 85 ألف مقاتل، واللاجئين السوريين”، مضيفاً: “هذا التقارب التركي مع النظام يندرج ضمن محاولات التوصل لحل سياسي في سورية”.
وعدّ فرحات قتال فصائل المعارضة السورية إلى جانب قوات النظام ضد “قسد”، في حال حصول اتفاق بين تركيا والنظام: “خيانة عظمى طالما بشار الأسد في السلطة”، لافتاً إلى أنه “عندما يحدث انتقال سياسي في سورية وترفض قسد الحلول السياسية، يمكن الحديث حينها عن جهود مشتركة ضد أي قوى انفصالية”.
وتابع بالقول: “نحن لا نملي على تركيا ما يجب عليها فعله، وبنفس الوقت لا نقبل أن تطلب منا أنقرة تسليم مناطق أو القتال إلى جانب الأسد. هذا خط أحمر لدى جميع السوريين، وتظاهرات الشمال الجمعة الماضي دليل على ذلك”.
المصدر: العربي الجديد