ينتهي ٢٠٢٢ بأحجية، أما الأحجية فهي بالنسبة للسوريين، عموم السوريين، معارضة وموالاة وجمهور ضحية، لابد وتتصل بالسؤال التالي:
ـ ما دوافع تركيا بفتح خطوطها على دمشق، ومع دمشق “النظام”؟
سيرافق هذا السؤال جملة من الأسئلة، من بينها:
ـ هل تشتغل حكومة أردوغان على إعادة تأهيل النظام؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو فلماذا؟
ـ ما دوافع تركيا للاشتغال على تعويم نظام غارق في المآزق بدءًا من العزلة الدولية الخانقة وصولاً إلى عجزه عن تحقيق لقمة الخبز لشعب بات يقاسي المجاعة أو ما يشبه المجاعة؟
ـ ما الذي بوسع نظام شبه منهار أن يقدّمه لجار يمتلك الكثير من عناصر القوة؟
هي أسئلة مشروعة، بل وجدّية، فأي نافذة تُفتِح للنظام في دمشق اليوم، لابد وتمدّه بشريان حياة كاد أن يفقده، فيما كل المؤشرات تقول أن نظامًا غارقًا كما حال هذا النظام، لابد وسيكون عاجزًا عن تقديم أيّ إنجاز للتركي، بل للرئيس التركي حصرًا.
في واقع الأمر ثمة مجموع دوافع للرئيس التركي ليخطو بهذا الاتجاه وعلى هذا النحو:
ـ أوّلها الترتيبات مع روسيا وقد باتت تركيا واحدة من دول إسناد روسيا في الحرب الأوكرانية وقد استثمرت بهذه الحرب، وخرجت منها الدولة الرابحة، سواء على مستوى التبادلات التجارية مع موسكو، أو على مستوى كيانها كدولة تمتلك مفاتيح البحر الأسود، لتحمل علاقاتها مع موسكو بعدين اثنين، اولهما إرضاء روسيا وثانيهما “عدم فك الارتباط مع الولايات المتحدة” وهي الدولة الشريكة في حلف الناتو.
ـ ثانيها، ثقة تركيا بأن مؤسسات المعارضة السورية والممثلة بالائتلاف، وسواه من مؤسسات المعارضة، هي مؤسسات غير متجانسة ولن تستطيع تلبية طلبات الشعب السوري وتحقيق أهدافه
ـ ثالثها أن لتركيا مسألتين شديدتا الوطأة على الحكومة التركية، وهما المسألة الأمنية وممثلة في تواجد “قسد” على حدودها، وهو تنظيم لابد ويقلق تركيا، وثانيها مسألة اللاجئين وقد أخذت أبعادًا في الداخل التركي، حتى باتت مسألة انتخابية بكل ماتعنيه “انتخابية” هذه.
تركيا التي اشتغلت ولوّحت بخطوة عسكرية على الشمال السوري حيث توجد “قسد” واجهت اعتراضات أمريكية، كون “قسد” الفصيل المدعوم من الإدارة الأمريكية، والاشتباك معها سيعني اشتباكًا مع القوات الأمريكية الراعية لـ “قسد”، وعودة علاقات تركيا مع نظام دمشق تعني فيما تعنيه العودة إلى تفعيل اتفاقية اضنة، وهذا سيمنح تركيا المظلة “القانونية” لاجتياح مساحات واسعة من الشريط الحدودي، وبمباركة من النظام، وهما “الحكومة التركية” و “نظام دمشق” متوافقان على العداء المشترك لـ “قسد”، ما يسمح لتركيا باجتياح محمي بمظلة الشرعية القانونية، هذا إذا لم تكن أداة الاجتياح “جيش النظام”، والاستثمار التركي به، وهذا أمر وارد في أي وقت.
اما عن موضوع اللاجئين، فقد اشتغلت تركيا على استبعادهم من الأراضي التركية، وليس لنظام الأسد أية ذريعة لمعارضة هذه العودة، مع تأمين أسبابها، ومن عناصر تأمين هذه العودة التوافق على حلول سياسية في مناطق العودة هذه، وهي مناطق لابد وتقع داخل النفوذ التركي، وسيبقى الأمر على حاله، وليس للنظام أية فرصة لرفض هذا النفوذ، خصوصًا وأنه يقع تحت الرعاية الروسية، وليس النظام في حال كهذا سوى أن يكون أداة روسية يأتمر بأوامرها.
مجمل الحكاية أن تركيا ستأخذ ماتريد من نظام الأسد عبر البوابة الروسية، دون أن يتسنّى لنظام الأسد أن ينال شيئًا سو ى فقاعات إعلامية تنهي بما ستحمله الأيام من وقائع، هذا إذا لم تتفعل القرارات الدولية المتعلقة بالتسويات السياسية في سوريا، وهي تسويات لابد وتقلّص من نفوذ بشار الأسد كشخص، كما ستقلّص من منظومته عمومًا.
السوريون وقد اكتووا بـ “الحليب” لابد وباتوا يتخوّفون من الاكتواء بـ “اللبن”، ولهذا فأية خطوة نحو التطبيع مع النظام باتت تمثل بالنسبة إليهم مخاوف لاتحصى أوّلها “تعويم النظام” وتلك معجزة ليس بوسع أيّ أن يحدثها.
لا أردوغان قادر على تعويم النظام، ولا الروس قادرون على تعويمه بما يجعله للـ “أبد”.
كل مافي المسألة، أن الرابح هو “أردوغان” ومنظومته، اما الخاسر في اللعبة فعلى المدى القريب لابد ويكون “قسد” أما خسائر النظام فلم يتبقّى له ما يخسره سوى أن يسقط.
المصدر: سوريا الأمل