10 أمور تجب متابعتها في سوريا وخارجها في سنة 2023، ستكون لها آثار كبيرة بدرجات متفاوتة، وستحدد مآلات هذا الملف ومصيره لسنوات أو عقود مقبلة، كما ستحدد مصير خطوط التماس بين «الدويلات» الثلاث في سوريا، بعد ثباتها لثلاث سنوات بفضل تفاهمات إقليمية ودولية خارجية:
1- التطبيع التركي: يتوقع أن يجتمع وزيرا الخارجية: السوري فيصل المقداد، ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، في منتصف هذا الشهر، لاستكمال نتائج المحادثات العسكرية والأمنية في الأسابيع الماضية، للوصول إلى ترتيبات مشتركة برعاية روسية في الشمال السوري، بدءاً من «منطقة أميركا» شرق الفرات.
لا بد من متابعة خطوات «خريطة الطريق» التي وضعتها موسكو لدمشق وأنقرة، وصولاً إلى لقاء بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وبشار الأسد، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقرر إجراؤها مبدئياً في يونيو (حزيران) المقبل. ولا شك في أنه ستكون لهذه الخطوات نتائج سياسية واقتصادية كبيرة في سوريا ومحيطها، حسب الحدود والعمق والسرعة التي ستنفذ بها. وهل تحصل مقايضات: تنازلات عن الجغرافيا مقابل مكاسب بالسياسة والاقتصاد؟
2- القلق الكردي: إحدى نقاط التقاطع الرئيسية بين دمشق وأنقرة وموسكو (وطهران)، هي إضعاف الكيان الكردي والإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، واعتبار هذه المؤسسات «تهديداً وجودياً لسوريا وتركيا». وهناك خطط لعمليات عسكرية سورية – تركية مشتركة، وضغط روسي لتفكيك جميع المؤسسات الكردية، من مناطق بعمق 30 كيلومتراً من الحدود التركية.
من الضرورة بمكان متابعة موقف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد)، وكيفية تعاطيهما مع هذه التطورات. «قسد» تقول إنها سحبت أسلحتها الثقيلة ومقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية بعمق 30 كيلومتراً، بموجب اتفاق سوتشي الروسي – التركي، في نهاية 2019؛ لكنها ترفض سحب قوات الشرطة (أسايش) والمجالس المحلية. هي تراهن على خسارة إردوغان الانتخابات، ودعم أميركا ووجودها العسكري. وتصر أنقرة على تفكيك جميع المؤسسات، ولا تمانع وجود مؤسسات سورية وعلم سوريا وحرس حدودها.
3- الغطاء الأميركي: «قوات سوريا الديمقراطية» حليفة للتحالف الدولي بقيادة أميركا في الحرب ضد «داعش» منذ 7 سنوات. وقد نجحا سوياً في القضاء على التنظيم جغرافياً، وأقامت أميركا قواعد عسكرية تعطيها أوراقاً تفاوضية أساسية ضد روسيا، ولضبط وجود إيران وتقديم دعم لوجستي لإسرائيل.
وعلى العكس من قرار إدارة دونالد ترمب بالانسحاب المفاجئ في 2019، وفتح الباب لتوغل تركي، حافظت إدارة جو بايدن على بقاء قواته المستمر. لكن هناك إشارات توحي بأن أميركا، المنخرطة في أوكرانيا، بحاجة لدور تركيا وحلف شمال الأطلسي، ولن تخوض حرباً ضد أنقرة بسبب الأكراد.
ولا بد من متابعة تطورات الموقف الأميركي، وحدود التفاهمات العسكرية بين أنقرة وواشنطن في شمال شرقي سوريا، بعد بدء التطبيع السوري – التركي.
«الحضن العربي»
4- التطبيع العربي: خطوات التطبيع الثنائي بين عواصم عربية ودمشق من جهة، والجماعي بين الجامعة العربية ودمشق من جهة ثانية، وُضعت على نار هادئة في 2022. فلم تحضر سوريا قمة الجزائر بسبب وجود اعتراض من دول عربية وازنة. أيضاً، الدول التي بدأت مسار تطبيع ثنائي، مثل الأردن والإمارات وغيرها، بردت همتها في السنة الماضية، لأسباب مختلفة: التجربة المرة والمريرة مع دمشق في ضبط الحدود ووقف تهريب «الكبتاغون»، وضغوط أميركية وغربية لوقف التطبيع، إضافة إلى تشدد الكونغرس وإصداره قرارات جديدة ضد دمشق، وضعت سقفاً لحدود الدعم الاقتصادي وإعمار المدمَّر.
ومن الأهمية بمكان متابعة مآلات العودة إلى «الحضن العربي» في 2023، والموقف في القمة العربية المقررة في الربيع المقبل، في ضوء التغيرات الحاصلة في العلاقة بين دول عربية وأميركا والصين وروسيا من جهة، وخطوات التطبيع بين أنقرة ودمشق من جهة ثانية، وسلوك دمشق في ملفات إقليمية، والعلاقة مع إيران من جهة ثالثة.
5- حرب أوكرانيا: كان تأثير الانخراط الروسي في هذه الحرب كبيراً على سوريا في أكثر من جانب. فقد عززت الحرب التعاون بين أنقرة وموسكو، وبين الرئيسين بوتين وإردوغان؛ إذ صار الأول بحاجة للثاني، وباتت تركيا بوابة اقتصادية وسياسية لروسيا. ومن تجليات ذلك: ضغط بوتين على إردوغان والأسد للِّقاء، وطي صفحة الماضي، والحرص على فوز إردوغان في انتخابات الرئاسة.
أيضاً، كان هناك انعكاس اقتصادي وسياسي لهذه الحرب. فقد باتت سوريا قضية منسية في الأروقة الدولية، وباتت أموال المانحين تذهب لأوكرانيا بدلاً من سوريا. وظهر هذا بوضوح في تعميق الأزمة الاقتصادية في سوريا.
6- الغارات الإسرائيلية: دشنت حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية السنة الجديدة، بقصف «أهداف إيرانية» في مطار دمشق الدولي، ما أدى إلى إخراجه لساعات عن الخدمة. في السنوات الماضية، شنت إسرائيل مئات الغارات ضد «مواقع إيرانية» في سوريا. وفي العام الماضي، اتسعت مروحة الغارات من أقصى شرق سوريا إلى غربها، ومن الجنوب إلى الشمال. وقال: «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إنه أحصى 32 غارة إسرائيلية في 2022، أسفرت عن إصابة وتدمير نحو 91 هدفاً، ما بين مبانٍ ومستودعات أسلحة ومقرات ومراكز وآليات. وتسببت تلك الضربات في مقتل 88 من العسكريين، وجرح 121.
وبعد عودة نتنياهو بحكومة يمين اليمين، لا بد من متابعة انعكاسات ذلك في سوريا في 2023: كيف سيتعامل مع الملف النووي الإيراني؟ ما مصير التفاهمات السابقة مع بوتين، و«الخط الساخن» للتنسيق العسكري بين قاعدة حميميم الروسية وتل أبيب؟ كيف سينعكس في سوريا، موقف تل أبيب من حرب أوكرانيا، وتعاون موسكو وطهران العسكري هناك؟
«طلاق» سوري – إيراني
7- الحلف الإيراني: طهران التي تعتقد أنها ساهمت في «إنقاذ النظام» منذ تدخلها نهاية 2012، وقدمت كثيراً من الدعم العسكري والاقتصادي والأمني والمالي، تريد ثمناً لذلك. وهي تماطل في «إنقاذ النظام» من أزماته الاقتصادية مجاناً، وتريد الثمن بـ«تنازلات سيادية» تتضمن إقامة قواعد عسكرية دائمة، واتفاقات اقتصادية تخص النفط والغاز والفوسفات، واتفاقات لمعاملة الإيرانيين مثل السوريين، باستثناء مثولهم أمام القضاء السوري في حال ارتكابهم جرائم.
تستغل طهران تفاقم الأزمة الاقتصادية في دمشق، وانشغال موسكو في أوكرانيا، ورياح التطبيع التركي والعربي، والغارات الإسرائيلية، كي تحصل على امتيازات كبرى في سوريا.
ولا بد من متابعة تفاصيل هذا المسار، وموقف دمشق، وموعد زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي التي كانت مقررة الأسبوع الماضي، والتحقق مما يتردد عن مؤشرات لـ«طلاق» سوري – إيراني، أو إعادة تعريف العلاقة.
8- الأزمة الاقتصادية: بعد نحو 12 سنة من الحرب، تهتكت الأراضي السورية. وحسب الأمم المتحدة، فإن نصف السوريين (12 مليوناً) أصبحوا خارج منازلهم، وثلثهم (7 ملايين) خارج بلادهم، ونحو 90 في المائة منهم تحت خطر الفقر، و80 في المائة يعانون انعدام الأمن الغذائي، ونحو 14.6 مليون بحاجة لمساعدات، وسلة الغذاء ارتفعت كلفتها بنسبة 85 في المائة عن العام الماضي؛ إذ فقدت الليرة السورية أكثر من 80 في المائة من قيمتها.
المـأساة كبيرة. ولا بد من متابعة تمديد القرار الدولي لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود قبل 10 من الشهر الجاري، ولا بد من متابعة موقف روسيا في هذا الشأن؛ خصوصاً أن هذا القرار هو شريان الحياة لنحو 4 ملايين سوري في شمال البلاد، ويخفف العبء عن موازنة دمشق ومصاريفها.
9- الانهيار السوري: يقول سوريون في مناطق الحكومة إن 2022 الأسوأ منذ 2011. ولوحظ أنه كي تخفف الحكومة الكلفة الاقتصادية، مددت العُطلات، وأوقفت العمل في مؤسسات ومستشفيات.
هناك حديث عن شلل وخوف من انهيار كامل. ولا بد من مراقبة مآلات هذه الأزمة الاقتصادية، وكيف ستؤثر على عمل مؤسسات الحكومة والجيش والأمن، وعلى شبكات السيطرة والعمل. أيضاً، لا بد من متابعة انعكاسات التطبيع السوري – التركي على الأزمة الاقتصادية، وهل ستدفع الأزمة دمشق لاتخاذ تنازلات مؤلمة في المجال السياسي وتنفيذ القرار 2254، أو في المجال الجيوسياسي، بتخفيف جرعات علاقاتها مع إيران؟
10- «خطوة – خطوة»: كان هَم المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، في السنوات الماضية، عقد اجتماعات للجنة السورية، باعتبارها مدخلاً لتنفيذ القرار 2254. وكان هذا رهاناً روسياً – تركياً – إيرانياً، ضمن مسيرة مسار آستانا. وبعد حرب أوكرانيا، طالبت روسيا بشروط لوجستية، لترتيب عقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، ما جمَّد عملها في الأشهر الماضية.
عليه، أحيا بيدرسن مقترحاً قديماً يسمى مقاربة «خطوة مقابل خطوة»، يقضي بإقدام دمشق على إجراءات مقابل تقديم الدول الغربية إغراءات واستثناءات. الشيء الجديد هو أن دمشق باتت مهتمة بالمقاربة، وهذا ما بدا من لقاء المقداد وبيدرسن الأخير في دمشق التي تريد أن تعرف العروض المقدمة، والدول التي تقدم هذه العروض.
الحديث يجري عن أمور صغيرة وبسيطة: بدء دول غربية خطوات لحل مشكلة الكهرباء، أو منح تأشيرات لدبلوماسيين سوريين، مقابل خطوات من دمشق إزاء المعتقلين، والعفو، وإجراءات الملكية.
ولا بد من متابعة هذا المسار، واللقاء المقبل بين المقداد وبيدرسن، ومدى تأثره بالتطبيع بين أنقرة ودمشق، ومدى التزام دمشق بأن تكون خطواتها في سياق مهمة المبعوث الأممي.
المصدر: الشرق الأوسط