أعمق مما تبدو عليه.. مستقبل العلاقات الخليجية الإندونيسية

رفعت قمة مجموعة العشرين مكانة إندونيسيا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث أكدت “بالي 2022” دور جاكرتا كعامل استقرار سياسي وثقل اقتصادي لرابطة دول جنوب شرق آسيا.

وباعتبارها سابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم، مع قوة عاملة ضخمة وموارد طبيعية غنية، فإن إندونيسيا لديها إمكانيات تؤهلها لاحتلال موقع أكبر على المسرح الدولي؛ لكنها لا تزال تسعى لاستغلال هذه الإمكانيات.

وبعد سنوات من الاضطرابات السياسية – كافح خلالها 4 رؤساء موجة الإرهاب والكوارث الطبيعية وتداعيات الأزمة المالية العالمية لعام 2008 – يهدف برنامج الرئيس الإندونيسي “جوكو ويدودو” (المعروف باسم جوكوي) إلى دفع البلاد إلى مصاف الاقتصادات المتقدمة في المنطقة.

استثمار الروابط مع الخليج

قرر “جوكوي” التركيز على حشد الدعم لخططه التنموية الطموحة، حيث تواجه إندونيسيا العديد من التحديات الكبرى في وقت تتخلف فيه بشكل لافت عن المنطقة في البنية التحتية، ويعني ذلك أن هناك حاجة ملحة للتوسع في الطرق والموانئ والمطارات والاتصالات لدعم السوق الداخلية للدولة الجزرية المترامية الأطراف.

أما جاكرتا (التي يقطنها 30 مليون نسمة) فهي في طريقها للغرق بشكل كامل لذلك يجب أن تكون هناك عاصمة جديدة قريبا. لكن ذلك يعتمد على الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي سعت إندونيسيا إلى حشده، وهنا قام “جوكوي” بالنظر في المستثمرين المحتملين؛ ثم توجه مباشرة إلى الخليج.

وتعود الروابط العربية مع إندونيسيا إلى قرون، وقد ساهم وصول البحارة من جنوب شبه الجزيرة العربية للتجارة في انتشار الإسلام في الأرخبيل. وسرعان ما أصبح الإسلام هو الديانة السائدة، وتنامت العلاقات القوية بين الجزر الإندونيسية وشبه الجزيرة العربية مع تدفق الحجاج إلى مكة، وما زالت الرابطة قوية مع احتضان الخليج لعدد كبير من العمالة الإندونيسية.

وإلى جانب أوجه التكامل الاقتصادي، ساعد الدين والثقافة والتراث المشتركين في جعل دول الخليج شركاء طبيعيين لإندونيسيا.

وبالفعل، زار “جوكوي” قطر والسعودية والإمارات والبحرين بحثًا عن الاستثمار، ووقع سلسلة من الاتفاقيات في عدد من المجالات على رأسها الطاقة والزراعة.

مكانة خاصة للإمارات

تعرضت خطة سعودية طموحة بشأن بناء مصفاة نفط كبرى في وسط جاوة لتحديات كبيرة حتى تخلى الشريك السعودي عن المشروع، وعلقت هذه الأحداث الاستثمارات السعودية الواسعة في إندونيسيا في الوقت الحالي.

أما التقارب مع الإمارات فقد جلب عوائد أفضل. وخلال زيارة ولي العهد أبوظبي آنذاك “محمد بن زايد” لإندونيسيا، فقد أبدى تجاوبا لافتا مع طلب “جوكوي” بشأن مشاركة الإمارات في تنمية البلاد.

وبعد الزيارات المتبادلة، خصصت دولة الإمارات ما قيمته 42 مليار دولار للاستثمار في مجموعة واسعة من المجالات بما في ذلك الطاقة والرعاية الصحية ورقمنة البنية التحتية للطرق والزراعة والبنية التحتية للموانئ، ويعد الالتزام بالشراكة في تمويل عاصمة إندونيسيا الجديدة “نوسانتارا” مكافأة إضافية.

وأصبحت الإمارات الآن المستثمر الخليجي الرئيسي في إندونيسيا إلى حد كبير، وتُوّجت هذه العلاقة المزدهرة بالكيمياء الشخصية بين رئيسي البلدين، حتى أن أبوظبي أدخلت إندونيسيا في دائرة أقرب شركائها الاقتصاديين عندما وقعت اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع جاكرتا.

وإلى جانب اتفاقية التجارة الحرة، توفر اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة وصولًا تفضيليًا للصادرات الإماراتية إلى السوق الإندونيسي الضخم.

وإلى جانب الإمارات، قام “جوكوي” برحلات إلى قطر والبحرين في محاولة لتأمين الاستثمار الأجنبي المباشر من صناديق الثروة السيادية، وقد تشارك الدولتان الخليجيتان في مشروعات إندونيسية.

تأثير الاختلافات

بشكل عام، كان توجه جاكرتا إلى الخليج مثمرًا بالرغم من عدم الوفاء ببعض الوعود. وتتميز الإمارات بالتزامها الراسخ تجاه التنمية في إندونيسيا، ويبقى أن نرى تأثير اتفاقيات “أبراهام” على هذه العلاقة.

وقاوم “جوكوي” دعوات من الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات الثنائية مع إسرائيل، خوفًا من كون الرأي العام ليس جاهزًا بعد لعلاقات تجارية سرية حتى.

ولا تعتبر إندونيسيا فقط أرضًا خصبة للاستثمار الأجنبي المباشر القادم من الخليج والموجه نحو المشاريع؛ فباعتبارها الدولة ذات الأغلبية المسلمة الأكثر اكتظاظًا بالسكان، فهي تتمتع بثقل سياسي وديموغرافي وثقافي فريد في العالم الإسلامي.

وصدت إندونيسيا بحزم المحاولات الخارجية لتحويلها إلى بؤرة للتبشير بالوهابية. وترى أيديولوجية “بانتشاسيلا” التأسيسية للدولة الإندونيسية، أن مواطنيها المتنوعين متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق أو الدين. وهذا لا يغيب عن الإمارات التي تستضيف جالية أجنبية تبلغ 10 أضعاف عدد مواطنيها.

وتسير الإصلاحات الإماراتية والقانون الإندونيسي في اتجاهين متعاكسين، ويبقى أن نرى كيف سيؤثر ذلك على العلاقات. على سبيل المثال، أقرت جاكرتا قانون عقوبات صارم يحظر – من بين أمور أخرى – العيش المشترك للأزواج غير المتزوجين رسميًا.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ وضع الكثير من الاعتبار لتأثير الأيديولوجيا والدين على العلاقة بين الخليج وإندونيسيا، حيث ستتبع إندونيسيا مسارها الخاص بصرف النظر عن مصدر الاستثمار الأجنبي، كما إنها ستتجنب الاعتماد بشكل كبير على مصدر واحد للاستثمار.

وبصفتها شريكًا مهمًا لمنطقة الخليج، ستواصل إندونيسيا الاستفادة من مزاياها النسبية للتنافس مع الآخرين على السخاء الخليجي، مع تنويع العلاقات الاقتصادية أيضًا.

**لقراءة النص الأصلي More than meets the eye in Gulf–Indonesia ties

المصدر | جيورجي بوستين/ منتدى شرق آسيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى