سلطت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد “بنيامين نتنياهو”، بشأن تعليق خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية مقابل صفقة تطبيع مع السعودية، الضوء على مستقبل العلاقات بين الرياض ودولة الاحتلال، وسط تقارير إعلامية إسرائيلية تؤكد إجراء محادثات بين تل أبيب والرياض بشأن التطبيع الرسمي.
وارتفع سقف التوقعات بشأن موعد التطبيع الرسمي المزعوم بعدما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن شركاء في ائتلاف “نتنياهو” الحكومي اليميني قولهم إنهم “لن يقفوا في طريق جهود التطبيع مع السعوديين”.
وقال “نتنياهو”، في مقابلة مع صحيفة “جيويش إنسايدر”، نشرتها يوم الجمعة الماضي: “آمل أن نحقق سلاما رسميا كاملا مع السعودية، كما فعلنا مع دول الخليج الأخرى مثل البحرين والإمارات”.
وأثارت هذه التطورات تساؤلات المراقبين، خاصة أن السعودية امتنعت عن التوقيع على اتفاقيات ابراهيم، التي تم التوصل إليها بوساطة واشنطن في عام 2020.
ولكن يُعتقد أن الرياض أعطت الضوء الأخضر للبحرين، حيث تحتفظ بنفوذ حاسم، للانضمام إلى اتفاقية التطبيع مع إسرائيل إلى جانب الإمارات والمغرب والسودان.
ولا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين إسرائيل والسعودية، لكن العلاقات السرية بينهما تحسنت في السنوات الأخيرة، حيث يرى ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”، بشكل متزايد أن إسرائيل شريك استراتيجي في الحرب ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.
بينما أكد العاهل السعودي، الملك “سلمان بن عبدالعزيز آل سعود” مرات عديدة أن السعودية لن تؤيد أي خطة سلام في الشرق الأوسط لا تعالج وضع القدس أو حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
تطور كبير
وشهد عام 2022 تطورا كبيرا على صعيد ملف التطبيع بين الدولتين، ففي مارس/آذار الماضي، قال “بن سلمان” إن المملكة تنظر إلى إسرائيل كـ”حليف محتمل” وليس كـ”عدو” في العديد من المصالح المشتركة، خلال مقابلة مع مجلة “أتلانتيك” الأمريكية.
وفي يونيو/حزيران الماضي شاركت السعودية في محادثات مع إسرائيل حول العلاقات الاقتصادية والترتيبات الأمنية لضمان الاستقرار الإقليمي،، حسبما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وفي يوليو/تموز، أعلنت السعودية أن مجالها الجوي سيكون مفتوحا أمام جميع الطائرات التجارية، في إشارة إلى السماح للطائرات الإسرائيلية بالمرور.
ووصفت الولايات المتحدة وإسرائيل الخطوة بأنها مقدمة نحو التطبيع بين الرياض وتل أبيب، لكن المملكة رهنت التطبيع مع إسرائيل بتنفيذ بنود المبادرة العربية للسلام المطروحة عام 2002 في قمة بيروت.
غير أن وتيرة التقارير الصحفية الغربية حول استعداد السعودية للدخول إلى حظيرة التطبيع مع دولة الاحتلال تزايدت بعد الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى المملكة في يوليو/تموز، ومنها ما أورده موقع “أكسيوس” بشأن إعداد إدارة “بايدن” خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
وعرضت قناة I24 الإسرائيلية وثيقة رسمية تؤكد أن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” قدم مطالب السعودية للتطبيع مع إسرائيل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكلها تتعلق بمصالح الرياض لدى واشنطن، وليس فيها ما يخص القضية الفلسطينية.
وفي أغسطس/آب الماضي، اجتمع وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية السعودي “عادل الجبير” مع قيادات باللجنة اليهودية الأمريكية قائلا إن “نجاح التطبيع مرتبط بنجاح العناصر المعتدلة في المملكة”.
وفي سبتمبر/أيلول أفادت وكالة “بلومبرج” بأن شركة الهندسة والبرمجيات الإسرائيلية “كواليتيست” تبيع منتجاتها بشكل غير مباشر إلى المملكة. كما يسير الاستثمار في الاتجاه المعاكس أيضا، فشركة “ميثاق كابيتال”، التابعة لعائلة الراجحي السعودية، ومقرها الرئيسي الرياض، هي الآن أكبر مساهم في شركتين إسرائيليتين، هما “أوتونومو”، و”تريمور إنترناشونال”، بحسب الوكالة الأمريكية.
اقتراب التطبيع
وفي هذا الإطار يقرأ مراقبون تصريح مسؤولين سعوديين كبار لقناة I24 الإسرائيلية، في أغسطس/آب، بأن التطبيع بين الرياض وتل أبيب “مسألة وقت”، وهو ما عززه وزير الخارجية ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، “يائير لبيد”، في مقابلة إذاعية بقوله: “على إسرائيل السعي إلى التطبيع مع السعودية، باعتبار أن الأمر فيه مصلحة لإسرائيل”.
واعتبر “لبيد” أن مسألة التطبيع لن تحصل بين ليلة وضحاها وإنما ستتم بشكل منتظم وطويل، موضحا: “من الممكن أيضاً ألا تتم إلا بعد أن يتعاقب بعدي ثلاثة وزراء خارجية”.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أوردت وكالة “بلومبرج”، في تقرير لها، أن إسرائيل ودول الخليج أقامت علاقات أمنية مخفية إلى حد كبير بسبب المخاوف المشتركة، وخاصة إيران.
لكن الدافع الاقتصادي القوي هو الذي يقود العلاقات بشكل أكثر وضوحًا الآن، حيث يحاول “بن سلمان” تقليل اعتماد السعودية على النفط وتطوير الصناعات المتقدمة، حسبما نقلت “بلومبرج” عن مصادرها، مشيرة إلى رؤية ولي العهد السعودي لاستحداث منطقة عالية التقنية في نيوم على ساحل البحر الأحمر على بعد 40 دقيقة بالسيارة من الأراضي المحتلة.
وسبق أن نقلت وكالة “فرانس برس”، عن دبلوماسي مقيم في الرياض، القول إن “للبلدين عدوا مشتركا وهو إيران.. السعودية تريد التعويل بشكل أكبر على تحالف مع إسرائيل ضد إيران خصوصا مع رفض البلدين انخراط واشنطن في محاولة إحياء الاتفاق النووي، والذي يعتبرانه يهدد أمنيهما”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، كشف “جاريد كوشنر” صهر الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” وكبير مساعديه، أن السعودية سمحت لمشروعه الاستثماري الجديد وهو شركة “Affinity Partners” باستثمار أموالها في شركات إسرائيلية.
وجاءت إفادة “كوشنر” ردا على سؤال من أعضاء بالكونجرس عما إذا كان استمرار العلاقة الشخصية الجيدة بينه وبين “بن سلمان”، هي ما حققت لشركته صفقة الحصول على 2 مليار دولار من صندوق الثروة السيادي السعودي الحكومي.
توقعات 2023
ورغم الإجماع على اقتراب التطبيع بين إسرائيل والسعودية، إلا أن الترجيحات بشأن حدوثه في عام 2023 تباينت بين مؤيد ومعارض.
فعضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود “داني دانون” يتوقع “اتفاقا بين إسرائيل والسعودية في العام المقبل”، استنادا لـ”محادثات” بين الجانبين الفترة الماضية، وذلك خلال القمة العالمية للقيادة العالمية الأولى لاتفاقات إبراهيم في روما، حسبما أوردت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
لكن الباحث في مركز بلفر بجامعة هارفارد “محمد اليحيى” يرى أن هناك فرصة ضئيلة في أن تركّز الرياض على العلاقات مع إسرائيل “مع تجاهل القضية الفلسطينية”، موضحا: “تغيرت المشاعر عامة، لكنني لا أعتقد أنها تغيرت الى درجة لم يعد فيها الناس يهتمون بفلسطين”.
ويرى “بريان كاتوليس”، من “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن، أن الديناميكيات الداخلية للمملكة تختلف عن تلك الخاصة بجيرانها، موضحا “لا أرى مجالاً واسعاً لمزيد من الانفتاح كما نرى مثلا في الإمارات (…) حيث يمكنك مثلاً (…) بناء كنيس يهودي. أعتقد أن حدوث ذلك أبطأ في بلد مثل السعودية”.
وأيا ما كان الترجيح فإن تقريرا صادرا عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب يجزم بأن السعودية ستواصل خطواتها التي تمهد تدريجيا للانفتاح تجاه إسرائيل، “حتى لو كان ذلك بنموذج مختلف عن اتفاقيات إبراهيم”.
وأشار التقرير إلى أنه “إذا قدرت القيادة السعودية أن التقارب مع إسرائيل سيساعدها على تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، وتحسين الصورة المتطرفة التي التصقت بها وأنها ستحقق مكاسب اقتصادية وسياسية، فإنها قد تقوم بخطوة أخرى تجاه إسرائيل” في 2023.
المصدر: الخليج الجديد