قراءة في بيان حركة التحرير والبناء.. نرفض الاحتدام العشائري

أسامة آغي 

لم تمر جريمة اغتصاب وقتل الفتاتين السوريتين في منطقة الصور التابعة لمحافظة دير الزور بدون حركة احتجاج كبيرة، تمثّلت بمظاهرات في مناطق عديدة من دير الزور، تطالب بالاقتصاص من المجرمين، الذين ارتكبوا جريمة اغتصاب وقتل فتاتين من عشائر دير الزور، بعد معرفة أن الجناة المجرمين ينتمون إلى ميليشيا ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية، وأن المخطط الرئيسي لهذه الجريمة البشعة هو شقيق أحمد الخبيل متزعم ما يسمى مجلس دير الزور العسكري، هذا الفصيل جزء من ميليشيا قسد المعادية للشعب السوري.

حركة التحرير والبناء التي وصلتها أخبار الجريمة النكراء قامت بنشاط واسع وكبير، تمثّل هذا النشاط بإصدار بيان تفصيلي حول الجريمة وأبعادها، وما تُحدثه من صراعات محتدمة بين العشائر العربية في المنطقة الشرقية.

البيان كان رؤية سياسية بعيدة المدى، فهو نظر إلى هذه الجريمة ومثيلاتها نظرةً أبعد من عملية اغتصاب وقتل عاديين، فالبيان كما ورد فيه، حذّر من تداعيات هكذا جرائم بشعة على ترابط النسيج المجتمعي في منطقة الجزيرة والفرات، إذ رأى إن ارتكاب هذه الجرائم من قبل أشخاص ينتمون إلى عشائر المنطقة، وكانوا قد التحقوا بدون أي وازع أخلاقي ووطني بمشروع الميليشيا العابرة للوطنية المسماة (قسد)، إنما سيؤدي إلى صراعٍ بين العشائر العربية في المنطقة، مما يؤدي إلى إضعافها جميعاً، وهذا يخدم بالمحصلة مشروع ما يسمى (إدارة ذاتية)، يشرف عليها تنظيم صنّفته الولايات المتحدة وتركيا والعديد من دول أوربا الغربية، ألا وهو تنظيم ال PKK.

رؤية قيادة حركة التحرير والبناء التي تلخّصت ببيان شديد الوضوح، ركّزت على إن هذا الصراع المحتمل بين العشائر العربية إنما يخدم مشروع التغيير الديمغرافي الذي تسعى إليه الميليشيا العابرة للوطنية السورية، والتي تطلق على نفسها زوراً اسم (قوات سوريا الديمقراطية).

 هذه الرؤية تترتب عليها رؤية سياسية وطنية، حيث بقيت حركة التحرير والبناء التي تنتمي قواتها إلى محافظات المنطقة الشرقية من سوريا، (دير الزور والرقة والحسكة) على تواصل مع حاضنتها الشعبية في تلك المنطقة، وهي بذلك تعمل لتأطير هذه الحاضنة ضمن رؤية سياسية ترتكز على الوطنية السورية وعلى الخلاص من الاحتلالات الأجنبية، وعلى بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية.

إن ميليشيا قسد تدرك إن حركة التحرير والبناء هي من يستطيع تحرير المنطقة من هيمنتها، التي تستمر بقوة تواجد الاحتلال الأمريكي في شمال شرقي سوريا، هذا التحرير له ظروفه الموضوعية والذاتية، سواء من ناحية الإعداد العسكري المتقدم لقوات حركة التحرير والبناء، أو لناحية نضج ظروف المنطقة، للقيام بتغييرات سياسية، تخدم أفق الثورة السورية بالخلاص من الاستبداد الكريه، وإن هذه الميليشيا القسدية لن تستطيع الاستمرار في احتلال المناطق العربية في الجزيرة والفرات إلا في ظل حماتها الأمريكيين.

حركة التحرير والبناء التي أصدرت بياناً أدانت فيه جريمة اغتصاب الفتاتين وقتلهما، استهجنت في الوقت ذاته موقف قوات ما يسمى التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن دول هذا التحالف الدولي، ترفض انتهاكات حقوق الانسان، لكنها في الجريمة التي ارتكبتها ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” أغمضت عينيها عن هذه الانتهاكات الفظيعة.

وبرأي حركة التحرير والبناء فإن سكوت قوات التحالف الدولي عن هذه الجرائم إنما يحفّز على صراعات دموية، وهو أمرٌ يرفضه أبناء المنطقة الشرقية من سوريا وفي مقدمتهم ممثلهم العسكري والسياسي حركة التحرير والبناء.

إن رفض الانجرار إلى صراعات بين عشائر المنطقة الشرقية، هو ضرورة لتماسك النسيج الاجتماعي الذي تحاول قسد العبث به من أجل تمرير مشروعها في التغيير الديمغرافي، وهذا ما دفع قيادات حركة التحرير والبناء إلى التواصل المستمر مع حاضنتها الشعبية في المنطقة الشرقية.

إن حركة التحرير والبناء مطالبة بنقل مستوى كفاحها الوطني من شقّه العسكري إلى مرتبة ثانية له هي الشقّ السياسي، وهذا ما فعلته الحركة، حين رعت اجتماع قوى المنطقة الشرقية السياسية والاجتماعية منذ أيام، والذي وضع تصورات أولية عن مستقبل منطقتهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

حركة التحرير والبناء هي الحركة الأقدر على تمثيل وقيادة مشروع تحرير المنطقة الشرقية من سوريا، وهذا يتطلب العمل بدأب على تنشيط الجناح السياسي للحركة كي يتشكّل محور كفاحي يشمل مكونات المنطقة الشرقية السياسية والاجتماعية، وهذه مسؤولية تاريخية تتحمل مهام تنفيذها الحركة وقيادتها الشابة.

فهل سنشهد قريباً الإعلان عن تشكيل الجناح السياسي الموسّع لحركة التحرير والبناء على مرتكز الوطنية السورية وعلى رؤية برنامجية تقول بضرورة بناء دولة مدنية ديمقراطية في سوريا الجديدة.

 

المصدر: نينار برس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى