العواصف التي تضرب التحالف الثلاثي في جملته وفي داخل كل طرف فيه، تحمل مقدمات لتحولات كبرى في واقع التحالف ولكل واحد من أطرافه، وتثبت أن هذا التحالف اعجز من ان يستمر، وان كياناته مرشحة للانهيار أو لتغييرات عميقة مؤكدة.
ليس من باب المصادفة، أن الحلفاء الثلاثة روسيا وإيران ونظام الأسد، يخضعون لظروف شديدة القسوة في وقت واحد، وان الاحداث المتلاحقة التي تشهدها دولهم، ويعيش في ظلها سكانها، بلغت مستويات عالية من التردي والتدهور سواء في صورتها الخارجية، او وقائعها الداخلية بما فيها من ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية وامنية متصاعدة، يصعب حل ومعالجة بعضها، لكن جزءاً منها، صار من المستحيل أن تعالج على نحو ما هو الواقع عند نظام الأسد، فيما بإمكان روسيا أن تعالج وتتجاوز معظم مشكلاتها، إذا رغب حاكمها.
ولأن ما يحصل في بلاد الحلفاء من كوارث، لا يحدث بالمصادفة، فإن السؤال عن أسبابه أمر مفروض، لكن الاجابة مرهونة بصاحب الجواب. فالحاكم القابض على السلطة في البلدان الثلاثة، عنده جواب واحد في جوهره، وإن اختلفت المفردات، إذ يحيل السبب الى الخارج من دول ومنظمات وجماعات وأفراد، يديرون مؤامرات وتدخلات هدفها الانظمة الثلاثة وقادتها، والعمل على إلحاق الضرر بسمعتها ومصالحها في المحيطين الإقليمي والدولي، فيما يحيل خصوم الحلفاء وبخاصة الدول الداخلة معهم في مواجهات سياسية وعسكرية أسباب ما تعيشه أنظمة الحلفاء إلى سياستها وتعدياتها على الدول الأخرى وعلاقاتها بالإرهاب وجماعاته، التي تتجاوز دعم الارهاب الى ممارسة إرهاب الدولة، وهو من السمات المشتركة لإيران وروسيا ونظام الأسد في سوريا.
وللحق فإن الإجابات السابقة، تتجاوز وقائع تشكل الأسباب العميقة، لما صارت عليه أحوال الحلفاء من مشكلات وأزمات طاحنة، يقف خلفها اساساً النظام الحاكم بطبيعته الدكتاتورية المستبدة، مستنداً الى ايدلوجيا ماضوية فيها تعصب وتشدد، يقترن الاستناد إليها بهدف واحد وحيد هو دعم الحاكم المستبد والحفاظ على سلطته، وتشتق من طبيعة النظام استراتيجية السلطة في المجالين الداخلي والخارجي، بحيث لا يكون لأحد منها تأثير في حدوث أي تبدل جوهري فيها، بل يتم التعامل معها، وكأنها مسلمات مقدسة لا تقبل التعديل ولا حتى النقاش. وهو ما يبيّنه النموذج الإيراني الخامنئي وعلى جانبيه في اليسار النموذج الروسي البوتيني والسوري الأسدي على اليمين.
أتت المشكلات والأزمات الاساسية من خاصرة نهج العسكرة والتسلح وسياسات التمدد الخارجي وخوض المعارك والحروب السياسية والعسكرية، بما فيها عمليات المخابرات والجماعات الإرهابية والشركات الامنية، فإنها ارتبطت في المستوى الداخلي بإمساك مفاصل السياسة، وحصرها بالأقربين إلى النظام وأدواته، وتبني أنماط محددة من التنمية، تقوم على سيطرة النظام على الموارد والمنتجات الرئيسية، والاستغلال الكثيف لقدرات المنتجين من الأفراد والمؤسسات، برغم تمايز الطرفين، وفرض سياسات شد الأحزمة إلزاماً على الفئات الأضعف، التي لا صوت ولا تمثيل بها، ما أدى إلى تعرضها لعملية سحق متعددة الأبعاد، أغلقت أبواب اى تغيير إيجابي بطريقة سلمية، فلا يعود أمامها غير الثورة على النظام.
ليس من باب المصادفة، أن الحلفاء الثلاثة روسيا وإيران ونظام الأسد، يخضعون لظروف شديدة القسوة في وقت واحد، وان الاحداث المتلاحقة التي تشهدها دولهم، ويعيش في ظلها سكانها، بلغت مستويات عالية من التردي والتدهور.
التجسيدات العملية في واقع الاخوة المتحالفين كثيرة لجهة مؤشرات وصول بلدانهم وأهلها إلى حفرة عميقة وكبيرة. ولعل ابرزها عند أصغر الحلفاء ثورة السوريين على نظامهم، ورفض الأسد بموافقة أخويه في طهران وموسكو الذهاب الى حل سياسي في سوريا، والأسوأ تركيز جهود الثلاثة وتضافرها لوأد الثورة، وإعادة السوريين إلى حظيرة النظام، والسعي لإعادة الأخير إلى المحيط الإقليمي والدولي، وإعادة تطبيع العلاقات معه برغم كل ما ارتكبه مع حلفائه وبخاصة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، وما خلفته الحرب من تداعيات وآثار في سوريا ومحيطها الإقليمي والدولي.
لقد سعى الإيرانيون والروس إلى تقديم كل المساعدات والعون لنظام الأسد دون تحقيق أي نجاح. بل إن النتيجة أتت معاكسة، ويواجه النظام اليوم مجموعة انهيارات سياسية واقتصادية ومالية وادارية، لا بد أنها ستكون بين عوامل اطاحته، وهي سوف تسرع عملية سقوطه على الأقل، إن لم تحدث تدخلات كبيرة وجدية لانقاذه على نحو ما فعل حزب الله وإيران وروسيا وغيرهم مرات في الأحد عشر عاماً الماضية.
وانتقالاً من حالة نظام الأسد إلى نظام الملالي، فان إيران تواجه مشكلات عميقة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، لعل الأهم في مظاهرها الهبات المتلاحقة والاحتجاجات المتكررة، والتي لا تعدم سبباً للانطلاق، ثم تتواصل وهي تفتح كل ملفات النظام وسياساته، والمثال القريب، تعبيره “الهبة الراهنة للنساء الإيرانيات”، بسبب وفاة شابة في الاعتقال لـ”خلل” في حجابها، ثم كرت السبحة، فأخذت الهبة بعداً شعبياً، شمل انحاء ايران وارتفعت الهتافات ضد سياسات النظام، وطالبت بإسقاطه، و بـ”الموت للدكتاتور” في اشارة الى المرشد علي خامنئي.
وإذا كان من غير المعروف، ان نظامي بوتين والأسد قدما أي معونة لإيران في مواجهة الهبة الشعبية، باستثناء المساندة الدعاوية- الإعلامية، فإن نظام الملالي واجه الهبة بحذر شديد مقلباً السياسات بين حد العنف المفرط الذي دأب على ممارسته منذ وصول الملالي للسلطة عام 1979، والوعد بمعالجات واصلاحات، ظهر في تطبيقاتها الاولى الطابع التلفيقي للمعالجة، بالتزامن مع الكشف عن أنيابه في مواجهة الحركة الشعبية والمناهضين لسياساته وسلوكياته، واللجوء الى اعتقالات واسعة، واصدار احكام اعدام المشاركين في الاحتجاجات.
أكبر الحلفاء وأهمهم روسيا، التي تواجه مشكلات أشد وطأة من مشكلات العهد السوفياتي البائد والتي كانت اختلاطات التنمية الاقتصادية الاجتماعية وقضايا الحريات وحقوق الإنسان أبرزها، وأهم أسباب انهيارها، وعانت منها روسيا بزعامة بوتين، وأضافت اليها، مشكلة ناتجة عن نزعات التمدد الامبراطوري سواء امبراطورية القياصرة او الامبراطورية السوفياتية المغطاة بـ”الاممية البروليتارية”، وقد بدأ بوتين رئاسته الأولى عام 1999 على وقع الحرب بالتتابع في إقليمي داغستان والشيشان الانفصاليين التابعين لروسيا الاتحادية، في أقصى جنوب غربي البلاد، واستمر في حروب طوال العقدين التاليين في جورجيا وأوسيتنيا الجنوبية وأبخازيا والقرم، ثم سوريا، حيث أعطاه تدخله العسكري والسياسي العميق فيها إحساساً بالعظمة، جعلته يتطلع نحو شرق أوروبا، فاتجه إلى أوكرانيا معتقداً أنها ستكون لقمة سائغة، تمهد له تمدداً أكبر في أوروبا.
وبدل أن تعزز نزعة التوسع سلطة بوتين، وتغطي على مشكلات سياساته الداخلية وتردياتها، فإنها فاقمت أوضاع الداخل نتيجة فشل العمليات العسكرية، وتزايد الخسائر في أوكرانيا، التي تم تصويرها بمثابة نزهة للجيش الروسي مثل معركة حلب في سوريا عام 2015، وكان من الانعكاسات الداخلية للحرب تهرب الشبان الروس من حملة تجنيد ثلاثمائة الفاُ، ودفعهم الى اتون الحرب، وتزايد موجات التنديد بسياسات بوتين، وتوالي عمليات تخريب في أنحاء مختلفة من روسيا، مازالت الشكوك تحيط بالقائمين بها.
لقد حاول حليفا بوتين في ايران وسوريا مساعدته بصورة علنية، عبر الدعم الإعلامي وتقديم إيران طائرات مسيرة، تساعده في الحرب، وإرسال نظام الأسد مجموعات من المتطوعين للقتال الى جانب القوات الروسية، لكن أثر ذلك سيكون محدوداً على نتائج الحرب.
خلاصة الأمر، أن العواصف التي تضرب التحالف الثلاثي في جملته وفي داخل كل طرف فيه، تحمل مقدمات لتحولات كبرى في واقع التحالف ولكل واحد من أطرافه، وتثبت أن هذا التحالف اعجز من ان يستمر، وان كياناته مرشحة للانهيار أو لتغييرات عميقة مؤكدة، ولعلها قريبة بالنسبة إلى نظام الأسد، ومحتملة وان احتاجت بعض الوقت بالنسبة إلى نظام الملالي. أما في موضوع روسيا، فالأمر أكثر تعقيداً، وغالباً فإن العالم بما فيه خصوم بوتين على جبهات القتال، سيذهب الى تسوية، فروسيا دولة عظمى، ليست ايران الملالي ولا سوريا الأسد.
المصدر: موقع درج