يطرح استمرار انهيار الواقع المعيشي والاقتصادي في سورية، وغياب أي مخارج أمام نظام بشار الأسد، لا سيما مع انشغال روسيا وإيران بأوضاعهما، تساؤلات عن إمكان اتجاه هذا النظام لتقديم تنازلات سياسية حقيقية والذهاب نحو تطبيق القرارات الدولية للحل، وفي مقدمتها القرار 2254.
غير أن تجارب السنوات الـ11 من عمر الثورة، وما تخللته من إفشال أي مسارات للحل السياسي، تظهر أن هذا النظام ليس مستعداً لتقديم أي تنازلات حقيقية، مراهناً على قبضته الأمنية لمواجهة أي حراك.
ويستمر تراجع الوضع المعيشي في مناطق سيطرة النظام، مع الغلاء الفاحش وحالة شلل مؤقتة في الحركة، نتيجة عدم توفر المحروقات والإحجام عن الشراء بسبب ارتفاع الأسعار مع انهيار الليرة السورية أمام الدولار.
وأظهرت احتجاجات السويداء المستمرة تجاوز المطالب بتحسين الواقع المعيشي والأمني، نحو المطالبة بتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 2254، إذ لا بد من الذهاب إلى الحل الشامل الذي ينهي العقوبات على النظام غير القادر على التواصل إلا مع حلفائه.
أما إجراءات النظام، ومنها إصدار مراسيم العفو العام، فلم تعد تقنع السوريين في ظل استمرار التهديد الأمني بالاعتقال والسوق للخدمة الإلزامية، ومع بقاء نشر مئات الحواجز الأمنية في مناطق سيطرة النظام، والتي لا يوجد رادع قانوني أو أمني يمنعها من اعتقال أو توقيف من تشاء بأي ذريعة أو حجة.
كذلك، فإن المنح المالية والزيادات في الرواتب، التي كان صدر آخرها قبل أيام بالتزامن مع مرسوم للعفو، فلم تعد قادرة على تحسين المعيشة إلا ليوم أو يومين على أبعد تقدير، بدولاراتها العشرة أو العشرين، التي تصطدم بقدرتها الشرائية مع انهيار الليرة.
النظام لا يبالي بالتحذيرات الأممية
ولا يبدو أن النظام يلقي بالاً للتحذيرات الأممية من الكارثة الحالية وتفاقمها مستقبلاً، لا سيما أن المسارات السياسية متوقفة، بعد أن عجز المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن عن إعادة إحياء مسار لجنة إعادة صياغة الدستور.
وإن كانت اللجنة الدستورية توقفت على أبواب الجولة التاسعة، فإن جولاتها الثماني الماضية لم تفضِ إلى صياغة أو إقرار أي مادة من الدستور، نتيجة مراوغة النظام بإسناد روسي بالقفز على جداول الجلسات وتمييعها، فيما المسار السياسي العام، المتمثل بالقرار 2254، لم يُطبّق أي من مخرجاته فعلياً منذ إقراره قبل سبعة أعوام في مجلس الأمن.
ولفت بيدرسن في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، إلى المخاطر الأمنية والإنسانية في ظل الوضع الحالي المعقد على المستوى المعيشي والسياسي والعسكري.
وتوقع مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، في الجلسة نفسها، أن يصل عدد السوريين الذين يحتاجون للمساعدات الإنسانية في العام المقبل إلى أكثر من 15 مليون سوري، وهذا تعداد السوريين الباقين في سورية بعد أن شردت الحرب حوالي 7 ملايين في بلدان اللجوء.
وتلك المساعدات مهددة بالتوقف، في حال أصر الروس على عدم تجديد آلية إدخال المساعدات إلى سورية أو التعديل عليها، كما حصل عند تجديدها في آخر مرة، أي أن النظام والروس سيسعون لتحصيل تنازلات غربية مقابل الموافقة على تجديد الآلية من دون “فيتو” روسي في مجلس الأمن.
أما اتجاه حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتطبيع مع نظام الأسد، فقد يحاول الأخير استغلالها لتحقيق مكاسب مرحلية على مبدأ خطوة بخطوة، في حال نجح الروس بترتيب لقاءات بين المسؤولين الأتراك والسوريين، بهدف الوصول إلى لقاء الأسد وأردوغان.
استبعاد تقديم النظام تنازلات
ورأى الباحث السوري رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، أن النظام يدرك أنه وصل إلى طريق مسدود كلياً، وأن كل الخيارات أصبحت معدومة بالنسبة إليه، مستبعداً أن يقدّم النظام أي تنازلات سياسية حقيقية.
ولفت زيادة في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “النظام لا يزال لديه التفكير نفسه، بأن هذه الأزمة مؤقتة وستمر، وتحتاج إلى صبر ومقاومة، وبالنسبة له، فإنه تجاوز أصعب الظروف الأمنية بين العامين 2012 و2014، وبالتالي استراتيجيته تقوم على قمع الأصوات وتشديد القبضة الأمنية التي تعترض على الظروف المعيشية بقسوة أشد، والانتظار حتى تتغير الأمور”.
وتابع: “اعتدنا على رد فعل النظام، ولذلك بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرته، سيصبح الوضع أكثر صعوبة اقتصادياً وأمنياً”.
وحول مراوغة النظام للاستفادة من الحصول على تنازلات في ملفات مختلفة، لفت زيادة إلى أن “النظام دائماً يقوم على الكذب والاعتماد على حلفائه من أجل إنقاذه، لكن المشكلة لديه أن كل من روسيا وإيران في وضع صعب، وقد سئمتا من دعمه من دون عوائد، وعدم قدرة النظام على إطلاق عجلة الانتاج، وبالتالي، الطريق مسدود كلياً”.
وتابع: “ربما إيران ستستمر بدعم النظام وتمويله بالنفط، لكن ذلك لم يعد يكفي، وباختصار، طريق النظام مسدود وليست لديه خيارات، لكن الحل بالنسبة إليه المقاومة والانتظار، ولا أعتقد أنه يعول كثيراً على التطبيع مع تركيا لأن هناك شروطاً يجب أن يلبيها، ودائماً يريد دعماً غير مشروط”.
المصدر: العربي الجديد