ليست العروبة مجرد دعوة لاستعادة وعي الهوية لشعوب المنطقة العربية، لكنها بذات المقدار من الأهمية الطريق لحشد القوى الكامنة لدى تلك الشعوب للدفع نحو التحرر والعبور فوق الانقسامات الأخطر ونعني بها الانقسامات الطائفية التي توشك أن تمزق المشرق العربي .
ومن يراقب تسلسل الانحدار العربي منذ السبعينات من القرن الماضي سوف يجد أنه يترافق مع تراجع الوعي العروبي في حين عجزت الوطنية القطرية عن الوقوف بوجه الانقسامات العمودية داخل المجتمع.
يطرح ذلك العجز ضرورة إجراء مراجعة باتجاه استعادة الوعي العروبي ليس كبديل أو منافس للوطنية القطرية كما طرحته القوى القومية سابقًا، بل كحقيقة ثقافية تاريخية لايمكن تجاوزها أو وضعها جانبًا وتجاهلها في ميدان العمل السياسي .
وعلى سبيل المثال فقد رأينا كيف يفقد العراق استقلاله السياسي ويفقد معه التحكم بالمستقبل حين تحولت الطائفية إلى عقيدة سياسية مبعدة العراق عن هويته العربية. وفي المقابل تبدو الوطنية العراقية بحاجة ماسة لاستعادة الوعي العربي من أجل انتزاع استقلال العراق وتحرره من الهيمنة الإيرانية .
مثال العراق واضح الدلالة في كيف يمكن للوعي العروبي أن يشكل رافعة للوطنية القطرية في الكفاح السياسي لتجاوز الإنقسام الطائفي والتحرر من الهيمنة الخارجية .
والحالة السورية لاتختلف كثيرًا عن الحالة العراقية في حجم الكارثة الوطنية التي وصلت إليها سورية بسبب الإنقسامات الداخلية مما أوصل الوطنية السورية لحافة الانهيار وأوصل سورية لخطر التفكك وفقدان الاستقلال .
وليس خافيًا أن الانقسام الداخلي هو العامل المؤسس للتدخلات الخارجية، ولاحقًا لفقدان القرار السياسي والارتهان للقوى الخارجية .
السؤال هنا كيف يمكن للوطنية السورية أن تنهض ثانية لتتجاوز الإنقسامات الداخلية وتنتزع استقلال سورية ووحدتها .وكما في العراق فإن الوطنية السورية لايمكن لها الاستغناء عن الوعي العروبي لوقف المفاعيل الطائفية التي تسير نحو تغيير الهوية العربية لسورية ووضعها تحت الوصاية الخارجية أو تقسيمها لكانتونات متناحرة تغلق أمام البلاد طريق المستقبل .
ما ينبغي الإلتفات إليه أن الأساس في التمزق السوري هو الإنقسام الداخلي الطائفي وليس العرقي القومي، وأن وجود قسد في شمال وشرق سورية هو نتيجة ذلك الإنقسام، كما أن المسألة الكردية في سورية قد جرى تضخيمها واستغلالها لأقصى الحدود. لكن ذلك يبقى مرهونًا بتوحد الشعب السوري ونهوضه الوطني الذي لايمكن أن يستغني عن وعيه العروبي مثلما هو الحال في العراق .
لقد وقف التيار العروبي في سورية منذ وقت طويل في مقدمة الكفاح السياسي من أجل التغيير الوطني الديمقراطي، وساهم بفعالية في كل المبادرات الوطنية من أجل الحرية والديمقراطية، وحين انطلقت الثورة السورية الشعبية السلمية التفت كوادره وحواضنه حول راية الثورة السلمية من أجل الحرية والكرامة والتغيير االوطني الديمقراطي .
واستعادة الوعي العروبي اليوم ليس مسألة اختيار أيديولوجي يمكن قبوله أو رفضه لكنها مسألة ضرورة تقتضيها الوطنية السورية لاستعادة حيويتها وقدرتها على تجاوز الانقسامات الداخلية، وحشد كل الطاقات للنهوض الوطني القادم .