خلال هذا الأسبوع، أكدت جهات مقرّبة من قصر المرادية في رئاسة الجمهورية، أن السلطات الجزائرية التنفيذية قد شرعت فعلياً في تطبيق إجراءات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون القاضية بوضع اللمسات الأخيرة على قرار فتح فرعين لبنكين جزائريين في الخارج، أحدهما في السنغال وثانيهما في موريتانيا، وذلك بهدف الانفتاح الاقتصادي على هذين البلدين.
إلى جانب هذين الفرعين تأكد أيضاً فتح فرع مصرفي جزائري آخر في باريس يستهدف بالدرجة الأولى الجالية الجزائرية بفرنسا وعموم أوروبا الغربية التي يقدر تعداد أفرادها بما لا يقل عن 5 ملايين نسمة. ويتمثل الهدف المركزي الذي تسعى إلى تحقيقه السلطات الجزائرية في استقطاب هذا الفرع البنكي للجاليات المغاربية والأفريقية التي يقدر أفرادها بالملايين أيضاً.
وتوضح التقارير المنشورة أخيراً في مختلف الوسائل الإعلامية الجزائرية، خصوصاً تلك ذات الصلة منها بمراكز صنع القرار في وزارة المالية والوزارة الأولى ومؤسسة الرئاسة أن لكل فرع من هذه الفروع البنكية الثلاثة اختصاصاتها، حيث يرمي الفرع الباريسي جوهرياً إلى توفير وعاء بنكي لأموال الشريحة العمالية الجزائرية العاملة بفرنسا وبلجيكا ومختلف دول أوروبا الغربية. ولكن هناك من يرى أن استراتيجية وزارة المالية الجزائرية تتمثل أيضاً في قطع الطريق على محترفي تبديل العملة الصعبة في السوق السوداء في الجزائر وفي المواقع التي تنطلق منها مثل فرنسا وبلجيكا على نحو خاص.
وفي هذا الخصوص، يعتقد العارفون بشؤون سوق العملة الصعبة بالجزائر وعلى مستوى الجالية الجزائرية في الخارج، أن الجهات التي تقف وراء ستار عمليات غسل الأموال وتهريبها إلى الخارج لن تكون لقمة سائغة لهذا الطعم الذي يلوّح به الفرع البنكي الجزائري في باريس.
وفي الواقع فإن استخدام هذا الفرع البنكي لغايات جلب استثمار العمال المغتربين الجزائريين إلى الجزائر في مجال العقار الباهظ الثمن عند الخواص أو عند مصالح البناء التابعة للدولة، أو في إطار الشركات الصغيرة المحدودة أو في مشاريع تربية الدواجن وغيرها من المجالات، فذلك أمر يحتاج أولاً إلى ترتيبات حاسمة بديلة، منها تسقيف سعر العقار بقوة القانون الذي يفرض على الجميع بأسعار مقبولة، وأيضاً إعادة الحكومة الجزائرية النظر جذرياً في قانون الاستثمار وتحريره من كل أشكال البيروقراطية، والمحسوبية، فضلاً عن تحرير البنوك نفسها، سواء كانت تابعة للدولة الجزائرية أو للدول الأجنبية مثل فرنسا ودول الخليج، من القيود الفولاذية التي تمنع الزبائن من تحويل الأموال من الجزائر إلى الخارج، وكذلك محاربة المماطلة التي تنغص حياة المتعاملين مع هذه البنوك، الأمر الذي يصعّب، مثلاً، تحويل أموال المواطنين في الوقت المحدد وبطرق سلسة إلى المؤسسات الأجنبية التي تتوافر فيها وسائل علاج الأمراض الخطيرة أو تحويل المستحقات المالية التي هي حقّ شرعي للجاليات الطلابية التي تتم إفرادياً غالباً وبلا وصاية الدولة، وهلم جرّا…
أما اختصاصات وأهداف الفرعين البنكيين الجزائريين في السنغال وموريتانيا، فتتلخص بحسب تقرير الإعلامية الجزائرية إيمان كيموش الذي نشرته “الشروق” اليومية في 18/12/2022، في “تحقيق استثمارات جزائرية في إفريقيا، وهو ما يسعى إليه بنك السنغال، الذي يمتلك البنك الوطني الجزائري أكبر حصة منه، حيث يأتي هذا الفرع تزامناً مع تكثيف التعاون الجزائري – الأفريقي في مجال الأعمال والشراكات وانضمام الجزائر لمنطقة التجارة الحرة الأفريقية”.
وفي هذا السياق، يرى خبراء جزائريون متخصصون في علاقة الجزائر بأفريقيا وبالاستثمار المالي فيها، أن إجراء فتح الجزائر فرعي بنكين في السنغال وموريتانيا بمبالغ زهيدة، لا يكفي وحده لتحقيق مشروع بناء العلاقات العضوية الجزائرية – الأفريقية في كل المجالات الحيوية مثل الثقافة، والتعليم، والفلاحة والزراعة، والإعلام والاقتصاد فضلاً عن البعد الأمني بكل تفصيلاته.
في هذا السياق تنبغي الإشارة إلى أن الحجم المالي المخصص للفرع البنكي الجزائري في السنغال والمقدر بـ 100 مليون دولار وللفرع البنكي الجزائري بموريتانيا الذي يبلغ رأسماله 50 مليون دولار، لا يُقارن بمليارات الدولارات التي تمثل حجم استثمارات الشركات الأوروبية والغربية الخاصة، والصين في القارة الأفريقية، وحجم استثمار الدول الكبرى مثل بريطانيا التي تحكمها بأفريقيا الأنغلوفونية معاهدات الكومنولث البريطاني، وفرنسا التي تحكمها بأفريقيا معاهدات منظمة الفرنكوفونية، وأميركا التي تمارس في أفريقيا القوة الناعمة بشكل يسوغ لها وجودها الأمني في القارة الأفريقية.
لقد بيّنت أعمال القمة الأفريقية – الأميركية التي انعقدت في واشنطن على مدار ثلاثة أيام من 13 إلى 15 الشهر الجاري، أن الولايات المتحدة تملك المفاتيح المالية لممارسة الهيمنة على أفريقيا حيث وعدت بمسح جزء من ديون القارة وبحزمة مساعدات مالية للسنوات الثلاث المقبلة تقدر بمبلغ 55 مليار دولار، ويعني هذا أن الجزائر لا تستطيع أن تنافس اقتصادياً العملاقين الأميركي والصيني أو الدول الكبرى الأوروبية في القارة السمراء بمجرد فتح فرعي بنكيين في السنغال المحسوبة تقليدياً على فرنسا وبريطانيا.
وفي الحقيقة، فإن المحاولات التي ما فتئت تبذلها الجزائر من أجل حجز مكان خاص بها في أفريقيا يتم غالباً على مستويات سياسية شكلية ضمن الاتحاد الأفريقي، وفي إطار التعامل مع التنظيمات الصوفية ومساعدتها مالياً على نحو بسيط جداً، ويمكن ضرب الأمثلة بانعقاد ندوة دولية بالجزائر، في الأيام القليلة الماضية، تحت عنوان “الشيخ الإمام والفقيه محمد بن عبد الكريم المغيلي والحوكمة واستقرار المجتمعات الأفريقية” وذلك بحضور بعض الأمراء والسلاطين الأفارقة. لقد كرست هذه الندوة ظاهرياً لدور الشيخ المغيلي المولود في عام 1504 بتلمسان في نشر الإسلام في أدغال وممالك أفريقيا مغاربياً وأفريقياً.
المصدر: النهار العربي