دخلت ألمانيا فعلياً عصر تحديث جيشها، عملاً بقرار إعادة التجهيز والتدريب من الصندوق الخاص، والذي رُصد له خلال شباط ( فبراير) الماضي ما قيمته 100 مليار يورو، على أن يستثمر أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع كل عام في المستقبل، بعدما كانت وزيرة الدفاع قد قالت صراحة عند توليها منصبها إن المروحيات لا تطير والبنادق لا تصيب أهدافها، وهذا ما يثير الكثير من السخرية.
وبعدما باتت ثمة قواعد جديدة مع الغزو الروسي لأوكرانيا وتزعزع الاستقرار الأمني الأوروبي، وتهديد المستشار أولاف سولتس صراحة بحرب نووية واسعة النطاق إذا اقتضى الأمر، وبالدفاع عن كل متر مربع من أراضي التحالف، طرحت خلال الفترة الماضية ثمانية مشاريع على طاولة اجتماعات لجنتي الميزانية والدفاع،
لتخلص الأمور يوم الخميس الماضي، بعد تأخير لأشهر عدة إلى إعطاء الأخيرة الضوء الأخضر من البوندستاغ لمشاريع تمول من الصندوق الخاص. ووافقت لجنة الميزانية على حوالي 13 مليار يورو لشراء 35 طائرة شبح مقاتلة أميركية من طراز “أف 35 لايتنيغ 2” قادرة على حمل السلاح النووي، لتحل محل أسطول طائرات تورنيدو القديمة، ووقع في اليوم نفسه المكتب الفدرالي للمعدات وتكنولوجيا المعلومات والدعم اتفاقية الشراء مع القوات الجوية الأميركية. ومن المفترض، بحسب البيان الصادر عن السفارة الأميركية لدى برلين، أن يتم تسليمها الأسلحة بين أعوام 2026 و 2029، على أن يتضمن برنامج المبيعات العسكرية آلية التعامل مع عمليات البيع وتخطيط المهام والذخائر والخدمة اللوجستية والتدريب. وفي السياق، أكد مفتش القوات الجوية الفريق أنغوغير هارتس، في مؤتمر صحافي مشترك مع المفتش العام للقوات المسلحة، أنه يجب تدريب الطيارين الألمان على “أف 35” عام 2026 قبل أن تُنقل إلى ألمانيا عام 2027 وإعلان الجاهزية التشغيلية الأولى عام 2028.
وأمام ذلك، يفيد خبراء أمنيون أنه من خلال شراء أحدث طائرات مقاتلة في العالم، تسعى ألمانيا لضمان التزام حلف الناتو بما يتعلق بمفهوم الردع للتحالف العسكري الذي يمكن للأعضاء من خلاله الوصول إلى القنابل النووية الأميركية ونقلها في حالات الطوارئ. وفي المقابل، تبرز المطالبات بالاستثمار على نطاق واسع في القوات البرية، حيث قال رئيس اتحاد البوندسفير أندريه فوستنر للقناة الثانية زد دي أف، إن مشروع الطائرات ضروري وهام، لكنه لا يساعد الوضع الحالي، المشكلة داخل الجيش الألماني، وذلك في ظل النقص الكبير في العتاد، ومع تطور المواجهات العسكرية وتحشيد الناتو لقواته وتسليم برلين الأسلحة والمعدات لأوكرانيا لدرء المخاطر والدفاع عن نفسها.
أما بخصوص استثمار 2% على الدفاع في المستقبل، فقد بيّنت دراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني ونشرتها “شتوتغرترناخريشتن” أخيراً، أن النسبة المذكورة بعيدة المنال. وبحسب الباحثين في المعهد، تكمن المشكلة في التضخم وارتفاع الأسعار، والتوقعات بشأن الزيادات في أسعار السلع الدفاعية، إضافة إلى الزيادة الكبيرة في تكاليف الموظفين وأسعار مشتقات الطاقة. مع العلم أن 41% من نفقات الخطة مكوّنة من مصاريف للأفراد، إذا لم يكن هناك من زيادة كبيرة للأجور في القطاع العام مع ارتفاع نسبة التضخم.
وبالإضافة إلى الطائرات المقاتلة، وافقت اللجنة على شراء 20 ألفاً من الأجهزة اللاسلكية العسكرية الحديثة بحوالي 3 مليارات يورو، و140 مركبة مخصصة للاستخدام على الثلوج بحوالي 500 مليون يورو، و11871 بندقية هجومية بأكثر من 25 مليون يورو بدلاً من بنادق قديمة من نوع جي 36، إلى الموافقة على خطة لتحديث مركبات قتال المشاة من طراز بوما بمليار يورو. حتى أن المفتش العام للجيش أبرهارد زورن أعلن إنشاء فرقة من البوندسفير جاهزة للقتال مع الناتو ولواء آخر للقتال مع الاتحاد الأوروبي بحلول 2025، إلى توفير 20 قارباً وسفينة للقوات البحرية الألمانية، وضمن خطة عمل وبالاعتماد على مسار مالي محدد. وتعتزم ألمانيا إنفاق أكثر من 20 مليار يورو على الذخيرة، بما في ذلك الصواريخ وذخائر المدفعية في السنوات المقبلة. وأفاد زعيم حزب الخضر أوميد نوريبور بأن الجيش الألماني لديه حالياً من الذخائر ما يكفي ليومين في حالة الطوارئ.
من جهة ثانية، بعدما ساد الغضب والتململ السياسي الألماني من سويسرا التي رفضت نقل شحنات ذخيرة من ألمانيا إلى أوكرانيا بداعي الحياد، اتخذت شركة راينميتال الألمانية التي تعتبر نفسها مسؤولة عن دعم الحكومة لاستعادة قدرات الجيش، قراراً ببناء منشأة لخط جديد وتوسيع طاقتها الإنتاجية لتصنيع الذخيرة في البلاد بهدف تزويد البوندسفير تزويداً مستقلاً عن شركة تصنيع الأسلحة والذخائر السويسرية “أورليكون”، التي تنتمي أساساً إلى مجموعة “راينميتال”، وذلك اعتباراً من حزيران (يونيو) 2023. وكان يتم تصدير المخزونات القديمة من الأسلحة اللازمة لدبابة “غيبارد” الألمانية المضادة للطائرات بعد موافقة الحكومة السويسرية، خصوصاً أن “أورليكون” تبيع أيضاً ذخيرة للمركبات القتالية مثل بوما، ومدافع للطائرات المقاتلة من طراز “تورنيدو” و”يورفايتر”.
وذكر أن “غيبارد” تُستخدم على نطاق واسع في أوكرانيا لحماية البنية التحتية من الضربات الجوية الروسية، كما المرافق التي يتم عبرها نقل الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية.
في المقابل، كان هناك اعتراضات على التسليح في ظل التصعيد المستمر للحرب الروسية في أوكرانيا وتسارع خطط الحرب الألمانية تسارعاً كبيراً مع توجه السلطات لشراء المقاتلات الحربية الحديثة.
واعتبر المحلل يوهانيس شتيرن، أن إعادة التسلح التاريخية والأكبر منذ أيام زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، وتخصيص المليارات من أجل الجيش الألماني بمثابة إعلان حرب على الطبقة العاملة والشباب، وبخاصة أن تخفيضات هائلة ستطال موازنات الوزارات لعام 2023، بينها وزارة الصحة التي ستنخفض بحوالي 40 مليار يورو، إلى موازنات وزارات أخرى مثل التعليم والشؤون الاجتماعية المعدلة أساساً بفعل التضخم، مشيراً إلى أنها أكبر تراجع منذ الحرب العالمية الثانية.
المصدر: النهار العربي